«وإذا تتلى عليهم» أي المؤمنين والكافرين «آياتنا» من القرآن «بينات» واضحات حال «قال الذين كفروا للذين آمنوا أيُّ الفريقين» نحن وأنتم «خير مقاما» منزلا ومسكنا بالفتح من قام وبالضم من أقام «وأحسن نديا» بمعنى النادي وهو مجتمع القوم يتحدثون فيه، يعنون نحن فنكون خيرا منكم قال تعالى:
لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّ (96)
الود هو ثبات الحب ، أي سيجعل لهم الرحمن ثباتا في المحبة عند اللّه وفي قلوب عباده .
------------
(96) الفتوحات ج 2 /
337
يخبر تعالى عن الكفار حين تتلى عليهم آيات الله ظاهرة الدلالة بينة الحجة واضحة البرهان : أنهم يصدون عن ذلك ، ويعرضون ويقولون عن الذين آمنوا مفتخرين عليهم ومحتجين على صحة ما هم عليه من الدين الباطل بأنهم : ( خير مقاما وأحسن نديا ) أي : أحسن منازل وأرفع دورا وأحسن نديا ، وهو مجمع الرجال للحديث ، أي : ناديهم أعمر وأكثر واردا وطارقا ، يعنون : فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل ، وأولئك الذين هم مختفون مستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من الدور على الحق ؟ كما قال تعالى مخبرا عنهم : ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) [ الأحقاف : 11 ] . وقال قوم نوح : ( أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ) [ الشعراء : 111 ] ، وقال تعالى : ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ) [ الأنعام : 53 ]
قوله تعالى{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} أي على الكفار الذين سبق ذكرهم في قوله تعالى {أئذا ما مت لسوف أخرج حيا}[
مريم : 66] وقال فيهم {ونذر الظالمين فيها جثيا} أي هؤلاء إذا قرئ عليهم القرآن تعززوا بالدنيا، وقالوا : فما بالنا إن كنا على باطل أكثر أموالا وأعز نفرا وغرضهم إدخال الشبهة على المستضعفين وإيهامهم أن من كثر ماله دل ذلك على أنه المحق في دينه وكأنهم لم يروا فيهم فقيرا ولا في المسلمين غنيا ولم يعلموا أن الله تعالى نحى أولياءه عن الاغترار بالدنيا وفرط الميل إليها. و{بينات} معناه مرتلات الألفاظ ملخصة المعاني، مبينات المقاصد؛ إما محكمات، أو متشابهات قد تبعها البيان بالمحكمات، أو تبيين الرسول صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو ظاهرات الإعجاز تحدى بها فلم يقدر على معارضتها. أو حججا وبراهين. والوجه أن تكون حالا مؤكدة كقوله تعالى {وهو الحق مصدقا} لأن آيات الله تعالى لا تكون إلا واضحة. {قال الذين كفروا} يريد مشركي قريش النضر بن الحرث وأصحابه. {للذين آمنوا} يعني فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانت فيهم قشافة، وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة وكان المشركون يرجلون شعورهم ويدهنون رؤوسهم ويلبسون خير ثيابهم، فقالوا للمؤمنين {أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا} قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وشبل بن عباد {مقاما} بضم الميم وهو موضع الإقامة. ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإقامة الباقون {مقاما} بالفتح؛ أي منزلا ومسكنا. وقيل : المقام الموضع الذي يقام فيه بالأمور الجليلة؛ أي أي الفريقين أكثر جاها وأنصارا. {وأحسن نديا} أي مجلسا؛ عن ابن عباس وعنه أيضا المنظر وهو المجلس في اللغة وهو النادي ومنه دار الندوة لأن المشركين كانوا يتشاورون فيها في أمورهم وناداه جالسه في النادي قال أنادي به آل الوليد وجعفرا والندي على فعيل مجلس القوم ومتحدثهم، وكذلك الندوة والنادي [والمنتدى] والمتندى، فإن تفرق القوم فليس بندي قاله الجوهري. قوله تعالى{وكم أهلكنا قبلهم من قرن} أي من أمة وجماعة. {هم أحسن أثاثا} أي متاعا كثيرا؛ قال : وفرع يزين المتن أسود فاحم ** أثيث كقنو النخلة المتعثكل والأثاث متاع البيت. وقيل : هو ماجد الجراثي والخرثي ما لبس منها وأنشد الحسن بن علي الطوسي فقال : تقادم العهد من أم الوليد بنا ** دهرا وصار أثاث البيت خرثيا وقال ابن عباس : هيئة مقاتل ثيابا {ورئيا} أي منظرا حسنا. وفيه خمس قراءات قرأ أهل المدينة {وريا} بغير همز. وقرأ أهل الكوفة {ورئيا} بالهمز. وحكى يعقوب أن طلحة قرأ {وريا} بياء واحدة مخففة. وروى سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس {هم أحسن أثاثا وزيا} بالزاي؛ فهذه أربع قراءات قال أبو إسحاق ويجوز {هم أحسن أثاثا وريئا} بياء بعدها همزة. النحاس : وقراءة أهل المدينة في هذا حسنة وفيها تقريران : أحدهما : أن تكون من رأيت ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء وأدغمت الياء في الياء. وكان هذا حسنا لتتفق رؤوس الآيات لأنها غير مهموزات. وعلى هذا قال ابن عباس : (الرئي المنظر) فالمعنى : هم أحسن أثاثا ولباسا. والوجه الثاني : أن جلودهم مرتوية من النعمة؛ فلا يجوز الهمز على هذا. وفي رواية ورش عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر {ورئيا} بالهمز تكون على الوجه الأول. وهي قراءة أهل الكوفة وأبي عمرو من رأيت على الأصل. وقراءة طلحة بن مصرف (وريا) بياء واحدة مخففة أحسبها غلطا. وقد زعم بعض النحويين أنه كان أصلها الهمز فقلبت الهمزة ياء، ثم حذفت إحدى اليائين. المهدوي : ويجوز أن يكون {ريئا} فقلبت ياء فصارت رييا ثم نقلت حركة الهمزة على الياء وحذفت. وقد قرأ بعضهم {وريا} على القلب وهي القراءة الخامسة. وحكى سيبويه راء بمعنى رأى. الجوهري : من همزه جعله من المنظر من رأيت، وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثقفي فقال : أشاقتك الظعائن يوم بانوا ** بذي الرئي الجميل من الأثاث ومن لم يهمز إما أن يكون على تخفيف الهمزة أو يكون من رويت ألوانهم وجلودهم ريا؛ أي امتلأت وحسنت. وأما قراءة ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والأعسم المكي ويزيد البربري {وزيا} بالزاي فهو الهيئة والحسن. ويجوز أن يكون من زويت أي جمعت؛ فيكون أصلها زيا فقلبت الواو ياء. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم (زويت لي الأرض) أي جمعت؛ أي فلم يغن ذلك عنهم شيئا من عذاب الله تعالى؛ فليعش هؤلاء ما شاؤوا فمصيرهم إلى الموت والعذاب وإن عُمِّروا؛ أو العذاب العاجل يأخذهم الله تعالى به.
وإذا تتلى على الناس آياتنا المنزلات الواضحات قال الكفار بالله للمؤمنين به: أيُّ الفريقين منَّا ومنكم أفضل منزلا وأحسن مجلسًا؟
أي: وإذا تتلى على هؤلاء الكفار آياتنا بينات، أي: واضحات الدلالة على وحدانية الله وصدق رسله، توجب لمن سمعها صدق الإيمان وشدة الإيقان، قابلوها بضد ما يجب لها، واستهزءوا بها وبمن آمن بها، واستدلوا بحسن حالهم في الدنيا، على أنهم خير من المؤمنين، فقالوا معارضين للحق: { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ } أي: نحن والمؤمنون { خَيْرٌ مَقَامًا } أي: في الدنيا، من كثرة الأموال والأولاد، وتوفر الشهوات { وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } أي مجلسا. أي: فاستنتجوا من هذه المقدمة الفاسدة، أنهم أكثر مالا وأولادا، وقد حصلت لهم أكثر مطالبهم من الدنيا، ومجالسهم وأنديتهم مزخرفة مزوقة.والمؤمنون بخلاف هذه الحال، فهم خير من المؤمنين، وهذا دليل في غاية الفساد، وهو من باب قلب الحقائق، وإلا فكثرة الأموال والأولاد، وحسن المنظر، كثيرا ما يكون سببا لهلاك صاحبه، وشقائه، وشره
قوله عز وجل : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ) واضحات ( قال الذين كفروا ) يعني : النضر بن الحارث وذويه من قريش ( للذين آمنوا ) يعني فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانت فيهم قشافة وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة وكان المشركون يرجلون شعورهم ويدهنون رءوسهم ويلبسون حرير ثيابهم فقالوا للمؤمنين : ( أي الفريقين خير مقاما ) منزلا ومسكنا [ وهو موضع الإقامة .
