«ومثل» نفقات «الذين ينفقون أموالهم ابتغاء» طلب «مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم» أي تحقيقا للثواب عليه بخلاف المنافقين الذين لا يرجونه لإنكارهم له ومَن ابتدائية «كمثل جنة» بستان «بِرُبْوَةٍ» بضم الراء وفتحتها مكان مرتفع مستو «أصابها وابل فآتت» أعطت «أكلَها» بضم الكاف وسكونها ثمرها «ضعفين» مثلَيْ ما يثمر غيرها «فإن لم يصبها وابل فطلٌ» مطر خفيف يصيبها ويكفيها لارتفاعها، المعنى: تثمر وتزكو كثر المطر أم قل فكذلك نفقات من ذكر تزكو عند الله كثرت أم قلت «والله بما تعلمون بصير» فيجازيكم به.
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)
أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،
فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .
وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:
إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في
أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.
------------
(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 /
341 - ج 2 /
381 - ج 3 /
348 ، 123 ، 511 - ج 2 /
535 ، 684 - ج 3 /
381 - ج 1 /
435 ، 434
وهذا مثل المؤمنين المنفقين ( أموالهم ابتغاء مرضاة الله ) عنهم في ذلك ( وتثبيتا من أنفسهم ) أي : وهم متحققون مثبتون أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء ، ونظير هذا في المعنى ، قوله عليه السلام في الحديث المتفق على صحته : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا . . . " أي : يؤمن أن الله شرعه ، ويحتسب عند الله ثوابه .
قال الشعبي : ( وتثبيتا من أنفسهم ) أي : تصديقا ويقينا . وكذا قال قتادة ، وأبو صالح ، وابن زيد . واختاره ابن جرير . وقال مجاهد والحسن : أي : يتثبتون أين يضعون صدقاتهم .
وقوله : ( كمثل جنة بربوة ) أي : كمثل بستان بربوة . وهو عند الجمهور : المكان المرتفع المستوي من الأرض . وزاد ابن عباس والضحاك : وتجري فيه الأنهار .
قال ابن جرير : وفي الربوة ثلاث لغات هن ثلاث قراءات : بضم الراء ، وبها قرأ عامة أهل المدينة والحجاز والعراق . وفتحها ، وهي قراءة بعض أهل الشام والكوفة ، ويقال : إنها لغة تميم . وكسر الراء ، ويذكر أنها قراءة ابن عباس .
وقوله : ( أصابها وابل ) وهو المطر الشديد ، كما تقدم ، ( فآتت أكلها ) أي : ثمرتها ) ضعفين ) أي : بالنسبة إلى غيرها من الجنان . ( فإن لم يصبها وابل فطل ) قال الضحاك : هو الرذاذ ، وهو اللين من المطر . أي : هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدا ; لأنها إن لم يصبها وابل فطل ، وأيا ما كان فهو كفايتها ، وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدا ، بل يتقبله الله ويكثره وينميه ، كل عامل بحسبه ; ولهذا قال : ( والله بما تعملون بصير ) أي : لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء .
قوله تعالى {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم} {ابتغاء} مفعول من أجله. {وتثبيتا من أنفسهم} عطف عليه. وقال مكي في المشكل : كلاهما مفعول من أجله. قال ابن عطية : وهو مردود، ولا يصح في {تثبيتا} أنه مفعول من أجله، لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت. و{ابتغاء} نصب على المصدر في موضع الحال، وكان يتوجه فيه النصب على المفعول من أجله، لكن النصب على المصدر هو الصواب من جهة عطف المصدر الذي هو {تثبيتا} عليه. ولما ذكر الله تعالى صفة صدقات القوم الذين لا خلاق لصدقاتهم، ونهى المؤمنين عن مواقعة ما يشبه ذلك بوجه ما، عقب في هذه الآية بذكر نفقات القوم الذين تزكو صدقاتهم إذ كانت على وفق الشرع ووجهه. و{ابتغاء} معناه طلب. و{مرضات} مصدر من رضي يرضى. {وتثبيتا} معناه أنهم يتثبتون أين يضعون صدقاتهم، قاله مجاهد والحسن. قال الحسن : كان الرجل إذا هم بصدقه تثبت، فإن كان ذلك لله أمضاه وإن خالطه شك أمسك. وقيل : معناه تصديقا ويقينا، قاله ابن عباس. وقال ابن عباس أيضا وقتادة : معناه واحتسابا من أنفسهم. وقال الشعبي والسدي وقتادة أيضا وابن زيد وأبو صالح وغيرهم{وتثبيتا} معناه وتيقنا أي أن نفوسهم لها بصائر فهي تثبتهم على الإنفاق في طاعة الله تعالى تثبيتا. وهذه الأقوال الثلاث أصوب من قول الحسن ومجاهد، لأن المعنى الذي ذهبا إليه إنما عبارته {وتثبيتا} مصدر على غير المصدر. قال ابن عطية : وهذا لا يسوغ إلا مع ذكر المصدر والإفصاح بالفعل المتقدم، كقوله تعالى {والله أنبتكم من الأرض نباتا} [
نوح : 17]، {وتبتل إليه تبتيلا} [
المزمل : 8]. وأما إذا لم يقع إفصاح بفعل فليس لك أن تأتي بمصدر في غير معناه ثم تقول : أحمله على معنى كذا وكذا، لفعل لم يتقدم له ذكر. قال ابن عطية : هذا مهْيَعُ كلام العرب فيما علمته. وقال النحاس : لو كان كما قال مجاهد لكان وتثبتا من تثبت كتكرمت تكرما، وقول قتادة : احتسابا، لا يعرف إلا أن يراد به أن أنفسهم تثبتهم محتسبة، وهذا بعيد. وقول الشعبي حسن، أي تثبيتا من أنفسهم لهم على إنفاق ذلك في طاعة الله عز وجل، يقال : ثبت فلانا في هذا الأمر، أي صححت عزمه، وقويت فيه رأيه، أثبته تثبيتا، أي أنفسهم موقنة بوعد الله على تثبيتهم في ذلك. وقيل{وتثبيتا من أنفسهم} أي يقرون بأن الله تعالى يثبت عليها، أي وتثبيتا من أنفسهم لثوابها، بخلاف المنافق الذي لا يحتسب الثواب. قوله تعالى {كمثل جنة بربوة} الجنة البستان، وهي قطعة أرض تنبت فيها الأشجار حتى تغطيها، فهي مأخوذة من لفظ الجن والجنين لاستتارهم. وقد تقدم. والربوة : المكان المرتفع ارتفاعا يسيرا، معه في الأغلب كثافة تراب، وما كان كذلك فنباته أحسن، ولذلك خص الربوة بالذكر. قال ابن عطية : ورياض الحزن ليست من هذا كما زعم الطبري، بل تلك هي الرياض المنسوبة إلى نجد، لأنها خير من رياض تهامة، ونبات نجد أعطر، ونسيمه أبرد وأرق، ونجد يقال لها حزن. وقلما يصلح هواء تهامة إلا بالليل، ولذلك قالت الأعرابية: "زوجي كليل تهامة". وقال السدي{بربوة} أي برباوة، وهو ما انخفض من الأرض. قال ابن عطية : وهذه عبارة قِلقة، ولفظ الربوة هو مأخوذ من ربا يربو إذا زاد. قلت : عبارة السدي ليست بشيء، لأن بناء رَ بَ و معناه الزيادة في كلام العرب، ومنه الربو للنفس العالىِ. ربا يربو إذا أخذه الربو. وربا الفرس إذا أخذه الربو من عدو أو فزع. وقال الفراء في قوله تعالى {أخذهم أخذة رابية} [
الحاقة : 10] أي زائدة، كقولك : أربيت إذا أخذت أكثر مما أعطيت. وربوت في بني فلان وربيت أي نشأت فيهم. وقال الخليل : الربوة أرض مرتفعة طيبة وخص الله تعالى بالذكر التي لا يجري فيها ماء من حيث العرف في بلاد العرب، فمثل لهم ما يحسونه ويدركونه. وقال ابن عباس : الربوة المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار، لأن قوله تعالى {أصابها وابل} إلى آخر الآية يدل على أنها ليس فيها ماء جار، ولم يرد جنس التي تجري فيها الأنهار، لأن الله تعالى قد ذكر ربوة ذات قرار ومعين. والمعروف من كلام العرب أن الربوة ما ارتفع عما جاوره سواء جرى فيها ماء أو لم يجر. وفيها خمس لغات "ربوة" بضم الراء، وبها قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ونافع وأبو عمرو. و"ربوة" بفتح الراء، وبها قرأ عاصم وابن عامر والحسن. و"ربوة" بكسر الراء، وبها قرأ ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي. و"رباوة" بالفتح، وبها قرأ أبو جعفر وأبو عبد الرحمن، وقال الشاعر : من منزلي في روضة برباوة ** بين النخيل إلى بقيع الغرقد و "رباوة" بالكسر، وبها قرأ الأشهب العقيلي. قال الفراء : ويقال بِرَباوة وبرِباوة، وكله من الرابية، وفعله ربا يربو. قوله تعالى {أصابها} يعني الربوة. {وابل} أي مطر شديد قال الشاعر : ما روضة من رياض الحزن معشبة ** خضراء جاد عليها وابل هطل قوله تعالى {فآتت} أي أعطت. {أكلها} بضم الهمزة : الثمر الذي يؤكل، ومنه قوله تعالى{تؤتي أكلها كل حين} [إبراهيم : 25]. والشيء المأكول من كل شيء يقال له أكل. والأكلة : اللقمة، ومنه الحديث : (فإن كان الطعام مشفوها قليلا فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين) يعني لقمة أو لقمتين، خرجه مسلم. وإضافته إلى الجنة إضافة اختصاص، كسرج الفرس وباب الدار. وإلا فليس الثمر مما تأكله الجنة. وقرأ نافع، وابن كثير وأبو عمرو "أكلها" بضم الهمزة وسكون الكاف، وكذلك كل مضاف إلى مؤنث، وفارقهما أبو عمرو فيما أضيف إلى مذكر مثل أُكُلَه أو كان غير مضاف إلى شيء مثل {أكل خمط} فثقل أبو عمرو ذلك وخففاه. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي في جميع ما ذكرناه بالتثقيل. ويقال : أَكْل وأُكُل بمعنى. {ضعفين} أي أعطت ضعفي ثمر غيرها من الأرضين. وقال بعض أهل العلم : حملت مرتين في السنة، والأول أكثر، أي أخرجت من الزرع ما يخرج غيرها في سنتين. قوله تعالى {فإن لم يصبها وابل فطل} تأكيد منه تعالى لمدح هذه الربوة بأنها إن لم يصبها وابل فإن الطل يكفيها وينوب مناب الوابل في إخراج الثمرة ضعفين، وذلك لكرم الأرض وطيبها. قال المبرد وغيره : تقديره فطل يكفيها. وقال الزجاج : فالذي يصيبها طل. والطل : المطر الضعيف المستدق من القطر الخفيف، قاله ابن عباس وغيره، وهو مشهور اللغة. وقال قوم منهم مجاهد : الطل : الندى. قال ابن عطية : وهو تجوز وتشبيه. قال النحاس : وحكى أهل اللغة وَبَلَت وأوْبَلَت، وطَلّت وأَطَلّت. وفي الصحاح : الطل أضعف المطر والجمع الطلال، تقول منه : طلت الأرض وأطلها الندى فهي مطلولة. قال الماوردي : وزرع الطل أضعف من زرع المطر وأقل ريعا، وفيه - وإن قل - تماسك ونفع. قال بعضهم الآية تقديم وتأخير، ومعناه كمثل جنة بربوة أصابها وابل فإن لم يصبها وابل فطل فآتت أكلها ضعفين. يعني اخضرت أوراق البستان وخرجت ثمرتها ضعفين. قلت : التأويل الأول أصوب ولا حاجة إلى التقديم والتأخير. فشبه تعالى نمو نفقات هؤلاء المخلصين الذين يربي الله صدقاتهم كتربية الفُلُوّ والفصيل بنمو نبات الجنة بالربوة الموصوفة، بخلاف الصفوان الذي انكشف عنه ترابه فبقي صلدا. وخرج مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل أو أعظم) خرجه الموطأ أيضا. قوله تعالى {والله بما تعملون بصير} وعد ووعيد. وقرأ الزهري {يعملون} بالياء كأنه يريد به الناس أجمع، أو يريد المنفقين فقط، فهو وعد محض.
