المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الحج: [الآية 77]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الحج | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
«وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ» الهاء من جهاده تعود على اللّه ، أي يتصفون بالجهاد ، أي في حال جهاده صفة الحق ، أي لا يرون مجاهدا إلا اللّه ، وذلك لأن الجهاد وقع فيه ، ولا يعلم أحد كيف الجهاد في اللّه إلا اللّه ، فإذا ردوا ذلك إلى اللّه وهو قوله : «حَقَّ جِهادِهِ» فنسب الجهاد إليه بإضافة الضمير ، فكان المجاهد لا هم ، أي لا يرون لأنفسهم عملا وإن كانوا محل ظهور الآثار . قال اللّه لموسى عليه السلام يا موسى اشكرني حق الشكر ، قال يا رب ومن يقدر على ذلك ، قال إذا رأيت النعمة مني فقد شكرتني حق الشكر - أخرجه
ابن ماجة في سننه - قال تعالى : «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ» فكل عمل أضفته إلى اللّه عن ذوق ومشاهدة ، لا عن اعتقاد وحال بل عن مقام وعلم صحيح فقد أعطيت ذلك العمل حقه حيث رأيته ممن هو له «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» تأمل هذه الآية
فإن لها وجهين كبيرين قريبين خلاف ما لها من الوجوه ، أي خففت عنكم في الحكم ، وما أنزلت عليكم ما يحرجكم ،
وينظر إلى هذا قوله تعالى : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها»
وقوله تعالى : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها»
وقوله عليه السلام : [ بعثت بالحنيفية السمحاء ]
وقوله عليه السلام : [ إن الدين يسر ]
فلا يكون الحق يراعي اليسر في الدين ورفع الحرج ويفتي المفتي بخلاف ذلك ، فإن النفوس أبت أن تقف عند الأحكام المنصوص عليها ، فأثبتت لها عللا وجعلتها مقصودة للشارع وطردتها ، وألحقت المسكوت عنه في الحكم بالمنطوق به بعلة جامعة اقتضاها نظر الجاعل المجتهد ، ولو لم يفعل لبقي المسكوت عنه على أصله من الإباحة والعافية ، فكثرت الأحكام بالتعليل وطرد العلة والقياس والرأي والاستحسان ،
وما كان ربك نسيا ، ولكن بحمد اللّه جعل اللّه في ذلك رحمة أخرى لنا ، لولا أن الفقهاء حجرت هذه الرحمة على العامة ، بإلزامهم إياها مذهب شخص معين لم يعينه اللّه ولا رسوله ، ولا دل عليه ظاهر كتاب ولا سنة صحيحة ولا ضعيفة ،
ومنعوه أن يطلب رخصة في نازلته في مذهب عالم آخر اقتضاه اجتهاده ، وشددوا في ذلك وقالوا هذا يفضي إلى التلاعب بالدين ، وتخيلوا أن ذلك دين ، وقد قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن اللّه تصدق عليكم فاقبلوا صدقته ]
فالرخص مما تصدق اللّه بها على عباده ، وقد أجمعنا على تقرير حكم المجتهد وعلى تقليد العامي له في ذلك الحكم لأنه عنده عن دليل شرعي ، سواء كان صاحب قياس أو غير قائل به ، فتلك الرخصة التي رآها الشافعي في مذهبه على ما اقتضاه دليله ،
وقد قررها الشرع فيمنع المفتي من المالكية المالكي المذهب أن يأخذ برخصة الشافعي التي تعبده بها الشارع –
وإنما أضفناها إلى الشارع لأن الشرع قررها - بمنعه مما يقتضيه الدليل في الأخذ به بأمر لا يقتضيه الدليل الذي لا أصل له ، وهو ربط الرجل نفسه بمذهب خاص لا يعدل عنه إلى غيره ،
ويحجر عليه ما لم يحجر الشرع عليه ، وهذا من أعظم الطوام وأشق الكلف على عباد اللّه ،
فالذي وسع الشرع بتقرير حكم المجتهدين في هذه الأمة ضيقه عوام الفقهاء ،
وأما الأئمة مثل أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل والشافعي فحاشاهم من هذا ،
ما فعله واحد منهم قط ، ولا نقل عنهم أنهم قالوا لأحد اقتصر علينا ، ولا قلدني فيما أفتيك به ، بل المنقول عنهم خلاف هذا رضي اللّه عنهم ،
والوجه الآخر في قوله تعالى:" وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " رفع الحديث من النفس عند توجه الحكم بما لا يوافق الغرض وتمجه النفس ، فكأنه خاطب المؤمنين ومن وجد الحرج ليس بمؤمن ،
وهذا صعب جدا ، فإذا قال تعالى : «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» فللإنسان إذا توجه عليه حكم بفتيا عالم من العلماء تصعب عليه أن يبحث عند العلماء المجتهدين ،
هل له في تلك النازلة حكم من الشرع أهون من ذلك ، فإن وجده عمل به وارتفع الحرج ، وإن وجد الإجماع في تلك النازلة على ذلك الحكم الذي صعب عليه ، قبله إن كان مؤمنا طيب النفس ، وعادت حزونته سهولة ،
ودفعه له قبولا لما حكم عليه به اللّه ، فيصح بذلك عنده إيمانه ، وهي علامة له على ثبوت الإيمان عنده ، ولما كان هذا المقام شامخا عسيرا على النفوس نيله ،
أقسم بنفسه جل وتعالى عليه ، ولما لم يكن المحكوم عليهم يسمعون ذلك من اللّه وإنما حكم عليهم بذلك رسول اللّه الثابت صدقه ، النائب عن اللّه وخليفته في الأرض ،
لذلك أضاف الاسم إليه عناية به وشرفا له صلّى اللّه عليه وسلم ،
فقال : «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»
«مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ» ،
فإبراهيم عليه السلام هو أبونا في الإسلام وهو الذي سمانا مسلمين «وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» فنشهد نحن على الأمم بما أوحى اللّه تعالى به إلينا من قصص أنبيائه مع أممهم ، فالشهادة بالخبر الصادق كالشهادة بالعيان الذي لا ريب فيه ، مثل شهادة خزيمة ، بل الشهادة بالوحي أتم من الشهادة بالعين ، لأن خزيمة لو شهد شهادة عين لم تقم شهادته مقام اثنين ، «فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ» الاعتصام باللّه هو قوله صلّى اللّه عليه وسلم في الاستعاذة «وأعوذ بك منك»
فإنه لا يقاومه شيء من خلقه ، فلا يستعاذ به إلا منه «هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ".
(23) سورة المؤمنون مكيّة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
------------
(78) الفتوحات ج 2 / 148 - كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 1 / 620 - ج 2 / 685 - كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 3 / 50 - ج 4 / 85تفسير ابن كثير:
اختلف الأئمة ، رحمهم الله ، في هذه السجدة الثانية من سورة الحج : هل هي مشروع السجود فيها أم لا؟ على قولين . وقد قدمنا عند الأولى حديث عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضلت سورة الحج بسجدتين ، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما " .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يأمر تعالى، عباده المؤمنين بالصلاة، وخص منها الركوع والسجود، لفضلهما وركنيتهما، وعبادته التي هي قرة العيون، وسلوة القلب المحزون، وأن ربوبيته وإحسانه على العباد، يقتضي منهم أن يخلصوا له العبادة، ويأمرهم بفعل الخير عموما.
وعلق تعالى الفلاح على هذه الأمور فقال: { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي: تفوزون بالمطلوب المرغوب، وتنجون من المكروه المرهوب، فلا طريق للفلاح سوى الإخلاص في عبادة الخالق، والسعي في نفع عبيده، فمن وفق لذلك، فله القدح المعلى، من السعادة والنجاح والفلاح.
تفسير البغوي
( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ) أي : صلوا ، لأن الصلاة لا تكون إلا بالركوع والسجود ، ( واعبدوا ربكم ) وحده ، ( وافعلوا الخير ) قال ابن عباس صلة الرحم ومكارم الأخلاق ، ( لعلكم تفلحون ) لكي تسعدوا وتفوزوا بالجنة . واختلف أهل العلم في سجود التلاوة عند قراءة هذه الآية .
فذهب قوم إلى أنه يسجد عندها ، وهو قول عمر ، وعلي ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وبه قال ابن المبارك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق . واحتجوا بما أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أخبرنا أبو عيسى الترمذي ، أخبرنا قتيبة ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر قال : قلت يا رسول الله : فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين؟ قال " نعم ، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " .
وذهب قوم إلى أنه لا يسجد هاهنا ، وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي .
وعدة سجود القرآن أربعة عشر عند أكثر أهل العلم ، منها ثلاث في المفصل .
وذهب قوم إلى أنه ليس في المفصل سجود . روي ذلك عن أبي بن كعب ، وابن عباس ، وبه قال مالك . وقد صح عن أبي هريرة قال : سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : في " اقرأ " و " إذا السماء انشقت " وأبو هريرة من متأخري الإسلام .
واختلفوا في سجود " صاد " ، فذهب الشافعي : إلى أنه سجود شكر ليس من عزائم السجود ، ويروى ذلك عن ابن عباس وذهب قوم إلى أنه يسجد فيها ، روي ذلك عن عمر ، وبه قال سفيان الثوري ، وابن المبارك ، وأصحاب الرأي ، وأحمد ، وإسحاق ، فعند ابن المبارك ، وإسحاق ، وأحمد ، وجماعة : سجود القرآن خمسة عشرة سجدة ، فعدوا سجدتي الحج وسجدة ص ، وروي عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن .
الإعراب:
(يا) أداة نداء (أَيُّهَا) منادى نكرة مقصودة في محل نصب على النداء والها للتنبيه (الَّذِينَ) اسم موصول بدل أو عطف بيان (آمَنُوا) ماض وفاعله والجملة صلة (ارْكَعُوا) أمر وفاعله (وَاسْجُدُوا) أمر وفاعله والجملة معطوفة.
(وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) أمر وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) أمر وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة (لَعَلَّكُمْ) لعل واسمها والميم للجمع (تُفْلِحُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة خبر لعل.