وقرأ ابن كثير : " مقاما " بضم الميم أي : إقامة ] .
( وأحسن نديا ) أي مجلسا ومثله النادي فأجابهم الله تعالى فقال :
(وَإِذا) الواو استئنافية وإذا ظرف لما يستقبل من الزمان متعلق بجوابه (تُتْلى) مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر (عَلَيْهِمْ) متعلقان بتتلى (آياتُنا) نائب فاعل ونا مضاف إليه والجملة مضاف إليه (بَيِّناتٍ) حال منصوبة بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم (قالَ الَّذِينَ) ماض واسم الموصول فاعله والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم (كَفَرُوا) ماض وفاعله والجملة صلة (لِلَّذِينَ) اسم الموصول في محل جر باللام ومتعلقان بقال (آمَنُوا) ماض وفاعله والجملة صلة (أَيُّ) اسم استفهام مبتدأ (الْفَرِيقَيْنِ) مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى (خَيْرٌ) خبر (مَقاماً) تمييز (وَأَحْسَنُ) معطوف على خير (نَدِيًّا) تمييز
Traslation and Transliteration:
Waitha tutla AAalayhim ayatuna bayyinatin qala allatheena kafaroo lillatheena amanoo ayyu alfareeqayni khayrun maqaman waahsanu nadiyyan
And when Our clear revelations are recited unto them, those who disbelieve say unto those who believe: Which of the two parties (yours or ours) is better in position, and more imposing as an army?
Onlara ayetlerimiz, apaçık okununca kafir olanlar, iki bölükten dediler, hangisinin durağı daha hayırlı, meclisi daha güzel?
Et lorsque Nos versets évidents leur sont récités les mécréants disent à ceux qui croient: «Lequel des deux groupes a la situation la plus confortable et la meilleure compagnie?»
Und wenn ihnen Unsere Ayat in Klarheit vorgetragen werden, sagen diejenigen, die Kufr betrieben haben, denjenigen, die den Iman verinnerlicht haben: "Welche der beiden Gruppierungen hat den besseren Wohnort und die angenehmere Gesellschaft?"
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة مريم (Maryam - Mary) |
ترتيبها |
19 |
عدد آياتها |
98 |
عدد كلماتها |
972 |
عدد حروفها |
3835 |
معنى اسمها |
(مَرْيَمُ) ابْنةُ عِمْرَانَ: امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ عَابِدَةٌ، وَأُمُّ عِيسَى عليه السلام |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِطُولِ قِصَّةِ مَرْيَمَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (مَرْيَمَ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (كٓهيعٓصٓ) |
مقاصدها |
بَيَانُ عِنَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِأَولِيَائِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، فَعَنِ ابْنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: فِي (بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالكَهْفِ، وَمَرْيَمَ، وَطَهَ، وَالأنْبِيَاءِ) -«هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي». (رَوَاهُ البُخَارِيّ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (مَرْيَمَ) بِآخِرِهَا: حَدِيثُهَا عَنِ البِشَارَةِ لِلْمُتَّقِينَ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ ٱسۡمُهُۥ يَحۡيَىٰ ...٧﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ ...٩٧﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (مَرْيَمَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الكَهْفِ): لَمَّا ذَكَرَتِ (الْكَهْفُ) أَعَاجِيبَ الْقَصَصِ تَلَتْهَا (مَرْيمُ) بِأَعْجَبِ قِصَّتَينِ؛ وِلَادَةُ يَحْيَى وَعِيسَى عليه السلام (1). |