«وراودته التي هو في بيتها» هي زليخا «عن نفسه» أي طلبت منه أن يواقعها «وغلَّقت الأبواب» للبيت «وقالت» له «هيْت لك» أي هلم واللام للتبيين وفي قراءة بكسر الهاء وأخرى بضم التاء «قال معاذ الله» أعوذ بالله من ذلك «إنه» الذي اشتراني «ربي» سيدي «أحسن مثواي» مقامي فلا أخونه في أهله «إنه» أي الشأن «لا يفلح الظالمون» الزناة.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْ فَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
اعلم أن جميع هذا القصص إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان اللّه نصبها لنا معبرا ، لذلك قال تعالى «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» فإن اللب يحجب بصورة القشر ، فلا يعلم اللب إلا من علم أن ثم لبا ، ولولا ذلك ما كسر القشر ، فيكون هذا القصص يذكرك بما فيك «ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» .
(13) سورة الرّعد مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(111) كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار - الفتوحات ج 3 /
471 - كتاب الإسفار
يخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها بمصر ، وقد أوصاها زوجها به وبإكرامه [ ( وراودته التي هو في بيتها ] عن نفسه ) أي : حاولته على نفسه ، ودعته إليها ، وذلك أنها أحبته حبا شديدا لجماله وحسنه وبهائه ، فحملها ذلك على أن تجملت له ، وغلقت عليه الأبواب ، ودعته إلى نفسها ، ( وقالت هيت لك ) فامتنع من ذلك أشد الامتناع ، ( وقال معاذ الله إنه ربي [ أحسن مثواي ] ) وكانوا يطلقون " الرب " على السيد والكبير ، أي : إن بعلك ربي أحسن مثواي أي : منزلي وأحسن إلي ، فلا أقابله بالفاحشة في أهله ، ( إنه لا يفلح الظالمون ) قال ذلك مجاهد ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهم .
وقد اختلف القراء في قراءة : ( هيت لك ) فقرأه كثيرون بفتح الهاء ، وإسكان الياء ، وفتح التاء . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : معناه : أنها تدعوه إلى نفسها . وقال علي بن أبي طلحة ، والعوفي ، عن ابن عباس : ( هيت لك ) تقول : هلم لك . وكذا قال زر بن حبيش ، وعكرمة ، والحسن وقتادة .
قال عمرو بن عبيد ، عن الحسن : وهي كلمة بالسريانية ، أي : عليك .
وقال السدي : ( هيت لك ) أي : هلم لك ، وهي بالقبطية .
قال مجاهد : هي لغة عربية تدعوه بها .
وقال البخاري : وقال عكرمة : ( هيت لك ) هلم لك بالحورانية .
وهكذا ذكره معلقا ، وقد أسنده الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثني أحمد بن سهيل الواسطي ، حدثنا قرة بن عيسى ، حدثنا النضر بن عربي الجزري ، عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله : ( هيت لك ) قال : هلم لك . قال : هي بالحورانية .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : وكان الكسائي يحكي هذه القراءة - يعني : ( هيت لك ) - ويقول : هي لغة ، لأهل حوران ، وقعت إلى أهل الحجاز ، معناها : تعال . وقال أبو عبيد : سألت شيخا عالما من أهل حوران ، فذكر أنها لغتهم يعرفها .
واستشهد الإمام ابن جرير على هذه القراءة بقول الشاعر لعلي بن أبى طالب ، رضي الله عنه :
أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتينا إن العراق وأهله
عنق إليك فهيت هيتا
يقول : فتعال واقترب
وقرأ ذلك آخرون : " هئت لك " بكسر الهاء والهمزة ، وضم التاء ، بمعنى : تهيأت لك ، من قول القائل : هئت للأمر أهى هيئة وممن روي عنه هذه القراءة ابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو وائل ، وعكرمة ، وقتادة ، وكلهم يفسرها بمعنى : تهيأت لك .
قال ابن جرير : وكان أبو عمرو والكسائي ينكران هذه القراءة . وقرأ عبد الله بن إسحاق هيت " ، " بفتح الهاء وكسر التاء : وهي غريبة .