ومثل الذين ينفقون أموالهم طلبًا لرضا الله واعتقادًا راسخًا بصدق وعده، كمثل بستان عظيم بأرض عالية طيبة هطلت عليه أمطار غزيرة، فتضاعفت ثمراته، وإن لم تسقط عليه الأمطار الغزيرة فيكفيه رذاذ المطر ليعطي الثمرة المضاعفة، وكذلك نفقات المخلصين تُقبل عند الله وتُضاعف، قلَّت أم كثُرت، فالله المُطَّلِع على السرائر، البصير بالظواهر والبواطن، يثيب كلا بحسب إخلاصه.
هذا مثل المنفقين أموالهم على وجه تزكو عليه نفقاتهم وتقبل به صدقاتهم فقال تعالى: { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله } أي: قصدهم بذلك رضى ربهم والفوز بقربه { وتثبيتا من أنفسهم } أي: صدر الإنفاق على وجه منشرحة له النفس سخية به، لا على وجه التردد وضعف النفس في إخراجها وذلك أن النفقة يعرض لها آفتان إما أن يقصد الإنسان بها محمدة الناس ومدحهم وهو الرياء، أو يخرجها على خور وضعف عزيمة وتردد، فهؤلاء سلموا من هاتين الآفتين فأنفقوا ابتغاء مرضات الله لا لغير ذلك من المقاصد، وتثبيتا من أنفسهم، فمثل نفقة هؤلاء { كمثل جنة } أي: كثيرة الأشجار غزيرة الظلال، من الاجتنان وهو الستر، لستر أشجارها ما فيها، وهذه الجنة { بربوة } أي: محل مرتفع ضاح للشمس في أول النهار ووسطه وآخره، فثماره أكثر الثمار وأحسنها، ليست بمحل نازل عن الرياح والشمس، فـ { أصابها } أي: تلك الجنة التي بربوة { وابل } وهو المطر الغزير { فآتت أكلها ضعفين } أي: تضاعفت ثمراتها لطيب أرضها ووجود الأسباب الموجبة لذلك، وحصول الماء الكثير الذي ينميها ويكملها { فإن لم يصبها وابل فطل } أي: مطر قليل يكفيها لطيب منبتها، فهذه حالة المنفقين أهل النفقات الكثيرة والقليلة كل على حسب حاله، وكل ينمى له ما أنفق أتم تنمية وأكملها والمنمي لها هو الذي أرحم بك من نفسك، الذي يريد مصلحتك حيث لا تريدها، فيالله لو قدر وجود بستان في هذه الدار بهذه الصفة لأسرعت إليه الهمم وتزاحم عليه كل أحد، ولحصل الاقتتال عنده، مع انقضاء هذه الدار وفنائها وكثرة آفاتها وشدة نصبها وعنائها، وهذا الثواب الذي ذكره الله كأن المؤمن ينظر إليه بعين بصيرة الإيمان، دائم مستمر فيه أنواع المسرات والفرحات، ومع هذا تجد النفوس عنه راقدة، والعزائم عن طلبه خامدة، أترى ذلك زهدا في الآخرة ونعيمها، أم ضعف إيمان بوعد الله ورجاء ثوابه؟! وإلا فلو تيقن العبد ذلك حق اليقين وباشر الإيمان به بشاشة قلبه لانبعثت من قلبه مزعجات الشوق إليه، وتوجهت همم عزائمه إليه، وطوعت نفسه له بكثرة النفقات رجاء المثوبات، ولهذا قال تعالى: { والله بما تعملون بصير } فيعلم عمل كل عامل ومصدر ذلك العمل، فيجازيه عليه أتم الجزاء
قوله تعالى : ( ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله ) أي طلب رضا الله تعالى ( وتثبيتا من أنفسهم ) قال قتادة : احتسابا وقال الشعبي والكلبي : تصديقا من أنفسهم أي يخرجون الزكاة طيبة بها أنفسهم على يقين بالثواب وتصديق بوعد الله ويعلمون أن ما أخرجوا خير لهم مما تركوا وقيل على يقين بإخلاف الله عليهم .
وقال عطاء ومجاهد : يثبتون أي يضعون أموالهم قال الحسن : كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت فإن كان لله أمضى وإن كان يخالطه شك أمسك وعلى هذا القول يكون التثبيت بمعنى التثبت كقوله تعالى : " وتبتل إليه تبتيلا ( 8 - المزمل ) أي تبتلا ( كمثل جنة ) أي بستان قال ( المبرد ) والفراء : إذا كان في البستان نخل فهو جنة وإن كان فيه كرم فهو فردوس ( بربوة ) قرأ ابن عامر وعاصم بربوة وإلى ربوة في سورة المؤمنون بفتح الراء وقرأ الأخرون بضمها وهي المكان المرتفع المستوي الذي تجري فيه الأنهار فلا يعلوه الماء ولا يعلو عن الماء وإنما جعلها بربوة لأن النبات عليها أحسن وأزكى ( أصابها وابل ) مطر شديد كثير ( فآتت أكلها ) ثمرها قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف وقرأ الباقون بالتثقيل وزاد نافع وابن كثير تخفيف أكله والأكل وخفف أبو عمرو رسلنا ورسلكم ورسلهم وسبلنا .
( ضعفين ) أي أضعفت في الحمل قال عطاء : حملت في السنة من الريع ما يحمل غيرها في سنتين وقال عكرمة : حملت في السنة مرتين ( فإن لم يصبها وابل فطل ) أي فطش وهو المطر الضعيف الخفيف ويكون دائما .
قال السدي : هو الندى وهذا مثل ضربه الله تعالى لعمل المؤمن المخلص فيقول : كما أن هذه الجنة تريع في كل حال ولا تخلف سواء قل المطر أو كثر كذلك يضعف الله صدقة المؤمن المخلص الذي لا يمن ولا يؤذي سواء قلت نفقته أو كثرت وذلك أن الطل إذا كان يدوم يعمل عمل الوابل الشديد . ( والله بما تعملون بصير ) .
(وَمَثَلُ) الواو عاطفة مثل مبتدأ وبعده مضاف إليه محذوف تقديره: ومثل صدقات.
(الَّذِينَ) اسم موصول مضاف إليه (يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ) فعل مضارع وفاعل ومفعول به والجملة صلة الموصول (ابْتِغاءَ) مفعول لأجله (مَرْضاتِ) مضاف إليه (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (وَتَثْبِيتًا) عطف على ابتغاء.
(مِنْ أَنْفُسِهِمْ) متعلقان بالمصدر تثبيتا (كَمَثَلِ) متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ مثل (جَنَّةٍ) مضاف إليه (بِرَبْوَةٍ) متعلقان بمحذوف صفة لجنة (أَصابَها وابِلٌ) فعل ماض ومفعول به وفاعل والجملة صفة لجنة (فَآتَتْ) الفاء عاطفة (آتت أُكُلَها) فعل ماض ومفعوله (ضِعْفَيْنِ) حال منصوبة بالياء لأنه مثنى والجملة معطوفة (فَإِنْ) الفاء استئنافية إن شرطية تجزم فعلين (لَمْ) حرف جزم (يُصِبْها) فعل مضارع مجزوم ومفعوله وهو فعل الشرط (وابِلٌ) فاعل (فَطَلٌّ) الفاء رابطة لجواب الشرط طل خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فمصيبها طل أو مبتدأ محذوف الخبر.
(وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) لفظ الجلالة مبتدأ بما جار ومجرور متعلقان بالخبر بصير وجملة: (تعلمون) صلة الموصول. ما وجملة (وَاللَّهُ) استئنافية.
Traslation and Transliteration:
Wamathalu allatheena yunfiqoona amwalahumu ibtighaa mardati Allahi watathbeetan min anfusihim kamathali jannatin birabwatin asabaha wabilun faatat okulaha diAAfayni fain lam yusibha wabilun fatallun waAllahu bima taAAmaloona baseerun
And the likeness of those who spend their wealth in search of Allah's pleasure, and for the strengthening of their souls, is as the likeness of a garden on a height. The rainstorm smiteth it and it bringeth forth its fruit twofold. And if the rainstorm smite it not, then the shower. Allah is Seer of what ye do.
Mallarını, Tanrı rızasını kazanmak ve özlerindekini yerli bir hale getirip kendilerine mal etmek için verenlerse bir tepedeki bahçeye benzerler; bolbol yağan yağmur, o bahçenin meyvelerini iki misline çıkarır. Hatta bu çeşit yağmur yağmasa bile mutlaka bir çisentiye kavuşur orası ve Allah, bütün yaptıklarınızı görür.
Et ceux qui dépensent leurs biens cherchant l'agrément d'Allah, et bien rassurés (de Sa récompense), ils ressemblent à un jardin sur une colline. Qu'une averse l'atteigne, il double ses fruits; à défaut d'une averse qui l'atteint, c'est la rosée. Et Allah voit parfaitement ce que vous faites.
Und das Gleichnis derjenigen, die ihr Vermögen strebend nach ALLAHsWohlgefallen und zur Festigung ihrer Seelen ausgeben, ähnelt einer Dschanna auf einem Hügel, auf die Wolkenbruch niederfiel, dann sie ihre Früchte zweifach trug. Und selbst wenn kein Wolkenbruch sie trifft, dann Sprühregen. Und ALLAH ist dessen, was ihr tut, allsehend.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة البقرة (Al-Baqara - The Cow) |
ترتيبها |
2 |
عدد آياتها |
286 |
عدد كلماتها |
6144 |
عدد حروفها |
25613 |
معنى اسمها |
(البَقَرَةُ) مِنْ أَصْنَافِ بَهِيمَةِ الأَنعَامِ، وهِيَ: (الإِبِلُ والبَقَرُ وَالغَنَمُ) |
سبب تسميتها |
انفِرَادُ السُّورَةِ بذِكْرِ قِصَّةِ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (البَقَرَةِ)، وتُلقَّبُ بِـ(سَنَامِ القُرْآنِ)، و(فُسْطَاطِ القُرْآنِ)، وَ(الزَّهْرَاءِ) |
مقاصدها |
الاسْتِجَابَةُ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَالامْتِثَالُ الكَامِلُ لَهُ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
بَرَكَةٌ عَجِيبَةٌ لِقَارِئِهَا، قَالَ ﷺ: «اقْرَؤُوا البَقَرَةَ؛ فَإِنَّ أَخذَها بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ». (رَوَاهُ مُسْلِم).
عِلَاجٌ مِنَ السِّحْرِ وَالْعَينِ وَالحَسَدِ، قَالَ ﷺ: «وَلَا يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ؛ أَيِ: السَّحَرَةُ». (رَوَاهُ مُسْلِم).
طَارِدَةٌ لِلشَّيَاطِينِ، قَالَ ﷺ: «وَإِنَّ البَيْتَ الَّذِي تُقرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ لَا يدخُلُهُ شَيطَانٌ». (رَوَاهُ مُسْلِم).
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (البَقَرَةِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ صِفَاتِ المُتَّقِينَ.
فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ﴾ ... الآيَاتِ، وقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ﴾... الآيَاتِ..
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (البَقَرَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الفَاتِحَةِ):
لَمَّا قَالَ العَبْدُ فِي خِتَامِ (الفَاتِحَةِ): ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦﴾.
قِيلَ لَهُ فِي فَاتِحَةِ (البَقَرَةِ): ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ٢﴾ هُوَ مَطْلُوبُكَ وَفِيهِ حَاجَتُكَ. |