«وقال نسوة في المدينة» مدينة مصر «امرأة العزيز تراود فتاها» عبدها «عن نفسه قد شغفها حبا» تمييز، أي دخل حبه شغاف قلبها، أي غلافه «إنا لنراها في ضلال» أي في خطأ «مبين» بيِّن بحبها إياه.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْ فَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
اعلم أن جميع هذا القصص إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان اللّه نصبها لنا معبرا ، لذلك قال تعالى «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» فإن اللب يحجب بصورة القشر ، فلا يعلم اللب إلا من علم أن ثم لبا ، ولولا ذلك ما كسر القشر ، فيكون هذا القصص يذكرك بما فيك «ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» .
(13) سورة الرّعد مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(111) كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار - الفتوحات ج 3 /
471 - كتاب الإسفار
يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز شاع في المدينة ، وهي مصر ، حتى تحدث الناس به ، ( وقال نسوة في المدينة ) مثل نساء الأمراء [ و ] الكبراء ، ينكرن على امرأة العزيز ، وهو الوزير ، ويعبن ذلك عليها : ( امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ) أي : تحاول غلامها عن نفسه ، وتدعوه إلى نفسها ، ( قد شغفها حبا ) أي قد : وصل حبه إلى شغاف قلبها . وهو غلافه .
قال الضحاك عن ابن عباس : الشغف : الحب القاتل ، والشغف دون ذلك ، والشغاف : حجاب القلب .
( إنا لنراها في ضلال مبين ) أي : في صنيعها هذا من حبها فتاها ، ومراودتها إياه عن نفسه .
قوله تعالى {وقال نسوة في المدينة} ويقال {نُسوة} بضم النون، وهي قراءة الأعمش والمفضل والسلمي، والجمع الكثير نساء. ويجوز : وقالت نسوة، وقال نسوة، مثل قالت الأعراب وقال الأعراب؛ وذلك أن القصة انتشرت في أهل مصر فتحدث النساء. قيل : امرأة ساقي العزيز، وامرأة خبازه، وامرأة صاحب دوابه، وامرأة صاحب سجنه. وقيل : امرأة الحاجب؛ عن ابن عباس وغيره. {تراود فتاها عن نفسه} الفتى في كلام العرب الشاب، والمرأة فتاة. {قد شغفها حبا} قيل : شغفها غلبها. وقيل : دخل حبه في شغافها؛ عن مجاهد. وغيره. وروى عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال : دخل تحت شغافها. وقال الحسن : الشغف باطن القلب. السدي وأبو عبيد : شغاف القلب غلافه، وهو جلد عليه. وقيل : هو وسط القلب؛ والمعنى في هذه الأقوال متقارب، والمعنى : وصل حبه إلى شغافها فغلب عليه؛ قال النابغة : وقد حال هم دون ذلك داخل ** دخول الشغاف تبتغيه الأصابع وقد قيل : إن الشغاف داء؛ وأنشد الأصمعي للراجز : يتبعها وهي له شَغاف ** وقرأ أبو جعفر بن محمد وابن محيصن والحسن {شَعَفها} بالعين غير معجمة؛ قال ابن الأعرابي : معناه أحرق حبه قلبها؛ قال : وعلى الأول العمل. قال الجوهري : وشعفه الحب أحرق قلبه. وقال أبو زيد : أمرضه. وقد شعف بكذا فهو مشعوف. وقرأ الحسن "قد شعفها" قال : بَطَنَها حبًّا. قال النحاس : معناه عند أكثر أهل اللغة قد ذهب بها كل مذهب؛ لأن شعاف الجبال. أعاليها؛ وقد شغف بذلك شغفا بإسكان الغين إذا أولع به؛ إلا أن أبا عبيدة أنشد بيت امرئ القيس : لتقتلني وقد شَعَفْتُ فؤادَها ** كما شعف المهنوءة الرجل الطالي قال : فشبهت لوعة الحب وجواه بذلك. وروي عن الشعبي أنه قال : الشغف بالغين المعجمة حب، والشعف بالعين غير المعجمة جنون. قال النحاس : وحكي {قد شغِفها} بكسر الغين، ولا يعرف في كلام العرب إلا {شغفها} بفتح الغين، وكذا {شعفها} أي تركها مشعوفة. وقال سعيد بن أبي عروبة عن الحسن : الشغاف حجاب القلب، والشعاف سويداء القلب، فلو وصل الحب إلى الشعاف لماتت؛ وقال الحسن : ويقال إن الشغاف الجلدة اللاصقة بالقلب التي لا ترى، وهي الجلدة البيضاء، فلصق حبه بقلبها كلصوق الجلدة بالقلب. قوله تعالى {إنا لنراها في ضلال مبين} أي في هذا الفعل. وقال قتادة {فتاها} وهو فتى زوجها، لأن يوسف كان عندهم في حكم المماليك، وكان ينفذ أمرها فيه. وقال مقاتل عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال : إن امرأة العزيز استوهبت زوجها يوسف فوهبه لها، وقال : ما تصنعين به؟ قالت : أتخذه ولدا؛ قال : هو لك؛ فربته حتى أيفع وفي نفسها منه ما في نفسها، فكانت تنكشف له وتتزين وتدعوه من وجه اللطف فعصمه الله. قوله تعالى {فلما سمعت بمكرهن} أي بغيبتهن إياها، واحتيالهن في ذمها. وقيل : إنها أطلعتهن واستأمنتهن فأفشين سرها، فسمي ذلك مكرا. وقوله {أرسلت إليهن} في الكلام حذف؛ أي أرسلت إليهن تدعوهن إلى وليمة لتوقعهن فيما وقعت فيه؛ فقال مجاهد عن ابن عباس : إن امرأة العزيز قالت لزوجها إني أريد أن أتخذ طعاما فأدعو هؤلاء النسوة؛ فقال لها : افعلي؛ فاتخذت طعاما، ثم نجدت لهن البيوت؛ نجدت أي زينت؛ والنجد ما ينجد به البيت من المتاع أي يزين، والجمع نجود عن أبي عبيد؛ والتنجيد التزيين؛ وأرسلت إليهن أن يحضرن طعامها، ولا تتخلف منكن امرأة ممن سميت. قال وهب بن منبه : إنهن كن أربعين امرأة فجئن على كره منهن، وقد قال فيهن أمية بن أبي الصلت : حتى إذا جئنها قسرا ** ومهدت لهن أنضادا وكبابا ويروى : أنماطا. قال وهب بن منبه : فجئن وأخذن مجالسهن. {وأعتدت لهن متكأ} أي هيأت لهن مجالس يتكئن عليها. قال ابن جبير : في كل مجلس جام فيه عسل وأترج وسكين حاد. وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير {متكا} مخففا غير مهموز، والمُتْك: هو الأترج بلغة القبط، وكذلك فسره مجاهد روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال : المتَّكأ: مثقلا هو الطعام، والمتْك مخففا هو الأترج؛ وقال الشاعر : نشرب الإثم بالصواع جهارا ** وترى المتك بيننا مستعارا وقد تقول أزد شنوءة : الأترجة المتكة؛ قال الجوهري : المُتْكَ ما تبقيه الخاتنة. وأصل المتك الزُّماوَرد. والمَتْكاء من النساء التي لم تخفض. قال الفراء : حدثني شيخ من ثقات أهل البصرة أن المتك مخففا الزماورد. وقال بعضهم : إنه الأترج؛ حكاه الأخفش. ابن زيد : أترجا وعسلا يؤكل به؛ قال الشاعر : فظلنا بنعمة واتكأنا ** وشربنا الحلال من قلله أي أكلنا. النحاس : قوله تعالى {واعتدت} من العتاد؛ وهو كل ما جعلته عدة لشيء. {متكأ} أصح ما قيل فيه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : مجلسا، وأما قول جماعة من أهل، التفسير إنه الطعام فيجوز على تقدير : طعام متكأ، مثل {واسأل القرية}؛ ودل على هذا الحذف {وآتت كل واحدة منهن سكينا} لأن حضور النساء معهن سكاكين إنما هو لطعام يقطع بالسكاكين؛ كذا قال في كتاب [إعراب القرآن] له. وقال في كتاب [معاني القرآن] له : وروى معمر عن قتادة قال {المتكأ} الطعام. وقيل {المتكأ} كل ما أتكئ عليه عند طعام أو شراب أو حديث؛ وهذا هو المعروف عند أهل اللغة، إلا أن الروايات قد صحت بذلك. وحكى القتبي أنه يقال : اتكأنا عند فلان أي أكلنا، والأصل في {متكأ} موتكأ، ومثله متزن ومتعد؛ لأنه من وزنت، ووعدت ووكأت، ويقال : اتكأ يتكئ اتكاء. {كل واحدة منهن سكينا} مفعولان؛ وحكى الكسائي والفراء أن السكين يذكر ويؤنث، وأنشد الفراء : فعَيَّثَ في السَّنام غداة قَرٍّ ** بسكين موَثَّقَة النصاب الجوهري : والغالب عليه التذكير، وقال : يُرى ناصحا فيما بدا فإذا خلا ** فذلك سكين على الحلق حاذق الأصمعي : لا يعرف في السكين إلا التذكير. قوله تعالى {وقالت اخرج عليهن} بضم التاء لالتقاء الساكنين؛ لأن الكسرة تثقل إذا كان بعدها ضمة، وكسرت التاء على الأصل. قيل : إنها قالت لهن : لا تقطعن ولا تأكلن حتى أعلمكن، ثم قالت لخادمها : إذا قلت لك ادع إيلا فادع يوسف؛ وإيل : صنم كانوا يعبدونه، وكان يوسف عليه السلام يعمل في الطين، وقد شد مئزره، وحسر عن ذراعيه؛ فقالت للخادم : ادع لي إيلا؛ أي ادع لي الرب؛ وإيل بالعبرانية الرب؛ قال : فتعجب النسوة وقلن : كيف يجيء؟! فصعدت الخادم فدعت يوسف، فلما انحدر قالت لهن : اقطعن ما معكن. {فلما رأينه أكبرنه} واختلف في معنى {أكبرنه} فروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : أعظمنه وهبنه؛ وعنه أيضا أمنين وأمذين من الدهش؛ وقال الشاعر : إذا ما رأين الفحل من فوق قارة ** صهلن وأكبرن المني المدفقا وقال ابن سمعان عن عدة من أصحابه : إنهم قالوا أمذين عشقا؛ وهب بن منبه : عشقنه حتى مات منهن عشر في ذلك المجلس دهشا وحيرة ووجدا بيوسف. وقيل : معناه حضن من الدهش؛ قاله قتادة ومقاتل والسدي؛ قال الشاعر : نأتي النساء على أطهارهن ** ولا نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره وقالوا : ليس ذلك في كلام العرب، ولكنه يجوز أن يكن حضن من شدة إعظامهن له، وقد تفزع المرأة فتسقط ولدها أو تحيض. قال الزجاج: يقال أكبرنه، ولا يقال حضنه، فليس الإكبار بمعنى الحيض؛ وأجاب الأزهري فقال : يجوز أكبرت بمعنى حاضت؛ لأن المرأة إذا حاضت في الابتداء خرجت من حيز الصغر إلى الكبر؛ قال : والهاء في {أكبرنه} يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية، وهذا مزيف، لأن هاء الوقف تسقط في الوصل، وأمثل منه قول ابن الأنباري : إن الهاء كناية عن مصدر الفعل، أي أكبرن إكبارا، بمعنى حضن حيضا. وعلى قول ابن عباس الأول تعود الهاء إلى يوسف؛ أي أعظمن يوسف وأجللنه. قوله تعالى {وقطعن أيديهن} بالمدى حتى بلغت السكاكين إلى العظم؛ قاله وهب بن منبه. سعيد بن جبير : لم يخرج عليهن حتى زينته، فخرج عليهن فجأة فدهشن فيه، وتحيرن لحسن وجهه وزينته وما عليه، فجعلن يقطعن أيديهن، ويحسبن أنهن يقطعن الأترج؛ قال مجاهد : قطعنها حتى ألقينها. وقيل : خدشنها. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : حزا بالسكين، قال النحاس : يريد مجاهد أنه ليس قطعا تبين منه اليد، إنما هو خدش وحز، وذلك معروف في اللغة أن يقال إذا خدش الإنسان يد صاحبه قطع يده. وقال عكرمة {أيديهن} أكمامهن، وفيه بعد. وقيل : أناملهن؛ أي ما وجدن ألما في القطع والجرح، أي لشغل قلوبهن بيوسف، والتقطيع يشير إلى الكثرة، فيمكن أن ترجع الكثرة إلى واحدة جرحت يدها في موضع، ويمكن أن يرجع إلى عددهن. قوله تعالى {وقلن حاش لله} أي معاذ الله. وروى الأصمعي عن نافع أنه قرأ كما قرأ أبو عمرو بن العلاء. {وقلن حاشا لله} بإثبات الألف وهو الأصل، ومن حذفها جعل اللام في {لله} عوضا منها. وفيها أربع لغات؛ يقال : حاشاك وحاشا لك وحاش لك وحشا لك. ويقال : حاشا زيد وحاشا زيدا؛ قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : النصب أولى؛ لأنه قد صح أنها فعل لقولهم حاش لزيد، والحرف لا يحذف منه؛ وقد قال، النابغة : ولا أحاشي من الأقوام من أحد ** وقال بعضهم : حاش حرف، وأحاشي فعل. ويدل على كون حاشا فعلا وقوع حرف الجر بعدها. وحكى أبو زيد عن أعرابي : اللهم اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطان وأبا الأصبغ؛ فنصب بها. وقرأ الحسن {وقلن حاش لله} بإمكان الشين، وعنه أيضا {حاش الإله}. ابن مسعود وأبي {حاش الله} بغير لام، ومنه قول الشاعر : حاشا أبي ثوبان إن به ** ضنا عن الملحاة والشتم قال الزجاج : وأصل الكلمة من الحاشية، والحشا بمعنى الناحية، تقول : كنت في حشا فلان أي في ناحيته؛ فقولك : حاشا لزيد أي تنحى زيد من هذا وتباعد عنه، والاستثناء إخراج وتنحية عن جملة المذكورين. وقال أبو علي : هو فاعل من المحاشاة؛ أي حاشا يوسف وصار في حاشية وناحية مما قرف به، أو من أن يكون بشرا؛ فحاشا وحاش في الاستثناء حرف جر عند سيبويه، وعلى ما قال المبرد وأبو علي فعل. قوله تعالى {ما هذا بشرا} قال الخليل وسيبويه {ما} بمنزلة ليس؛ تقول : ليس زيد قائما، و{ما هذا بشرا} و {ما هن أمهاتهم} [
المجادلة:2]. وقال الكوفيون : لما حذفت الباء نصبت؛ وشرح هذا - فيما قال أحمد بن يحيى، - إنك إذا قلت : ما زيد بمنطلق، فموضع الباء موضع نصب، وهكذا سائر حروف الخفض؛ فلما حذفت الباء نصبت لتدل على محلها، قال : وهذا قول الفراء، قال : ولم تعمل {ما} شيئا؛ فألزمهم البصريون أن يقولوا : زيد القمر؛ لأن المعنى كالقمر! فرد أحمد بن يحيى بأن قال : الباء أدخل في حروف الخفض من الكاف؛ لأن الكاف تكون اسما. قال النحاس : لا يصح إلا قول البصريين؛ وهذا القول يتناقض؛ لأن الفراء أجاز نصا ما بمنطلق زيد، وأنشد : أما والله أن لو كنتَ حرا ** وما بالحر أنت ولا العتيق ومنع نصا النصب؛ ولا نعلم بين النحويين اختلافا أنه جائز : ما فيك براغب زيد، وما إليك بقاصد عمرو، ثم يحذفون الباء ويرفعون. وحكى البصريون والكوفيون ما زيد منطلق بالرفع، وحكى البصريون أنها لغة تميم، وأنشدوا : أتيما تجعلون إلي ندا ** وما تيم لذي حسب نديد الند والنديد والنديدة المثل والنظير. وحكى الكسائي أنها لغة تهامة ونجد. وزعم الفراء أن الرفع أقوى الوجهين : قال أبو إسحاق : وهذا غلط؛ كتاب الله عز وجل ولغة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى وأولى. قلت : وفي مصحف حفصة رضي الله عنها {ما هذا ببشر} ذكره الغزنوي. قال القشيري أبو نصر : وذكرت النسوة أن صورة يوسف أحسن، من صورة البشر، بل هو في صورة ملك؛ وقال الله تعالى{لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} [
التين : 4] والجمع بين الآيتين أن قولهن {حاش لله} تبرئة ليوسف عما رمته به امرأة العزيز. من المراودة، أي بعد يوسف عن هذا؛ وقولهن {لله} أي لخوفه، أي براءة لله من هذا؛ أي قد نجا يوسف من ذلك، فليس هذا من الصورة في شيء؛ والمعنى : أنه في التبرئة عن المعاصي كالملائكة؛ فعلى هذا لا تناقض. وقيل : المراد تنزيهه عن مشابهة البشر في الصورة، لفرط جماله. وقوله {لله} تأكيد لهذا المعنى؛ فعلى هذا المعنى قالت النسوة ذلك ظنا منهن أن صورة الملك أحسن، وما بلغهن قوله تعالى {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}[
التين : 4] فإنه من كتابنا. وقد ظن بعض، الضعفة أن هذا القول لو كان ظنا باطلا منهن لوجب على الله أن يرد عليهن، ويبين كذبهن، وهذا باطل؛ إذ لا وجوب على الله تعالى، وليس كل ما يخبر به الله سبحانه من كفر الكافرين وكذب الكاذبين يجب عليه أن يقرن به الرد عليه، وأيضا أهل العرف قد يقولون في القبيح كأنه شيطان، وفي الحسن كأنه ملك؛ أي لم ير مثله، لأن الناس لا يرون الملائكة؛ فهو بناء على ظن في أن صورة الملك أحسن، أو على الإخبار بطهارة أخلاقه وبعده عن التهم.. {إن هذا إلا ملك} أي ما هذا إلا ملك؛ وقال الشاعر : فلستَ لإنسيٍّ ولكن لملاك ** تنزل من جو السماء يصُوبُ وروي عن الحسن {ما هذا بِشِرى} بكسر الباء والشين، أي ما هذا عبدا مشترى، أي ما ينبغي لمثل هذا أن يباع، فوضع المصدر موضع اسم المفعول، كما قال {أحل لكم صيد البحر} [
المائدة : 96] أي مصيده، وشبهه كثير. ويجوز أن يكون المعنى : ما هذا بثمن، أي مثله لا يثمن ولا يقوم؛ فيراد بالشراء على هذا الثمن المشترى به : كقولك : ما هذا بألف إذا نفيت قول القائل : هذا بألف. فالباء على هذا متعلقة بمحذوف هو الخبر، كأنه قال : ما هذا مقدرا بشراء. وقراءة العامة أشبه؛ لأن بعده {إن هذا إلا ملك كريم} مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة تعظيما لشأنه، ولأن مثل {بِشِرى} يكتب في المصحف بالياء.
ووصل الخبر إلى نسوة في المدينة فتحدثن به، وقلن منكرات على امرأة العزيز: امرأة العزيز تحاول غلامها عن نفسه، وتدعوه إلى نفسها، وقد بلغ حبها له شَغَاف قلبها (وهو غلافه)، إنا لَنراها في هذا الفعل لفي ضلال واضح.
يعني: أن الخبر اشتهر وشاع في البلد، وتحدث به النسوة فجعلن يلمنها، ويقلن: { امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا } أي: هذا أمر مستقبح، هي امرأة كبيرة القدر، وزوجها كبير القدر، ومع هذا لم تزل تراود فتاها الذي تحت يدها وفي خدمتها عن نفسه،.ومع هذا فإن حبه قد بلغ من قلبها مبلغا عظيما.{ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا } أي: وصل حبه إلى شغاف قلبها، وهو باطنه وسويداؤه، وهذا أعظم ما يكون من الحب، { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } حيث وجدت منها هذه الحالة التي لا تنبغي منها، وهي حالة تحط قدرها وتضعه عند الناس، وكان هذا القول منهن مكرا، ليس المقصود به مجرد اللوم لها والقدح فيها، وإنما أردن أن يتوصلن بهذا الكلام إلى رؤية يوسف الذي فتنت به امرأة العزيز لتحنق امرأة العزيز، وتريهن إياه ليعذرنها، ولهذا سماه مكرا، فقال: { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ }
قوله تعالى : ( وقال نسوة في المدينة ) الآية .
يقول : شاع أمر يوسف والمرأة في المدينة مدينة مصر . وقيل : مدينة عين الشمس وتحدث النساء بذلك وقلن - وهن خمس نسوة : امرأة حاجب الملك ، وامرأة صاحب الدواب ، وامرأة الخباز ، وامرأة الساقي ، وامرأة صاحب السجن ، قاله مقاتل .
وقيل : هن نسوة من أشراف مصر - :
( امرأة العزيز تراود فتاها ) أي : عبدها الكنعاني ( عن نفسه ) أي : تطلب من عبدها الفاحشة ( قد شغفها حبا ) أي : علقها حبا .
قال الكلبي : حجب حبه قلبها حتى لا تعقل سواه .
وقيل : أحبته حتى دخل حبه شغاف قلبها ، أي : داخل قلبها .
قال السدي : الشغاف جلدة رقيقة على القلب ، يقول : دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب .
وقرأ الشعبي ، والأعرج ( شعفها ) بالعين غير المعجمة ، معناه : ذهب الحب بها كل مذهب . ومنه شعف الجبال وهو رءوسها . ( إنا لنراها في ضلال مبين ) أي : خطإ ظاهر . وقيل : معناه إنها تركت ما يكون عليه أمثالها من العفاف والستر .
(وَقالَ نِسْوَةٌ) الواو استئنافية وماض وفاعله والجملة مستأنفة (فِي الْمَدِينَةِ) متعلقان بقال (امْرَأَتُ) مبتدأ (الْعَزِيزِ) مضاف إليه والجملة مقول القول (تُراوِدُ) مضارع مرفوع وفاعله مستتر (فَتاها) مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف والهاء مضاف إليه والجملة خبر (عَنْ نَفْسِهِ) متعلقان بتراود (قَدْ) حرف تحقيق (شَغَفَها) ماض ومفعوله والفاعل مستتر (حُبًّا) تمييز والجملة حالية (إِنَّا) إن واسمها والجملة مقول القول (لَنَراها) مضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة خبر (فِي ضَلالٍ) متعلقان بنراها (مُبِينٍ) صفة.
Traslation and Transliteration:
Waqala niswatun fee almadeenati imraatu alAAazeezi turawidu fataha AAan nafsihi qad shaghafaha hubban inna lanaraha fee dalalin mubeenin
And women in the city said: The ruler's wife is asking of her slave-boy an ill-deed. Indeed he has smitten her to the heart with love. We behold her in plain aberration.
Şehirdeki kadınlar, azizin karısı, kölesinden murat almak istemiş, sevgi, bütün kalbini kaplamış, görüyoruz ki o, apaçık bir sapıklıkta dediler.
Et dans la ville, des femmes dirent: «la femme d'Al-'Azize essaye de séduire son valet! Il l'a vraiment rendue folle d'amour. Nous la trouvons certes dans un égarement évident.
Und manche Frauen in der Stadt sagten: "Die Ehefrau von Al-'aziz suchte ihren Diener gegen seine Neigung zu verführen, er ließ sie unbändig flammende Liebe für ihn empfinden. Gewiß, wir sehen sie sicherlich im offenkundigen Irrtum."
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة يوسف (Yusuf - Joseph) |
ترتيبها |
12 |
عدد آياتها |
111 |
عدد كلماتها |
1795 |
عدد حروفها |
7125 |
معنى اسمها |
(يُوسُفُ عليه السلام): هُوَ نَبِيُّ اللهِ يُوسُفُ بِنُ يعقُوبَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، ابنُ ثلاثةِ أنْبِيَاءَ، ويُوصَفُ بأنَّه الكَريمُ ابنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ |
سبب تسميتها |
أنَّ السُّورةَ كُلَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ قِصَّةِ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَسُمِّيَت بِهِ |
أسماؤها الأخرى |
لَا يُعْرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) |
مقاصدها |
ذِكْرُ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام كَامِلَةً لِتَكُونَ زَادًا لِلدُّعَاةِ إِلى اللهِ تَعَالَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، فَعَنْ سَعدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: «أُنزِل القرآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَتَلَا عَلَيهِم زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَو قَصَصْتَ عَلَينَا، فَأنزَلَ اللهُ: ﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابنُ حِبَّان) |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) بِآخِرِهَا:
الحَدِيثُ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام وَأَهَمِيَّتِها، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾،
وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا:
﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ ...١١١﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (هُودٍ عليه السلام):
خَاطَبَ اللهُ النَّبِيَّ ﷺ فِي أَوَاخِرِ (هُودٍعليه السلام): فَقَالَ: ﴿وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ ...١٢٠﴾، فَكَانَ مِمَّا ثَبَّتَ بِهِ فُؤَادَهُ ﷺ قِصَّةُ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَقَالَ: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾. |