«وقال الملك» ملك مصر الريان بن الوليد «إني أرى» أي رأيت «سبع بقرات سمان يأكلهن» يبتلعهن «سبع» من البقر «عجاف» جمع عجفاء «وسبع سنبلات خضر وأخر» أي سبع سنبلات «يابسات» قد التوت على الخضر وعلت عليها «يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي» بينوا لي تعبيرها «إن كنتم للرؤيا تعبرون» فاعبروها.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْ فَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
اعلم أن جميع هذا القصص إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان اللّه نصبها لنا معبرا ، لذلك قال تعالى «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» فإن اللب يحجب بصورة القشر ، فلا يعلم اللب إلا من علم أن ثم لبا ، ولولا ذلك ما كسر القشر ، فيكون هذا القصص يذكرك بما فيك «ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» .
(13) سورة الرّعد مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(111) كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار - الفتوحات ج 3 /
471 - كتاب الإسفار
هذه الرؤيا من ملك مصر مما قدر الله تعالى أنها كانت سببا لخروج يوسف - عليه السلام - من السجن معززا مكرما ، وذلك أن الملك رأى هذه الرؤيا ، فهالته وتعجب من أمرها ، وما يكون تفسيرها ، فجمع الكهنة والحزاة وكبراء دولته وأمراءه وقص عليهم ما رأى ، وسألهم عن تأويلها ، فلم يعرفوا ذلك ،
قوله تعالى {وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان} لما دنا فرج يوسف عليه السلام رأى الملك رؤياه، فنزل جبريل فسلم على يوسف وبشره بالفرج وقال : إن الله مخرجك من سجنك، وممكن لك في الأرض، يذل لك ملوكها، ويطيعك جبابرتها، ومعطيك الكلمة العليا على إخوتك، وذلك بسبب رؤيا رآها الملك، وهي كيت وكيت، وتأويلها كذا وكذا، فما لبث في السجن أكثر مما رأى الملك الرؤيا حتى خرج، فجعل الله الرؤيا أولا ليوسف بلاء وشدة، وجعلها آخرا بشرى ورحمة؛ وذلك أن الملك الأكبر الريان بن الوليد رأى في نومه كأنما خرج من نهر يابس سبع بقرات سمان، في أثرهن سبع عجاف - أي مهازيل - وقد أقبلت العجاف على السمان فأخذن بآذانهن فأكلنهن، إلا القرنين، ورأى سبع سنبلات خضر قد أقبل عليهن سبع يابسات فأكلنهن حتى أتين عليهن فلم يبق منهن شيء وهن يابسات، وكذلك البقر كن عجافا فلم يزد فيهن شيء من أكلهن السمان، فهالته الرؤيا، فأرسل إلى الناس وأهل العلم منهم والبصر بالكهانة والنجامة والعرافة والسحر، وأشراف قومه، فقال {يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي} فقص عليهم، فقال القوم{أضغاث أحلام} [
يوسف : 44] قال ابن جريج قال لي عطاء : إن أضغاث الأحلام الكاذبة المخطئة من الرؤيا. وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : إن الرؤيا منها حق، ومنها أضغاث أحلام، يعني بها الكاذبة. وقال الهروي : قوله تعالى{أضغاث أحلام} أي أخلاط أحلام. والضغث في اللغة الحزمة من الشيء كالبقل والكلأ وما أشبههما، أي قالوا : ليست رؤياك ببينة، والأحلام الرؤيا المختلطة. وقال مجاهد : أضغاث الرؤيا أهاويلها. وقال أبو عبيدة : الأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا. قوله تعالى {سبع بقرات سمان} حذفت الهاء من {سبع} فرقا بين المذكر والمؤنث {سمان} من نعت البقرات، ويجوز في غير القرآن سبع بقرات سمانا، نعت للسبع، وكذا خضرا، قال الفراء : ومثله {سبع سماوات طباقا} {نوح : 15]. وقد مضى في سورة {البقرة} اشتقاقها ومعناها. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : المعز والبقر إذا دخلت المدينة فإن كانت سمانا فهي سني رخاء، وإن كانت عجافا كانت شدادا، وإن كانت المدينة مدينة بحر وإبان سفر قدمت سفن على عددها وحالها، وإلا كانت فتنا مترادفة، كأنها وجوه البقر، كما في الخبر (يشبه بعضها بعضا). وفي خبر آخر في الفتن (كأنها صياصي البقر) يريد لتشابهها، إلا أن تكون صفرا كلها فإنها أمراض تدخل على الناس، وإن كانت مختلفة الألوان، شنيعة القرون وكان الناس ينفرون منها، أو كأن النار والدخان يخرج من أفواهها فإنه عسكر أو غارة، أو عدو يضرب عليهم، وينزل بساحتهم. وقد تدل البقرة على الزوجة والخادم والغلة والسنة؛ لما يكون فيها من الولد والغلة والنبات. {يأكلهن سبع عجاف} من عجُف يعجُف، على وزن عظم يعظم، وروي عجِف يعجَف على وزن حمد يحمد. قوله تعالى {يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي} جمع الرؤيا رؤى : أي أخبروني بحكم هذه الرؤيا. {إن كنتم للرؤيا تعبرون} العبارة مشتقة من عبور النهر، فمعنى عبرت النهر، بلغت شاطئه، فعابر الرؤيا يعبر بما يؤول إليه أمرها. واللام في {للرؤيا} للتبيين، أي إن كنتم تعبرون، ثم بين فقال : للرؤيا قاله الزجاج.
وقال الملك: إني رأيت في منامي سبع بقرات سمان، يأكلهن سبع بقرات نحيلات من الهُزال، ورأيت سبع سنبلات خضر، وسبع سنبلات يابسات، يا أيها السادة والكبراء أخبروني عن هذه الرؤيا، إن كنتم للرؤيا تُفَسِّرون.
لما أراد الله تعالى أن يخرج يوسف من السجن، أرى الله الملك هذه الرؤيا العجيبة، الذي تأويلها يتناول جميع الأمة، ليكون تأويلها على يد يوسف، فيظهر من فضله، ويبين من علمه ما يكون له رفعة في الدارين، ومن التقادير المناسبة أن الملك الذي ترجع إليه أمور الرعية هو الذي رآها، لارتباط مصالحها به.
وذلك أنه رأى رؤيا هالته، فجمع لها علماء قومه وذوي الرأي منهم وقال: { إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ } أي: سبع من البقرات { عِجَافٌ } وهذا من العجب، أن السبع العجاف الهزيلات اللاتي سقطت قوتهن، يأكلن السبع السمان التي كنَّ نهاية في القوة.
{ وَ } رأيت { سَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ } يأكلهن سبع سنبلات { يَابِسَاتٍ } { يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ } لأن تعبير الجميع واحد، وتأويله شيء واحد. { إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } فتحيروا، ولم يعرفوا لها وجها.
فلما انقضت سبع سنين - قال الكلبي : وهذا السبع سوى الخمسة التي كانت قبل ذلك - ودنا فرج يوسف رأى ملك مصر الأكبر رؤيا عجيبة هالته ، وذلك أنه رأى سبع بقرات سمان ، خرجت من البحر ، ثم خرج عقبهن سبع بقرات عجاف في غاية الهزال ، فابتلعت العجاف السمان فدخلن في بطونهن ، ولم ير منهن شيء ولم يتبين على العجاف منها شيء ، ثم رأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها ، [ وسبعا أخرى ] يابسات قد استحصدت ، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها ، ولم يبق من خضرتها شيء ، فجمع السحرة ، والكهنة ، والحازة ، والمعبرين ، وقص عليهم رؤياه ، فذلك قوله تعالى :
( وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ) فقال لهم ( يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون ) .
(وَقالَ الْمَلِكُ) الواو استئنافية وماض وفاعله والجملة مستأنفة (إِنِّي) إن واسمها والجملة مقول القول (أَرى) مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر وفاعله مستتر (سَبْعَ) مفعول به (بَقَراتٍ) مضاف إليه والجملة خبر إني (سِمانٍ) صفة (يَأْكُلُهُنَّ) مضارع ومفعوله المقدم (سَبْعَ) فاعل مؤخر (عِجافٌ) صفة والجملة مفعول به ثان لأرى (وَسَبْعَ) معطوف على سبع المتقدمة (سُنْبُلاتٍ) مضاف إليه (خُضْرٍ) صفة لسنبلات (وَأُخَرَ) معطوف على سبع وهو مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف (يابِساتٍ) صفة لأخر (يا) أداة نداء (أَيُّهَا) أي منادى نكرة مقصودة في محل نصب على النداء والها للتنبيه (الْمَلَأُ) بدل من أي أو عطف بيان (أَفْتُونِي) أمر وفاعله والنون للوقاية والياء مفعول به والجملة وما قبلها مقول القول (فِي رُءْيايَ) متعلقان بأفتوني والياء مضاف إليه (إِنْ) شرطية (كُنْتُمْ) كان واسمها والجملة ابتدائية (لِلرُّءْيا) اللام حرف جر والرؤيا اسم مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر متعلقان بتعبرون (تَعْبُرُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة خبر كنتم وجواب الشرط محذوف.
Traslation and Transliteration:
Waqala almaliku innee ara sabAAa baqaratin simanin yakuluhunna sabAAun AAijafun wasabAAa sunbulatin khudrin waokhara yabisatin ya ayyuha almalao aftoonee fee ruyaya in kuntum lilrruya taAAburoona
And the king said: Lo! I saw in a dream seven fat kine which seven lean were eating, and seven green ears of corn and other (seven) dry. O notables! Expound for me my vision, if ye can interpret dreams.
Padişah dedi ki: Rüyamda gördüm, yedi zayıf inek, yedi semiz ineği yiyordu; bir de yedi terütaze yeşil başakla yedi tane de kurumuş başak gördüm. Ey ileri gelenler, rüya yormayı biliyorsanız bu rüyamı yorun.
Et le roi dit: «En vérité, je voyais (en rêve) sept vaches grasses mangées par sept maigres; et sept épis verts, et autant d'autres, secs. O conseil de notables, donnez-moi une explication de ma vision, si vous savez interpréter le rêve».
Der König sagte: "Ich hatte ein Traumgesicht, in dem sieben fette Kühe von sieben mageren Kühen gefressen werden und sieben grüne Ähren und (sieben) andere Vertrocknete waren. Ihr Entscheidungsträger! Gebt mir eine Antwort auf mein Traumgesicht, wenn ihr das Traumgesicht interpretieren könnt!"
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة يوسف (Yusuf - Joseph) |
ترتيبها |
12 |
عدد آياتها |
111 |
عدد كلماتها |
1795 |
عدد حروفها |
7125 |
معنى اسمها |
(يُوسُفُ عليه السلام): هُوَ نَبِيُّ اللهِ يُوسُفُ بِنُ يعقُوبَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، ابنُ ثلاثةِ أنْبِيَاءَ، ويُوصَفُ بأنَّه الكَريمُ ابنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ |
سبب تسميتها |
أنَّ السُّورةَ كُلَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ قِصَّةِ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَسُمِّيَت بِهِ |
أسماؤها الأخرى |
لَا يُعْرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) |
مقاصدها |
ذِكْرُ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام كَامِلَةً لِتَكُونَ زَادًا لِلدُّعَاةِ إِلى اللهِ تَعَالَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، فَعَنْ سَعدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: «أُنزِل القرآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَتَلَا عَلَيهِم زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَو قَصَصْتَ عَلَينَا، فَأنزَلَ اللهُ: ﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابنُ حِبَّان) |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) بِآخِرِهَا:
الحَدِيثُ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام وَأَهَمِيَّتِها، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾،
وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا:
﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ ...١١١﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (هُودٍ عليه السلام):
خَاطَبَ اللهُ النَّبِيَّ ﷺ فِي أَوَاخِرِ (هُودٍعليه السلام): فَقَالَ: ﴿وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ ...١٢٠﴾، فَكَانَ مِمَّا ثَبَّتَ بِهِ فُؤَادَهُ ﷺ قِصَّةُ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَقَالَ: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾. |