«وتولى عنهم» تاركا خطابهم «وقال يا أسفى» الألف بدل من ياء الإضافة أي يا حزني «على يوسف وابيضت عيناه» انمحق سوادهما وبدل بياضا من بكائه «من الحزن» عليه «فهو كظيم» مغموم مكروب لا يظهر كربه.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْ فَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
اعلم أن جميع هذا القصص إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان اللّه نصبها لنا معبرا ، لذلك قال تعالى «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» فإن اللب يحجب بصورة القشر ، فلا يعلم اللب إلا من علم أن ثم لبا ، ولولا ذلك ما كسر القشر ، فيكون هذا القصص يذكرك بما فيك «ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» .
(13) سورة الرّعد مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(111) كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار - الفتوحات ج 3 /
471 - كتاب الإسفار
وتولى عنهم وقال ياأسفى على يوسف ) أي : أعرض عن بنيه وقال متذكرا حزن يوسف القديم الأول : ( ياأسفى على يوسف ) جدد له حزن الابنين الحزن الدفين .
قال عبد الرزاق ، أخبرنا الثوري ، عن سفيان العصفري ، عن سعيد بن جبير أنه قال : لم يعط أحد غير هذه الأمة الاسترجاع ، ألا تسمعون إلى قول يعقوب ، عليه السلام : ( ياأسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) أي : ساكت لا يشكو أمره إلى مخلوق قاله قتادة وغيره .
وقال الضحاك : ( فهو كظيم ) كميد حزين .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا حماد بن سلمة [ حدثنا أبو موسى ] عن علي بن زيد عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن داود عليه السلام ، قال : يا رب ، إن بني إسرائيل يسألونك بإبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فاجعلني لهم رابعا . فأوحى الله تعالى إليه أن يا داود ، إن إبراهيم ألقي في النار بسببي فصبر ، وتلك بلية لم تنلك ، وإن إسحاق بذل مهجة دمه في سببي فصبر ، وتلك بلية لم تنلك ، وإن يعقوب أخذت منه حبيبه حتى ابيضت عيناه من الحزن ، فصبر ، وتلك بلية لم تنلك " .
وهذا مرسل ، وفيه نكارة ; فإن الصحيح أن إسماعيل هو الذبيح ، ولكن علي بن زيد بن جدعان له مناكير وغرائب كثيرة ، والله أعلم .
وأقرب ما في هذا أن يكون قد حكاه الأحنف بن قيس ، رحمه الله ، عن بني إسرائيل ككعب ووهب ونحوهما ، والله أعلم ، فإن الإسرائيليين ينقلون أن يعقوب كتب إلى يوسف لما احتبس أخاه بسبب السرقة يتلطف له في رده ، ويذكر له أنهم أهل بيت مصابون بالبلاء ، فإبراهيم ابتلي بالنار ، وإسحاق بالذبح ، ويعقوب بفراق يوسف ، في حديث طويل لا يصح ، والله أعلم ، فعند ذلك رق له بنوه
فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى {وتولى عنهم} أي أعرض عنهم؛ وذلك أن يعقوب لما بلغه خبر بنيامين تتام حزنه، وبلغ جهده، وجدد الله مصيبته له في يوسف فقال {يا أسفا على يوسف} ونسي ابنه بنيامين فلم يذكره؛ عن ابن عباس. وقال سعيد بن جبير : لم يكن عند يعقوب ما في كتابنا من الاسترجاع، ولو كان عنده لما قال {يا أسفا على يوسف} قال قتادة والحسن : والمعنى يا حزناه! وقال مجاهد والضحاك : يا جزعاه!؛ قال كُثَيِّر : فيا أسفا للقلب كيف انصرافه ** وللنفس لما سليت فتسلت والأسف شدة الحزن على ما فات. والنداء على معنى : تعال يا أسف فإنه من أوقاته. وقال الزجاج : الأصل يا أسفي؛ فأبدل من الياء ألف لخفة الفتحة. {وابيضت عيناه من الحزن} قيل : لم يبصر بهما ست سنين، وأنه عمي؛ قال مقاتل. وقيل : قد تبيض العين ويبقى شيء من الرؤية، والله أعلم بحال يعقوب؛ وإنما ابيضت عيناه من البكاء، ولكن سبب البكاء الحزن، فلهذا قال {من الحزن}. وقيل : إن يعقوب كان يصلي، ويوسف نائما معترضا بين يديه، فغط في نومه، فالتفت يعقوب إليه، ثم غط ثانية فالتفت إليه، ثم غط ثالثة فالتفت إليه سرورا به وبغطيطه؛ فأوحى الله تعالى إلى ملائكته (انظروا إلى صفيي وابن خليلي قائما في مناجاتي يلتفت إلى غيري، وعزتي وجلالي! لأنزعن الحدقتين اللتين التفت بهما، ولأفرقن بينه وبين من التفت إليه ثمانين سنة، ليعلم العاملون أن من قام بين يدي يجب عليه مراقبة نظري). الثانية: هذا يدل على أن الالتفات في الصلاة - وإن لم يبطل - يدل على العقوبة عليها، والنقص فيها، وقد روى البخاري عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال : (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد). وسيأتي ما للعلماء في هذا في أول سورة [المؤمنون] موعبا إن شاء الله تعالى. الثالثة: قال النحاس : فإن سأل قوم عن معنى شدة حزن يعقوب - صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا - فللعلماء في هذا ثلاثة أجوبة : منها - أن يعقوب لما علم أن يوسف صلى الله عليه وسلم حي خاف على دينه، فاشتد حزنه لذلك. وقيل : إنما حزن لأنه سلمه إليهم صغيرا، فندم على ذلك. والجواب الثالث : وهو أبينها - هو أن الحزن ليس بمحظور، وإنما المحظور الولولة وشق الثياب، والكلام بما لا ينبغي وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب). وقد بين الله جل وعز ذلك بقوله {فهو كظيم} أي مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه؛ ومنه كظم الغيظ وهو إخفاؤه؛ فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه؛ قال الله تعالى {إذ نادى وهو مكظوم} [
القلم : 48] أي مملوء كربا. ويجوز أن يكون المكظوم بمعنى الكاظم؛ وهو المشتمل على حزنه. وعن ابن عباس : كظيم مغموم؛ قال الشاعر : فإن أك كاظما لمصاب شاس ** فإني اليوم منطلق لساني وقال ابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال : ذهبت عيناه من الحزن {فهو كظيم} قال : فهو مكروب. وقال مقاتل بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس في قوله {فهو كظيم} قال : فهو كمد؛ يقول : يعلم أن يوسف حي، وأنه لا يدري أين هو؛ فهو كمد من ذلك. قال الجوهري : الكمد الحزن المكتوم؛ تقول منه كمد الرجل فهو كمد وكميد. النحاس. يقال فلان كظيم وكاظم؛ أي حزين لا يشكو حزنه؛ قال الشاعر : فحضضت قومي واحتسبت قتالهم ** والقوم من الخوف المنايا كظّم
وأعرض يعقوب عنهم، وقد ضاق صدره بما قالوه، وقال: يا حسرتا على يوسف وابيضَّتْ عيناه، بذهاب سوادهما مِن شدة الحزن فهو ممتلئ القلب حزنًا، ولكنه شديد الكتمان له.
أي: وتولى يعقوب عليه الصلاة والسلام عن أولاده بعد ما أخبروه هذا الخبر، واشتد به الأسف والأسى، وابيضت عيناه من الحزن الذي في قلبه، والكمد الذي أوجب له كثرة البكاء، حيث ابيضت عيناه من ذلك.
{ فَهُوَ كَظِيمٌ } أي: ممتلئ القلب من الحزن الشديد، { وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } أي: ظهر منه ما كمن من الهم القديم والشوق المقيم، وذكرته هذه المصيبة الخفيفة بالنسبة للأولى، المصيبة الأولى.
قوله تعالى : ( وتولى عنهم ) وذلك أن يعقوب عليه السلام لما بلغه خبر بنيامين تتام حزنه ، وبلغ جهده ، وتهيج حزنه على يوسف فأعرض عنهم ( يا أسفى ) يا حزناه ( على يوسف ) والأسف أشد الحزن ( وابيضت عيناه من الحزن ) عمي بصره . قال مقاتل : لم يبصر بهما ست سنين ( فهو كظيم ) أي : مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه . وقال قتادة : يردد حزنه في جوفه ولم يقل إلا خيرا . قال الحسن : كان بين خروج يوسف من حجر أبيه إلى يوم التقى معه ثمانون عاما ، لا تجف عينا يعقوب وما على وجه الأرض يومئذ أكرم على الله من يعقوب .
(وَتَوَلَّى) الواو عاطفة وتولى مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر وفاعله مستتر (عَنْهُمْ) متعلقان بتولي (وَقالَ) الجملة مستأنفة (يا) أداة نداء (أَسَفى) منادى مضاف لياء المتكلم وقد قلبت ألفا وفتح ما قبلها والتقدير يا أسفي والجملة مقول القول (عَلى يُوسُفَ) متعلقان بأسفا (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ) ماض وفاعله المرفوع بالألف لأنه مثنى والهاء مضاف إليه (مِنَ الْحُزْنِ) متعلقان بابيضت والجملة معطوفة بالواو (فَهُوَ كَظِيمٌ) مبتدأ وخبر والجملة معطوفة بالفاء
Traslation and Transliteration:
Watawalla AAanhum waqala ya asafa AAala yoosufa waibyaddat AAaynahu mina alhuzni fahuwa katheemun
And he turned away from them and said: Alas, my grief for Joseph! And his eyes were whitened with the sorrow that he was suppressing.
Ve onlardan yüz çevirdi de ey beni tükenmez, sonu gelmez kederlere salan Yusuf demeye başladı ve kederden gözleri ağardı ve artık derdini yutmaktaydı o.
Et il se détourna d'eux et dit: «Que mon chagrin est grand pour Joseph!» Et ses yeux blanchirent d'affliction. Et il était accablé.
Dann wandte er sich von ihnen ab und sagte: "Weh um Yusuf." Und seine Augen wurden weiß von der Trauer. Und er hat es still erduldet.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة يوسف (Yusuf - Joseph) |
ترتيبها |
12 |
عدد آياتها |
111 |
عدد كلماتها |
1795 |
عدد حروفها |
7125 |
معنى اسمها |
(يُوسُفُ عليه السلام): هُوَ نَبِيُّ اللهِ يُوسُفُ بِنُ يعقُوبَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، ابنُ ثلاثةِ أنْبِيَاءَ، ويُوصَفُ بأنَّه الكَريمُ ابنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ |
سبب تسميتها |
أنَّ السُّورةَ كُلَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ قِصَّةِ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَسُمِّيَت بِهِ |
أسماؤها الأخرى |
لَا يُعْرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) |
مقاصدها |
ذِكْرُ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام كَامِلَةً لِتَكُونَ زَادًا لِلدُّعَاةِ إِلى اللهِ تَعَالَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، فَعَنْ سَعدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: «أُنزِل القرآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَتَلَا عَلَيهِم زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَو قَصَصْتَ عَلَينَا، فَأنزَلَ اللهُ: ﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابنُ حِبَّان) |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) بِآخِرِهَا:
الحَدِيثُ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام وَأَهَمِيَّتِها، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾،
وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا:
﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ ...١١١﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (هُودٍ عليه السلام):
خَاطَبَ اللهُ النَّبِيَّ ﷺ فِي أَوَاخِرِ (هُودٍعليه السلام): فَقَالَ: ﴿وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ ...١٢٠﴾، فَكَانَ مِمَّا ثَبَّتَ بِهِ فُؤَادَهُ ﷺ قِصَّةُ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَقَالَ: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾. |