المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البقرة: [الآية 207]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة البقرة | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)
أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،
فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .
وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:
إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في
أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.
------------
(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 / 341 - ج 2 / 381 - ج 3 / 348 ، 123 ، 511 - ج 2 / 535 ، 684 - ج 3 / 381 - ج 1 / 435 ، 434تفسير ابن كثير:
وقوله : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) لما أخبر عن المنافقين بصفاتهم الذميمة ، ذكر صفات المؤمنين الحميدة ، فقال : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله )
قال ابن عباس ، وأنس ، وسعيد بن المسيب ، وأبو عثمان النهدي ، وعكرمة ، وجماعة : نزلت في صهيب بن سنان الرومي ، وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة ، منعه الناس أن يهاجر بماله ، وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر ، فعل . فتخلص منهم وأعطاهم ماله ، فأنزل الله فيه هذه الآية ، فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة . فقالوا : ربح البيع . فقال : وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم ، وما ذاك ؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية . ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " ربح البيع صهيب ، ربح البيع صهيب " .
قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن رسته ، حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، حدثنا عوف ، عن أبي عثمان النهدي ، عن صهيب قال : لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش : يا صهيب ، قدمت إلينا ولا مال لك ، وتخرج أنت ومالك ! والله لا يكون ذلك أبدا . فقلت لهم : أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني ؟ قالوا : نعم . فدفعت إليهم مالي ، فخلوا عني ، فخرجت حتى قدمت المدينة . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ربح صهيب ، ربح صهيب " مرتين .
وقال حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب قال : أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش ، فنزل عن راحلته ، وانتثل ما في كنانته . ثم قال يا معشر قريش ، قد علمتم أني من أرماكم رجلا ، وأنتم والله لا تصلون إلي حتى أرمي كل سهم في كنانتي ، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ، ثم افعلوا ما شئتم ، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي ؟ قالوا : نعم . فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ربح البيع ، ربح البيع " . قال : ونزلت : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد )
وأما الأكثرون فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله ، كما قال تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) [ التوبة : 111 ] . ولما حمل هشام بن عامر بين الصفين ، أنكر عليه بعض الناس ، فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة وغيرهما ، وتلوا هذه الآية : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد )
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
هؤلاء هم الموفقون الذين باعوا أنفسهم وأرخصوها وبذلوها طلبا لمرضاة الله ورجاء لثوابه، فهم بذلوا الثمن للمليء الوفي الرءوف بالعباد، الذي من رأفته ورحمته أن وفقهم لذلك، وقد وعد الوفاء بذلك، فقال: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } إلى آخر الآية. وفي هذه الآية أخبر أنهم اشتروا أنفسهم وبذلوها، وأخبر برأفته الموجبة لتحصيل ما طلبوا، وبذل ما به رغبوا، فلا تسأل بعد هذا عن ما يحصل لهم من الكريم، وما ينالهم من الفوز والتكريم
تفسير البغوي
قوله تعالى : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) أي لطلب رضا الله تعالى ( والله رءوف بالعباد ) روي عن ابن عباس والضحاك : أن هذه الآية نزلت في سرية الرجيع وذلك أن كفار قريش بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة : إنا قد أسلمنا فابعث إلينا نفرا من علماء أصحابك يعلموننا دينك وكان ذلك مكرا منهم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خبيب بن عدي الأنصاري ومرثد بن أبي مرثد الغنوي وخالد بن بكير وعبد الله بن طارق بن شهاب البلوي وزيد بن الدثنة وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري قال أبو هريرة : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري فساروا فنزلوا ببطن الرجيع بين مكة والمدينة ومعهم تمر عجوة فأكلوا فمرت عجوز فأبصرت النوى فرجعت إلى قومها بمكة وقالت : قد سلك هذا الطريق أهل يثرب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فركب سبعون رجلا منهم معهم الرماح حتى أحاطوا بهم قال أبو هريرة رضي الله عنه : ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام فاقتفوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا : تمر يثرب فاتبعوا آثارهم فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد فأحاط بهم القوم فقتلوا مرثدا ، وخالدا وعبد الله بن طارق ونثر عاصم بن ثابت كنانته وفيها سبعة أسهم فقتل بكل سهم رجلا من عظماء المشركين ثم قال : اللهم إني حميت دينك صدر النهار فاحم لحمي آخر النهار ثم أحاط به المشركون فقتلوه فلما قتلوه أرادوا حز رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر فأرسل الله رجلا من الدبر - وهي الزنابير - فحمت عاصما فلم يقدروا عليه فسمي حمي الدبر فقالوا دعوه حتى تسمي فتذهب عنه فنأخذه فجاءت سحابة سوداء وأمطرت مطرا كالعزالي فبعث الله الوادي غديرا فاحتمل عاصما به فذهب به إلى الجنة وحمل خمسين من المشركين إلى النار وكان عاصم قد أعطى الله تعالى عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدبر منعته يقول : عجبا لحفظ الله العبد المؤمن كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع عاصم في حياته .
وأسر المشركون خبيب بن عدي الأنصاري وزيد بن الدثنة فذهبوا بهما إلى مكة فأما خبيب فابتاعه بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ليقتلوه بأبيهم وكان خبيب هو الذي قتل الحارث يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله فاستعار من بنات الحارث موسى ليستحد بها فأعارته فدرج بني لها وهي غافلة فما راع المرأة إلا خبيب قد أجلس الصبي على فخذه والموسى بيده فصاحت المرأة فقال خبيب : أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن الغدر ليس من شأننا فقالت المرأة بعد : والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة إن كان إلا رزقا رزقه الله خبيبا ثم إنهم خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل وأرادوا أن يصلبوه فقال لهم خبيب : دعوني أصلي ركعتين ، فتركوه فكان خبيب هو أول من سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة فركع ركعتين ثم قال : لولا أن يحسبوا أن ما بي جزع لزدت اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا ثم أنشأ يقول :
فلست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع
فصلبوه حيا فقال اللهم : إنك تعلم أنه ليس أحد حولي يبلغ سلامي رسولك فأبلغه سلامي ثم قام أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله .
ويقال : كان رجل من المشركين يقال له سلامان أبو ميسرة معه رمح فوضعه بين ثديي خبيب فقال له خبيب : اتق الله فما زاده ذلك إلا عتوا فطعنه ، فأنفذه وذلك قوله عز وجل ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ) يعني سلامان . وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف فبعثه مع مولى له يسمى نسطاس إلى التنعيم ليقتله بأبيه واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل : أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمدا عندنا الآن بمكانك نضرب عنقه وإنك في أهلك؟ فقال : والله ما أحب أن محمدا صلى الله عليه وسلم الآن في مكانه الذي هو فيه يصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي . فقال أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ثم قتله النسطاس . فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر قال لأصحابه أيكم ( ينزل ) خبيبا عن خشبته وله الجنة؟ فقال الزبير : أنا يا رسول الله وصاحبي المقداد بن الأسود فخرجا يمشيان بالليل ويكمنان بالنهار حتى أتيا التنعيم ليلا وإذا حول الخشبة أربعون رجلا من المشركين نائمون نشاوى ، فأنزلاه فإذا هو رطب ينثني لم يتغير منه شيء بعد أربعين يوما ويده على جراحته وهي تبض دما اللون لون الدم والريح ريح المسك فحمله الزبير على فرسه وسارا فانتبه الكفار وقد فقدوا خبيبا فأخبروا قريشا فركب منهم سبعون فلما لحقوهما قذف الزبير خبيبا فابتلعته الأرض فسمي بليع الأرض .
فقال الزبير : ما جرأكم علينا يا معشر قريش ثم رفع العمامة عن رأسه وقال : أنا الزبير بن العوام وأمي صفية بنت عبد المطلب وصاحبي المقداد بن الأسود أسدان رابضان يدافعان عن شبليهما فإن شئتم ناضلتكم وإن شئتم نازلتكم وإن شئتم انصرفتم فانصرفوا إلى مكة وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عنده فقال يا محمد إن الملائكة لتباهي بهذين من أصحابك فنزل في الزبير والمقداد بن الأسود ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) حين شريا أنفسهما لإنزال خبيب عن خشبته .
وقال أكثر المفسرين : نزلت في صهيب بن سنان الرومي حين أخذه المشركون في رهط من المؤمنين فعذبوهم فقال لهم صهيب إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني؟ ففعلوا وكان شرط عليهم راحلة ونفقة فأقام بمكة ما شاء الله ثم خرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر في رجال فقال له أبو بكر ربح بيعك يا أبا يحيى فقال له صهيب : وبيعك فلا تتحسر قال صهيب : ما ذاك؟ فقال : قد أنزل الله فيك وقرأ عليه هذه الآية .
وقال سعيد بن المسيب وعطاء : أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من مشركي قريش فنزل عن راحلته ونثل ما كان في كنانته ثم قال : يا معشر قريش لقد علمتم إني لمن أرماكم رجلا والله لا أضع سهما مما في كنانتي إلا في قلب رجل منكم وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي ثم افعلوا ما شئتم وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وخليتم سبيلي قالوا : نعم . ففعل ذلك فأنزل الله هذه الآية .
وقال الحسن : أتدرون فيمن نزلت هذه الآية؟ نزلت في المسلم يلقى الكافر فيقول له : قل لا إله إلا الله فيأبى أن يقولها فقال المسلم والله لأشرين نفسي لله . فتقدم فقاتل وحده حتى قتل .
وقيل نزلت الآية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال ابن عباس : أرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله يقوم فيأمر هذا بتقوى الله فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم قال : وأنا أشري نفسي لله فقاتله فاقتتل الرجلان لذلك وكان علي إذا قرأ هذه الآية يقول : اقتتلا ورب الكعبة وسمع عمر بن الخطاب إنسانا يقرأ هذه الآية ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) فقال عمر ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا عبد الرحمن بن شريح أخبرنا أبو القاسم البغوي أخبرنا علي بن الجعد أخبرني حماد بن سلمة عن أبي غالب عن أبي أمامة أن رجلا قال : يا رسول الله أي الجهاد أفضل؟ قال : أفضل الجهاد من قال كلمة حق عند سلطان جائر .
الإعراب:
(وَمِنَ النَّاسِ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر.
(مِنَ) اسم موصول مبتدأ.
(يَشْرِي) فعل مضارع والفاعل هو.
(نَفْسَهُ) مفعول به.
(ابْتِغاءَ) مفعول لأجله.
(مَرْضاتِ) مضاف إليه.
(اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه والجملة الاسمية من الناس معطوفة، وجملة: (يشري) صلة الموصول لا محل لها.
(وَاللَّهُ) الواو استئنافية اللّه لفظ الجلالة مبتدأ.
(رَؤُفٌ) خبر.
(بِالْعِبادِ) جار ومجرور متعلقان برؤوف.