وقرأ آخرون ، منهم عامة أهل المدينة " هيت " بفتح الهاء ، وضم التاء ، وأنشد قول الشاعر :
ليس قومي بالأبعدين إذا ما قال داع من العشيرة : هيت
قال عبد الرزاق : أنبأنا الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : قال ابن مسعود : قد سمعت القرأة فسمعتهم متقاربين ، فاقرءوا كما علمتم ، وإياكم والتنطع والاختلاف ، فإنما هو كقول أحدكم : " هلم " و " تعال " ثم قرأ عبد الله : ( هيت لك ) فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إن ناسا يقرءونها : " هيت [ لك ] " ؟ فقال عبد الله : إني أقرؤها كما علمت ، أحب إلي
وقال ابن جرير : حدثني ابن وكيع ، حدثنا ابن عيينة ، عن منصور ، عن أبي وائل قال : قال عبد الله : ( هيت لك ) فقال له مسروق : إن ناسا يقرءونها : " هيت لك " ؟ فقال : دعوني ، فإني أقرأ كما أقرئت ، أحب إلي
وقال أيضا : حدثني المثنى ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شعبة ، عن شقيق ، عن ابن مسعود قال : ( هيت لك ) بنصب الهاء والتاء وبلا همز .
وقال آخرون : " هيت لك " ، بكسر الهاء ، وإسكان الياء ، وضم التاء .
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : " هيت " لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث ، بل يخاطب الجميع بلفظ واحد ، فيقال : هيت لك ، وهيت لك ، وهيت لكما ، وهيت لكم ، وهيت لهن .
قوله تعالى{وراودته التي هو في بيتها عن نفسه} وهي امرأة العزيز، طلبت منه أن يواقعها. وأصل المراودة الإرادة والطلب برفق ولين. والرود والرياد طلب الكلأ؛ وقيل : هي من رويد؛ يقال : فلان يمشي رويدا، أي برفق؛ فالمراودة الرفق في الطلب؛ يقال في الرجل : راودها عن نفسها، وفي المرأة راودته عن نفسه. والرود التأني؛ يقال : أرودني أمهلني. {وغلقت الأبواب} غلق للكثير، ولا يقال : غلق الباب؛ وأغلق يقع للكثير والقليل؛ كما قال الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء : ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها ** حتى أتيت أبا عمرو بن عمار يقال : إنها كانت سبعة أبواب غلقتها ثم دعته إلى نفسها. {وقالت هيت لك} أي هلم وأقبل وتعال؛ ولا مصدر له ولا تصريف. قال النحاس : فيها سبع قراءات؛ فمن أجل ما فيها وأصحه إسنادا ما رواه الأعمش عن أبي وائل قال : سمعت عبدالله بن مسعود يقرأ {هَيتَ لك} قال فقلت : إن قوما يقرؤونها {هِيتَ لك} فقال : إنما أقرأ كما علمت. قال أبو جعفر : وبعضهم يقول عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يبعد ذلك؛ لأن قوله : إنما أقرأ كما علمت يدل على أنه مرفوع، وهذه القراءة بفتح التاء والهاء هي الصحيحة من قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وعكرمة؛ وبها قرأ أبو عمرو بن العلاء وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي. قال عبدالله ابن مسعود : لا تقطعوا في القرآن؛ فإنما هو مثل، قول أحدكم : هلم تعال. وقرأ ابن أبي إسحاق النحوي {قالت هَيتِ لك} بفتح الهاء وكسر التاء. وقرأ أبو عبدالرحمن السلمي وابن كثير {هَيتُ لك} بفتح الهاء وضم التاء؛ قال طرفة : ليس قومي بالأبعدين إذا ما ** قال داع من العشيرة هَيْتُ فهذه ثلاث قراءات الهاء فيهن مفتوحة. وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع {وقالت هِيتَ لك} بكسر الهاء وفتح التاء. وقرأ يحيى بن وثاب {وقالت هِيْتُ لك} بكسر الهاء وبعدها ياء ساكنة والتاء مضمومة. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس ومجاهد وعكرمة {وقالت هِئتُ لك} بكسر الهاء وبعدها همزة ساكنة والتاء مضمومة. وعن ابن عامر وأهل الشام {وقالت هِئتَ} بكسر الهاء وبالهمزة وبفتح التاء؛ قال أبو جعفر{هئتَ لك} بفتح التاء لالتقاء الساكنين، لأنه صوت نحو [مَهْ] و[صَهْ] يجب ألا يعرب، والفتح خفيف؛ لأن قبل التاء ياء مثل، أين وكيف؛ ومن كسر التاء فإنما كسرها لأن الأصل الكسر؛ لأن الساكن إذا حرك حرك إلى الكسر، ومن ضم فلأن فيه معنى الغاية؛ أي قالت : دعائي لك، فلما حذفت الإضافة بني على الضم؛ مثل حيث وبعد. وقراءة أهل المدينة فيها قولان : أحدهما : أن يكون الفتح لالتقاء الساكنين كما مر. والآخر : أن يكون فعلا من هاء يهيئ مثل جاء يجيء؛ فيكون المعنى في {هئت} أي حسنت هيئتك، ويكون {لك} من كلام آخر، كما تقول : لك أعني. ومن همز. وضم التاء فهو فعل بمعنى تهيأت لك؛ وكذلك من قرأ {هيت لك}. وأنكر أبو عمرو هذه القراءة؛ قال أبو عبيدة - معمر بن المثنى : سئل أبو عمرو عن قراءة من قرأ بكسر الهاء وضم التاء مهموزا فقال أبو عمرو : باطل؛ جعلها من تهيأت! اذهب فاستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن هل تعرف أحدا يقول هذا؟! وقال الكسائي أيضا : لم تحك {هئت} عن العرب. قال عكرمة {هئت لك} أي تهيأت لك وتزينت وتحسنت، وهي قراءة غير مرضية؛ لأنها لم تسمع في العربية. قال النحاس : وهي جيدة عند البصريين؛ لأنه يقال : هاء الرجل يهاء ويهيئ هيأة فهاء يهيئ مثل جاء يجيء وهئت مثل جئت. وكسر الهاء في {هيت} لغة لقوم يؤثرون كسر الهاء على فتحها. قال الزجاج : أجود القراءات {هيت} بفتح الهاء والتاء؛ قال طرفة : ليس قومي بالأبعدين إذا ما ** قال داع من العشيرة هَيْتَ بفتح الهاء والتاء. وقال الشاعر في علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أبلغ أمير المؤمنـ ** ـين أخا العراق إذا أتيتا إن العراق وأهله ** سلم إليك فهيت هيتا قال ابن عباس والحسن {هيت} كلمة بالسريانية تدعوه إلى نفسها. وقال السدي : معناها بالقبطية هلم لك. قال أبو عبيد : كان الكسائي يقول : هي لغة لأهل حوران وقعت إلى أهل الحجاز معناه تعال؛ قال أبو عبيد : فسألت شيخا عالما من حوران فذكر أنها لغتهم؛ وبه قال عكرمة. وقال مجاهد وغيره : هي لغة عربية تدعوه بها إلى نفسها، وهي كلمة حث وإقبال على الأشياء؛ قال الجوهري : يقال هوت به وهيت به إذا صاح به ودعاه؛ قال : قد رابني أن الكري أسكتا ** لو كان معنيا بها لهيَّتَا أي صاح. وقال آخر : يحدو بها كل فتى هَيَّاتِ قوله تعالى{قال معاذ الله} أي أعوذ بالله وأستجير به مما دعوتني إليه؛ وهو مصدر، أي أعوذ بالله معاذا؛ فيحذف المفعول وينتصب بالمصدر بالفعل المحذوف، ويضاف المصدر إلى اسم الله كما يضاف المصدر إلى المفعول، كما تقول : مررت بزيد مرور عمرو أي كمروري بعمرو. }إنه ربي} يعني زوجها، أي هو سيدي أكرمني فلا أخونه؛ قاله مجاهد وابن إسحاق والسدي. وقال الزجاج : أي إن الله ربي تولاني بلطفه، فلا أرتكب ما حرمه. وفي الخبر أنها قالت له : يا يوسف! ما أحسن صورة وجهك! قال : في الرحم صورني ربي؛ قالت : يا يوسف ما أحسن شعرك! قال : هو أول شيء يبلى مني في قبري؛ قالت : يا يوسف! ما أحسن عينيك؟ قال : بهما أنظر إلى ربي. قالت : يا يوسف! ارفع بصرك فانظر في وجهي، قال : إني أخاف العمى في آخرتي. قالت يا يوسف ! أدنو منك وتتباعد مني؟! قال : أريد بذلك القرب من ربي. قالت : يا يوسف! القيطون فرشته لك فادخل معي، قال : القيطون لا يسترني من ربي. قالت : يا يوسف! فراش الحرير قد فرشته لك، قم فاقض حاجتي، قال : إذا يذهب من الجنة نصيبي؛ إلى غير ذلك من كلامها وهو يراجعها؛ إلى أن هم بها. وقد ذكر بعضهم ما زال النساء يملن إلى يوسف ميل شهوة حتى نبأه الله، فألقى عليه هيبة النبوة؛ فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه. واختلف العلماء في همه. ولا خلاف أن همها كان المعصية، وأما يوسف فهم بها }لولا أن رأى برهان ربه} ولكن لما رأى البرهان ما هم؛ وهذا لوجوب العصمة للأنبياء؛ قال الله تعالى{كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} فإذا في الكلام تقديم وتأخير؛ أي لولا أن رأى برهان ربه هم بها. قال أبو حاتم : كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله{ولقد همت به وهم بها} الآية، قال أبو عبيدة : هذا على التقديم والتأخير؛ كأنه أراد ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. وقال أحمد بن يحيى : أي همت زليخاء بالمعصية وكانت مصرة، وهم يوسف ولم يواقع ما هم به؛ فبين الهمتين فرق، ذكر هذين القولين الهروي في كتابه. قال جميل : هممت بهم من بثينة لو بدا شفيت غليلات الهوى من فؤاديا آخر : هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله فهذا كله حديث نفس من غير عزم. وقيل : هم بها تمنى زوجيتها. وقيل : هم بها أي بضربها ودفعها عن نفسه، والبرهان كفه عن الضرب؛ إذ لو ضربها لأوهم أنه قصدها بالحرام فامتنعت فضربها. وقيل : إن هم يوسف كان معصية، وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته، وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم، فيما ذكر القشيري أبو نصر، وابن الأنباري والنحاس والماوردي وغيرهم. قال ابن عباس : حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن، وعنه : استلقت، على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه. وقال سعيد بن جبير : أطلق تكة سراويله. وقال مجاهد : حل السراويل حتى بلغ الأليتين، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته. قال ابن عباس : ولما قال{ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب}يوسف : 52] قال له جبريل : ولا حين هممت بها يا يوسف؟! فقال عند ذلك{وما أبرئ نفسي}يوسف : 53]. قالوا : والانكفاف في مثل هذه الحالة دال على الإخلاص، وأعظم للثواب. قلت : وهذا كان سبب ثناء الله تعالى على ذي الكفل حسب، ما يأتي بيانه في }ص] إن شاء الله تعالى. وجواب }لولا} على هذا محذوف؛ أي لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما هم به؛ ومثله }كلا لو تعلمون علم اليقين}التكاثر : 5] وجوابه لم تتنافسوا؛ قال ابن عطية : روي هذا القول عن ابن عباس وجماعة من السلف، وقالوا : الحكمة في ذلك أن يكون مثلا للمذنبين ليروا أن توبتهم ترجع إلى، عفو الله تعالى كما رجعت ممن هو خير منهم ولم يوبقه القرب من الذنب، وهذا كله على أن هم يوسف بلغ فيما روت هذه الفرقة إلى أن جلس بين رجلي زليخاء وأخذ في حل ثيابه وتكته ونحو ذلك، وهي قد استلقت له؛ حكاه الطبري. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها، وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه، وأشد تعظيما للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم. وقال الحسن : إن الله عز وجل لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها؛ ولكنه ذكرها لكيلا تيأسوا من التوبة. قال الغزنوي : مع أن زلة الأنبياء حكما : زيادة الوجل، وشدة الحياء بالخجل، والتخلي عن عجب، العمل، والتلذذ بنعمة العفو بعد الأمل، وكونهم أئمة رجاء أهل الزلل. قال القشيري أبو نصر : وقال قوم جرى من يوسف هم، وكان ذلك الهم حركة طبع من غير تصميم للعقد على الفعل؛ وما كان من هذا القبيل لا يؤخذ به العبد، وقد يخطر بقلب المرء وهو صائم شرب الماء البارد؛ وتناول الطعام اللذيذ؛ فإذا لم يأكل ولم يشرب، ولم يصمم عزمه على الأكل والشرب لا يؤاخذ بما هجس في النفس؛ والبرهان صرفه عن هذا الهم حتى لم يصر عزما مصمما. قلت : هذا قول حسن؛ وممن قال به الحسن. قال ابن عطية : الذي أقول به في هذه الآية إن كون يوسف نبيا في وقت هذه النازلة لم يصح، ولا تظاهرت به رواية؛ وإذا كان كذلك فهو مؤمن قد أوتي حكما وعلما، ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته وأن يستصحب الخاطر الرديء على ما في ذلك من الخطيئة؛ وإن فرضناه نبيا في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو خاطر، ولا يصح عليه شيء مما ذكر من حل تكته ونحوه؛ لأن العصمة مع النبوة. وما روي من أنه قيل له : تكون في ديوان الأنبياء وتفعل فعل السفهاء. فإنما معناه العدة بالنبوة فيما بعد. قلت : ما ذكره من هذا التفصيل صحيح؛ لكن قوله تعالى{وأوحينا إليه}يوسف : 15] يدل على أنه كان نبيا على ما ذكرناه، وهو قول جماعة من العلماء؛ وإذا كان نبيا فلم يبق إلا أن يكون الهم الذي هم به ما يخطر في النفس ولا يثبت في الصدر؛ وهو الذي رفع الله فيه المؤاخذة عن الخلق، إذ لا قدرة للمكلف على دفعه؛ ويكون قوله{وما أبرئ نفسي}يوسف : 53] - إن كان من قول يوسف - أي من هذا الهم، أو يكون ذلك منه على طريق التواضع والاعتراف، لمخالفة النفس لما زكي به قبل وبرئ؛ وقد أخبر الله تعالى عن حال يوسف من حين بلوغه فقال{ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما}يوسف : 22] على ما تقدم بيانه؛ وخبر الله تعالى صدق، ووصفه صحيح، وكلامه حق؛ فقد عمل يوسف بما علمه الله من تحريم الزنى ومقدماته؛ وخيانة السيد والجار والأجنبي في أهله؛ فما تعرض لامرأة العزيز، ولا أجاب إلى المراودة، بل أدبر عنها وفر منها؛ حكمة خص بها، وعملا بمقتضى ما علمه الله. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جراي). وقال عليه السلام مخبرا عن ربه : (إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة). فإن كان ما يهم به العبد من السيئة يكتب له بتركها حسنة فلا ذنب؛ وفي الصحيح : (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به) وقد تقدم. قال ابن العربي : كان بمدينة السلام إمام من أئمة الصوفية، - وأي إمام - يعرف بابن عطاء! تكلم يوما على يوسف وأخباره حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه؛ فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة فقال : يا شيخ! يا سيدنا! فإذا يوسف هم وما تم؟ قال : نعم! لأن العناية من ثم. فانظر إلى حلاوة العالم والمتعلم، وانظر إلى فطنة العامي في سؤاله، وجواب العالم في اختصاره واستيفائه؛ ولذلك قال علماء الصوفية : إن فائدة قوله{ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما}يوسف : 22] إنما أعطاه ذلك إبان غلبة الشهوة لتكون له سببا للعصمة. قلت : وإذا تقررت عصمته وبراءته بثناء الله تعالى عليه فلا يصح ما قال مصعب بن عثمان : إن سليمان بن يسار كان من أحسن الناس وجها، فاشتاقته امرأة فسامته نفسها فامتنع عليها وذكرها، فقالت : إن لم تفعل لأشهرنك؛ فخرج وتركها، فرأى في منامه يوسف الصديق عليه السلام جالسا فقال : أنت يوسف؟ فقال : أنا يوسف الذي هممت، وأنت سليمان الذي لم تهم؟! فإن هذا يقتضي أن تكون درجة الولاية أرفع من درجة النبوة وهو محال؛ ولو قدرنا يوسف غير نبي فدرجته الولاية، فيكون محفوظا كهو؛ ولو غلقت على سليمان الأبواب، وروجع في المقال والخطاب، والكلام والجواب مع طول الصحبة لخيف عليه الفتنة، وعظيم المحنة، والله أعلم. +قوله تعالى{لولا أن رأى برهان ربه} }أن} في موضع رفع أي لولا رؤية برهان ربه والجواب محذوف. لعلم السامع؛ أي لكان ما كان. وهذا البرهان غير مذكور في القرآن؛ فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن زليخاء قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب، فقال : ما تصنعين؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني في هذه الصورة؛ فقال يوسف : أنا أولى أن أستحي من الله؛ وهذا أحسن ما قيل فيه، لأن فيه إقامة الدليل. وقيل : رأى مكتوبا في سقف البيت }ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا}الإسراء : 32]. وقال ابن عباس : بدت كف مكتوب عليها }وإن عليكم لحافظين}الانفطار : 10] وقال قوم : تذكر عهد. الله وميثاقه. وقيل : نودي يا يوسف! أنت مكتوب في ديوان الأنبياء وتعمل عمل السفهاء؟! وقيل : رأى صورة يعقوب على الجدران عاضا على أنملته يتوعده فسكن، وخرجت شهوته من أنامله؛ قال قتادة ومجاهد والحسن والضحاك. وأبو صالح وسعيد بن جبير. وروى الأعمش عن مجاهد قال : حل سراويله فتمثل له يعقوب، وقال له : يا يوسف! فولى هاربا. وروى سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال : مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله، قال مجاهد : فولد لكل واحد من أولاد يعقوب اثنا عشر ذكرا إلا يوسف لم يولد له إلا غلامان، ونقص بتلك الشهوة ولده؛ وقيل غير هذا. وبالجملة : فذلك البرهان آية من آيات الله أراها الله يوسف حتى قوي إيمانه، وامتنع عن المعصية. +قوله تعالى{كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء} الكاف من }كذلك} يجوز أن تكون رفعا، بأن يكون خبر ابتداء محذوف، التقدير. : البراهين كذلك، ويكون نعتا لمصدر محذوف؛ أي أريناه البراهين رؤية كذلك. والسوء الشهوة، والفحشاء المباشرة. وقيل : السوء الثناء القبيح، والفحشاء الزنى. وقيل : السوء خيانة صاحبه، والفحشاء ركوب الفاحشة. وقيل : السوء عقوبة الملك العزيز. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر }المخلصين} بكسر اللام؛ وتأويلها الذين أخلصوا طاعة الله. وقرأ الباقون بفتح اللام، وتأويلها : الذين أخلصهم الله لرسالته؛ وقد كان يوسف صلى الله عليه وسلم بهاتين الصفتين؛ لأنه كان مخلصا في طاعة الله تعالى، مستخلصا لرسالة الله تعالى.
ودعت امرأة العزيز -برفق ولين- يوسف الذي هو في بيتها إلى نفسها؛ لحبها الشديد له وحسن بهائه، وغلَّقت الأبواب عليها وعلى يوسف، وقالت: هلمَّ إليَّ، فقال: معاذ الله أعتصم به، وأستجير مِن الذي تدعينني إليه، من خيانة سيدي الذي أحسن منزلتي وأكرمني فلا أخونه في أهله، إنه لا يفلح مَن ظَلَم فَفَعل ما ليس له فعله.
تفسير الآيتين 23 و 24 :ـ
هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجرا، لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة، لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها، وأما محنته بإخوته، فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعا أو كارها، وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرما في بيت العزيز، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك، أن { رَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ } أي: هو غلامها، وتحت تدبيرها، والمسكن واحد، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد، ولا إحساس بشر.
{ وَ } زادت المصيبة، بأن { غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ } وصار المحل خاليا، وهما آمنان من دخول أحد عليهما، بسبب تغليق الأبواب، وقد دعته إلى نفسها { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } أي: افعل الأمر المكروه وأقبل إليَّ، ومع هذا فهو غريب، لا يحتشم مثله ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه، وهو أسير تحت يدها، وهي سيدته، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك، وهو شاب عزب، وقد توعدته، إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن، أو العذاب الأليم.
فصبر عن معصية الله، مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هما تركه لله، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف، عن هذه المعصية الكبيرة، و { قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ } أي: أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي.
فلا يليق بي أن أقابله في أهله بأقبح مقابلة، وهذا من أعظم الظلم، والظالم لا يفلح، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء، لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله واختارهم، واختصهم لنفسه، وأسدى عليهم من النعم، وصرف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه.
( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ) يعني : امرأة العزيز . والمراودة : طلب الفعل ، والمراد ها هنا أنها دعته إلى نفسها ليواقعها ( وغلقت الأبواب ) أي : أطبقتها ، وكانت سبعة ( وقالت هيت لك ) أي : هلم وأقبل .
قرأه أهل الكوفة والبصرة : ( هيت لك ) بفتح الهاء والتاء .
وقرأ أهل المدينة والشام : ( هيت ) بكسر الهاء وفتح التاء .
وقرأ ابن كثير : ( هيت ) بفتح الهاء وضم التاء .
وقرأ السلمي وقتادة : ( هئت لك ) بكسر الهاء وضم التاء مهموزا ، يعني : تهيأت لك ، وأنكره أبو عمرو والكسائي وقالا لم يحك هذا عن العرب .
والأول هو المعروف عند العرب .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم ( هيت لك ) .
قال أبو عبيدة كان الكسائي يقول : هي لغة لأهل حوران رفعت إلى الحجاز معناها [ إلي ] تعال .
وقال عكرمة : هي أيضا بالحورانية هلم .
وقال مجاهد وغيره : هي لغة عربية وهي كلمة حث وإقبال على الشيء .
قال أبو عبيدة : إن العرب لا تثني ( هيت ) ولا تجمع ولا تؤنث ، وإنها بصورة واحدة في كل حال .
( قال ) يوسف لها عند ذلك : ( معاذ الله ) أي : أعوذ بالله وأعتصم بالله مما دعوتني إليه ( إنه ربي ) يريد أن زوجك قطفير سيدي ( أحسن مثواي ) أي : أكرم منزلي . هذا قول أكثر المفسرين .
وقيل : الهاء راجعة إلى الله تعالى ، يريد : أن الله تعالى ربي أحسن مثواي ، أي : آواني ، ومن بلاء الجب عافاني .
( إنه لا يفلح الظالمون ) يعني : إن فعلت هذا فخنته في أهله بعد ما أكرم مثواي فأنا ظالم ، ولا يفلح الظالمون .
وقيل : لا يفلح الظالمون : أي لا يسعد الزناة .
(وَراوَدَتْهُ) الواو استئنافية وماض ومفعوله والتاء للتأنيث والجملة مستأنفة (الَّتِي) اسم موصول فاعل (هُوَ) مبتدأ (فِي بَيْتِها) متعلقان بالخبر المحذوف والجملة صلة لا محل لها (وَغَلَّقَتِ) الواو عاطفة وماض فاعله مستتر والتاء للتأنيث (الْأَبْوابَ) مفعول به والجملة معطوفة (هَيْتَ) اسم فعل أمر وفاعله مستتر (لَكَ) متعلقان بهيت والجملة مقول القول (قالَ) ماض وفاعله مستتر والجملة مستأنفة (مَعاذَ) مفعول مطلق لفعل محذوف (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (إِنَّهُ رَبِّي) إن واسمها وخبرها والياء مضاف إليه والجملة وما قبلها مقول القول (أَحْسَنَ مَثْوايَ) ماض وفاعله مستتر ومثواي مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم والياء مضاف إليه والجملة في محل رفع خبر ثان لإن (إِنَّهُ) إن واسمها والجملة مستأنفة (لا) نافية (يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) مضارع وفاعله المرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة خبر إنه
Traslation and Transliteration:
Warawadathu allatee huwa fee baytiha AAan nafsihi waghallaqati alabwaba waqalat hayta laka qala maAAatha Allahi innahu rabbee ahsana mathwaya innahu la yuflihu alththalimoona
And she, in whose house he was, asked of him an evil act. She bolted the doors and said: Come! He said: I seek refuge in Allah! Lo! he is my lord, who hath treated me honourably. Lo! wrong-doers never prosper.
Evinde bulunduğu kadın, ondan murat almak istedi de kapıları sımsıkı kapattı ve hadi dedi, beri gel. O, Allah'a sığınırım dedi; şüphe yok ki kocan, benim efendimdir ve şüphe yok ki zulmedenler, asla kurtulamaz, muradına eremez.
Or celle [Zulikha] qui l'avait reçu dans sa maison essaya de le séduire. Et elle ferma bien les portes et dit: «Viens, (je suis prête pour toi!)» - Il dit: «Qu'Allah me protège! C'est mon maître qui m'a accordé un bon asile. Vraiment les injustes ne réussissent pas».
Diejenige, in deren Haus er war, suchte ihn dann gegen seine Neigung zu verführen. Sie verschloß die Türen und sagte: "Du, komm doch!" Er sagte: "Nein, ALLAH schütze mich davor! Doch, mein Gebieter pflegte mit mir gütigen Umgang. Gewiß, die Unrecht-Begehenden werden niemals erfolgreich sein."