«فأتت به قومها تحمله» حال فرأوه «قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا» عظيما حيث أتيت بولد من غير أب.
لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّ (96)
الود هو ثبات الحب ، أي سيجعل لهم الرحمن ثباتا في المحبة عند اللّه وفي قلوب عباده .
------------
(96) الفتوحات ج 2 /
337
يقول تعالى مخبرا عن مريم حين أمرت أن تصوم يومها ذلك ، وألا تكلم أحدا من البشر فإنها ستكفى أمرها ويقام بحجتها فسلمت لأمر الله - عز وجل - واستسلمت لقضائه ، وأخذت ولدها ( فأتت به قومها تحمله ) فلما رأوها كذلك ، أعظموا أمرها واستنكروه جدا ، وقالوا : ( يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) أي : أمرا عظيما . قاله مجاهد ، وقتادة والسدي ، وغير واحد .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد ، حدثنا سيار حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن نوف البكالي قال : وخرج قومها في طلبها ، وكانت من أهل بيت نبوة وشرف . فلم يحسوا منها شيئا ، فرأوا راعي بقر فقالوا : رأيت فتاة كذا وكذا نعتها ؟ قال : لا ولكني رأيت الليلة من بقري ما لم أره منها قط . قالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيتها سجدا نحو هذا الوادي . قال عبد الله بن أبي زياد : وأحفظ عن سيار أنه قال : رأيت نورا ساطعا . فتوجهوا حيث قال لهم ، فاستقبلتهم مريم ، فلما رأتهم قعدت وحملت ابنها في حجرها ، فجاءوا حتى قاموا عليها ، ( قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) أمرا عظيما .
قوله تعالى{فأتت به قومها تحمله} روى أن مريم لما اطمأنت بما رأت من الآيات، وعلمت أن الله تعالى سيبين عذرها، أتت به تحمله من المكان القصي الذي كانت انتبذت فيه. قال ابن عباس : خرجت من عندهم حين أشرقت الشمس، فجاءتهم عند الظهر ومعها صبي تحمله، فكان الحمل والولادة في ثلاث ساعات من النهار. وقال الكلبي : ولدت حيث لم يشعر بها قومها، ومكثت أربعين يوما للنفاس، ثم أتت قومها تحمله، فلما رأوها ومعها الصبي حزنوا وكانوا أهل بيت صالحين؛ فقالوا منكرين{قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} أي جئت بأمر عظيم كالآتي بالشيء يفتريه. قال مجاهد{فريا} عظيما. وقال سعيد بن مسعدة : أي مختلقا مفتعلا؛ يقال : فريت وأفريت بمعنى واحد. والولد من الزنى كالشيء المفترى. قال الله تعالى{ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن}[
الممتحنة : 12] أي بولد بقصد إلحاقه بالزوج وليس منه. يقال : فلان يفري الفري أي يعمل العمل البالغ، وقال أبو عبيدة : الفري العجيب النادر، وقاله الأخفش قال : فريا عجيبا. والفري القطع كأنه مما يخرق العادة، أو يقطع القول بكونه عجيبا نادرا. وقال قطرب : الفري الجديد من الأسقية؛ أي جئت بأمر جديد بديع لم تسبقي إليه. وقرأ أبو حيوة{شيئا فريا} بسكون الراء. وقال السدي ووهب بن منبه : لما أتت به قومها تحمله تسامع بذلك بنو إسرائيل، فاجتمع رجالهم ونساؤهم، فمدت امرأة يدها إليها لتضربها فأجف الله شطرها فحملت كذلك. وقال آخر : ما أراها إلا زنت فأخرسه الله تعالى؛ فتحامى الناس من أن يضربوها، أو يقولوا لها كلمة تؤذيها، وجعلوا يخفضون إليها القول ويلينون؛ فقالوا{يا مريم لقد جئت شيئا فريا} أي عظيما قال الراجز : أطعمتني دقلا حوليا ** مسوسا مدودا حجريا ** قد كنت تفرين به الفريا أي [تعظمينه]. قوله تعالى{يا أخت هارون} اختلف الناس في معنى هذه الأخوة ومن هارون؟ فقيل : هو هارون أخو موسى؛ والمراد من كنا نظنها مثل هارون في العبادة تأتي بمثل هذا. وقيل : على هذا كانت مريم من ولد هارون أخي موسى فنسبت إليه بالأخوة لأنها من ولده؛ كما يقال للتميمي : يا أخا تميم وللعربي يا أخا العرب وقيل كان لها أخ من أبيها اسمه هارون؛ لأن هذا الاسم كان كثيرا في بني إسرائيل تبركا باسم هارون أخي موسى، وكان أمثل رجل في بني إسرائيل؛ قاله الكلبي. وقيل : هارون هذا رجل صالح في ذلك الزمان تبع جنازته يوم مات أربعون ألفا كلهم اسمه هارون. وقال قتادة : كان في ذلك الزمان في بني إسرائيل عابد منقطع إلى الله عز وجل يسمى هارون فنسبوها إلى أخوته من حيث كانت على طريقته قبل؛ إذ كانت موقوفة على خدمة البيع؛ أي يا هذه المرأة الصالحة ما كنت أهلا لذلك. وقال كعب الأحبار بحضرة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : إن مريم ليست بأخت هارون أخي موسى؛ فقالت له عائشة : كذبت. فقال لها : يا أم المؤمنين إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فهو أصدق وأخبر، وإلا فإني أجد بينهما من المدة ستمائة سنة. قال : فسكتت. وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقال إنكم تقرؤون {يا أخت هارون} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك، فقال : (إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم). وقد جاء في بعض طرقه في غير الصحيح أن النصارى قالوا له : إن صاحبك يزعم أن مريم هي أخت هارون وبينهما في المدة ستمائة سنة؟ ! قال المغيرة : فلم أدر ما أقول؛ وذكر الحديث. والمعنى أنه اسم وافق اسما. ويستفاد من هذا جواز التسمية بأسماء الأنبياء؛ والله أعلم. قلت : فقد دل الحديث الصحيح أنه كان بين موسى وعيسى وهارون زمان مديد. الزمخشري : كان بينهما وبينه ألف سنة أو أكثر فلا يتخيل أن مريم كانت أخت موسى وهارون؛ وإن صح فكما قال السدي لأنها كانت من نسله؛ وهذا كما تقول للرجل من قبيلة : يا أخا فلان. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : (إن أخا صداء قد أذن فمن أذن فهو يقيم) وهذا هو القول الأول. ابن عطية : وقالت فرقة بل كان في ذلك الزمان رجل فاجر اسمه هارون فنسبوها إليه على جهة التعيير والتوبيخ؛ ذكره الطبري ولم يسم قائله. قلت : ذكره الغزنوي عن سعيد بن جبير أنه كان فاسقا مثلا في الفجور فنسبت إليه. والمعنى : ما كان أبوك ولا أمك أهلا لهذه الفعلة فكيف جئت أنت بها؟ ! وهذا من التعريض الذي يقوم مقام التصريح. وذلك يوجب عندنا الحد وسيأتي في سورة [النور] القول فيه إن شاء الله تعالى. وهذا القول الأخير يرده الحديث الصحيح، وهو نص صريح فلا كلام لأحد معه، ولا غبار عليه. والحمد لله. وقرأ عمر بن لجأ التيمي (ما كان أباك امرؤ سوء).
فأتت مريم قومها تحمل مولودها من المكان البعيد، فلما رأوها كذلك قالوا لها: يا مريم لقد جئت أمرًا عظيمًا مفترى.
أي: فلما تعلت مريم من نفاسها، أتت بعيسى قومها تحمله، وذلك لعلمها ببراءة نفسها وطهارتها، فأتت غير مبالية ولا مكترثة، فقالوا: { لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فًريًّا ْ} أي: عظيما وخيما، وأرادوا بذلك البغاء حاشاها من ذلك.
( فأتت به قومها تحمله ) قيل : إنها ولدته ، ثم حملته في الحال إلى قومها .
وقال الكلبي : حمل يوسف النجار مريم وابنها عيسى [ عليهما السلام ] إلى غار ، ومكثت أربعين يوما حتى طهرت من نفاسها ثم حملته مريم عليها السلام إلى قومها . فكلمها عيسى عليه السلام في الطريق فقال : يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه ، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا ، وكانوا أهل بيت صالحين ( ( قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) عظيما منكرا ، قال أبو عبيدة : كل أمر فائق من عجب أو عمل فهو فري
قال النبي صلى الله عليه وسلم في عمر : " فلم أر عبقريا يفري فريه " أي : يعمل عمله .
(فَأَتَتْ) الفاء استئنافية وماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة والتاء للتأنيث والفاعل مستتر (قَوْمَها) مفعول به والهاء مضاف إليه (تَحْمِلُهُ) مضارع مرفوع والفاعل مستتر والهاء مفعول به والجملة حال (قالُوا) ماض وفاعله والجملة مستأنفة (يا مَرْيَمُ) اليا للنداء ومريم منادى مفرد علم مبني على الضم في محل نصب على النداء والجملة مقول القول (لَقَدْ) اللام واقعة في جواب القسم المحذوف وقد حرف تحقيق (جِئْتِ) ماض والتاء فاعل (شَيْئاً) مفعول به والجملة لا محل لها لأنها جواب قم (فَرِيًّا) صفة لشيئا
Traslation and Transliteration:
Faatat bihi qawmaha tahmiluhu qaloo ya maryamu laqad jiti shayan fariyyan
Then she brought him to her own folk, carrying him. They said: O Mary! Thou hast come with an amazing thing.
Çocuğunu kucağına alıp kavmine gelince ey Meryem dediler, gerçekte de pek büyük bir iş işledin.
Puis elle vint auprès des siens en le portant [le bébé]. Ils dirent: «O Marie, tu as fait une chose monstrueuse!
Und sie kam mit ihm zu ihren Leuten, sie trug ihn. Sie sagten: "Maryam! Gewiß, bereits hast du eine ungeheuerliche Sache begangen!
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة مريم (Maryam - Mary) |
ترتيبها |
19 |
عدد آياتها |
98 |
عدد كلماتها |
972 |
عدد حروفها |
3835 |
معنى اسمها |
(مَرْيَمُ) ابْنةُ عِمْرَانَ: امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ عَابِدَةٌ، وَأُمُّ عِيسَى عليه السلام |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِطُولِ قِصَّةِ مَرْيَمَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (مَرْيَمَ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (كٓهيعٓصٓ) |
مقاصدها |
بَيَانُ عِنَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِأَولِيَائِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، فَعَنِ ابْنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: فِي (بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالكَهْفِ، وَمَرْيَمَ، وَطَهَ، وَالأنْبِيَاءِ) -«هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي». (رَوَاهُ البُخَارِيّ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (مَرْيَمَ) بِآخِرِهَا: حَدِيثُهَا عَنِ البِشَارَةِ لِلْمُتَّقِينَ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ ٱسۡمُهُۥ يَحۡيَىٰ ...٧﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ ...٩٧﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (مَرْيَمَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الكَهْفِ): لَمَّا ذَكَرَتِ (الْكَهْفُ) أَعَاجِيبَ الْقَصَصِ تَلَتْهَا (مَرْيمُ) بِأَعْجَبِ قِصَّتَينِ؛ وِلَادَةُ يَحْيَى وَعِيسَى عليه السلام (1). |