المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة هود: [الآية 5]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة هود | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)
[ خصّ صلّى اللّه عليه وسلم بعلم إحياء الأموات معنى وحس ]
خصّ صلّى اللّه عليه وسلم بعلم إحياء الأموات معنى وحسا ، فحصل العلم بالحياة المعنوية وهي حياة العلوم والحياة الحسية ، وهو ما أتى في قصة إبراهيم عليه السلام تعليما وإعلاما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، وهو قوله تعالى : «وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ» وذلك تسكين ورفق من اللّه لما يجده رسوله صلّى اللّه عليه وسلم من ردّ أمره ، فيجد لذلك عزاء في نفسه ، لما يرى من منازعة أمته إياه فيما جاء به عن اللّه ، وليري نبيه صلّى اللّه عليه وسلم ما قاست الأنبياء من أممهم فيعزي نفسه بذلك وتثبيتا لفؤاده صلّى اللّه عليه وسلم ، إن وقع منا في أمر اللّه ما وقع من هؤلاء «وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ» «وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى» لنا نحن «لِلْمُؤْمِنِينَ» لنشكر اللّه على ما أولانا من نعمه ، حيث آمنا واستسلمنا ولم نكلف نبينا أن يسأل ربه شيئا مثل ما كلّفت الأمم رسلها ، فنشكره سبحانه على هذه النعمة إذ لو شاء لألقى في قلوبنا ، ما ألقاه في قلوب الأمم قبلنا . واعلم أن جميع هذا القصص ، إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان اللّه نصبها معبرا ، فما أبلغ قوله تعالى «وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى» لما فيك وما عندك بما نسيته ، فيكون هذا الذي قصصته عليك يذكرك بما فيك وما نبهتك عليه .
[سورة هود (11) : الآيات 121 إلى 123]
وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
لما تغرّب الأمر عند المحجوبين عن موطنه بما ادعوه فيه لأنفسهم قيل لهم :[ " وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» ]
«وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» لو نظرتم من نسبتم إليه هذا الفعل منكم ، إنما هو اللّه لا أنتم ، فأضاف الحق الأفعال إليه ليحصل للعبد الطمأنينة ، بأن الدعوى لا تصح فيها مع التمييز بين ما يستحقه الحق عزّ وجل وما لا يستحقه ، فإذا بلغ العبد هذا الحدّ ردّ الأمور كلها للّه ، ولما رجع الأمر كله للّه مما وقعت فيه الدعاوى الكاذبة ، لم يدل رجوعها إلى اللّه تعالى على أمر لم يكن عليه اللّه ، بل هويته هي هي في حال الدعاوى في المشاركة وفي حال رجوع الأمر إليه ، والمقام ليس إلا للتمييز والحقيقة ، ما عصى اللّه أحد ولا أطاعه بل الأمر كله للّه ، فأفعال العبد خلق للّه والعبد محلّ لذلك الخلق ، فالأصل في العالم قبول الأمر الإلهي في التكوين ، والعصيان أمر عارض له نسبي ، فإليه يرجع الأمر كله ، يعني الذي عليه العالم بأسره ، ما صح منه وما اعتل ، فلا تنظر إلى المناصب وانظر إلى الناصب الذي يعمل بحكم الموطن لا بما يقتضيه النظر العقلي ، فمن موطن الدنيا أن يعامل فيها الجليل بالإجلال في وقت ، وفي وقت يعامل الجليل بالصغار ، وفي وقت يعامل الصغير بالصغار ، وفي وقت يعامل الصغير بالجلال بخلاف موطن الآخرة ،
فإن العظيم بها يعامل بالعظمة ، والحقير بها يعامل بالحقارة ، ولو نظر الناظر لرأى في الدنيا من يقول في اللّه ما لا يليق به تعالى ومن يقول فيه ما يليق به من التنزيه والثناء ، فالناظر إذا كان عاقلا علم بعقله أن موطن الدنيا كذا يعطي ويترك عنه الجواز العقلي الذي يمكن في كل فرد فرد من أفراد العالم ،
فإن هذا الجواز في عين الشهود ليس بعلم ولا صحيح ، وليكن العاقل مع الواقع في الحال ، فإن ذلك صورة الأمر على ما
هو عليه في نفسه ، فإنّ اللّه تعالى ذكرنا بنفسه لنعلم أن المرجع إليه ، فلا نقوم في شيء نحتاج فيه إلى الاعتذار عنه أو نستحي منه عند المرجع إليه ، فهو تعالى على صراط مستقيم ، ومنه بدأ الأمر كله ولذلك جاء بالرجوع ، لأنه لا يمكن أن يكون الرجوع إلا من خروج متقدم ، والموجودات كلها والمحدثات ما خرجت إلى الوجود إلا عن اللّه ، فلهذا ترجع أحكامها إليه ولم تزل عنده ، وإنما سميت راجعة لما طرأ للخلق من رؤية الأسباب التي هي حجب على أعين الناظرين ، فلا يزالون ينظرون ويخترقون الأسباب من سبب إلى سبب حتى يبلغوا إلى السبب الأول ، وهو الحق فهذا معنى الرجوع ، ومن جهة أخرى لما كانت الأسماء والصفات كلها للّه تعالى حتى ما يزعم العبد أنها له ،
قال تعالى :" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ " فأخذ منه جميع ما كان يزعم أنه له إلا العبادة ، فإنه لا يأخذها إذ كانت ليست بصفة له ،
فقال له تعالى :" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ» وهو أصله الذي خلق له (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فالعبادة اسم حقيقي للعبد ، فهي ذاته وموطنه وحاله وعينه ونفسه وحقيقته ووجهه ، وأتى باسمه المضمر في «فَاعْبُدْهُ» لأنه إن عبدته من حيث عرفته فنفسك عبدت ، وإن عبدته من حيث لم تعرفه فنسبته إلى المرتبة الإلهية فالمرتبة عبدت ، وإن عبدته عينا من غير مظهر ولا ظاهر ولا ظهور ، بل هو هو لا أنت ، وأنت أنت لا هو ،
فهو قوله : «فَاعْبُدْهُ» فقد عبدته ، وتلك المعرفة التي ما فوقها معرفة ، فإنها معرفة لا يشهد معروفها ، «فَاعْبُدْهُ» أي تذلّل له في كل صراط يقيمك فيه ، لا تتذلل لغيره ، فإن غيره عدم ، ومن قصد العدم لم تظفر يداه بشيء ، ولا تقل أنت المدرك ، فإن الأبصار لا تدركه ، إذ لو أدرك الغيب ، ما كان غيبا ، لذلك جاء بضمير الغائب في قوله «فَاعْبُدْهُ» فاعبد ذاتا منزهة مجهولة لا تعرف منها سوى نسبتك إليها بالافتقار ، ولهذا تمم فقال : «وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ» أي اعتمد عليه «وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» من دعواكم أن الأمر إليكم ، وهو للّه ، وقطع بهذا ظهر المدّعين بالاستقامة على العبودية والتوكل ، إذا لم يكن صفتهم ولا حالهم ، فقوله تعالى «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» يشير به للإنسان للبراءة من نفسه ، ورد الأمر كله إلى اللّه ، فالحق سبحانه غاية الطرق ، قصدت الطرق أو لم تقصد ، فما هو غاية قصد السالك ، فإن السالك مقيد القصد (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) وفيه إشارة إلى أنه ما في الوجود بحكم الحقيقة إلا طاهر ، فإن الاسم القدوس يصحب الموجودات ، وبه يثبت
قوله:" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» من تفريقكم بين اللّه وبين عباده ، ولا ينبغي أن يحال بين العبد وسيده ، ولا يدخل بين العبد والسيد إلا بخير ولهذا شرع الشفاعة وقبل العذر ، وأما النجاسة فهي أمر عرضي ، عيّنه حكم شرعي ، والطهارة أمر ذاتي ، ولما كان الوجود منه قال تعالى : «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ» بين البدء والختم وهو الرجوع «وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ» فيهما ، فهل طلب منك ما ليس لك فيه تعمل ؟
" وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " فلا بد من حقيقة هنا تعطي إضافة العمل إليك مع كونه خلقا للّه تعالى ، حيث أنتم مظاهر أسمائه الحسنى ، وبها تسعدون وتشقون ،
(وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) فأضاف العمل لك ، وجعل نفسه رقيبا عليه وشهيدا ، لا يغفل ولا ينسى ، ذلك لتقتدي أنت به فيما كلفك من الأعمال ، فلا تغفل ولا تنسى لأنك أولى بهذه الصفة لافتقارك إليه وغناه عنك ، فسلّم الأمر إليه واستسلم ، تكن موافقا لما هو الأمر عليه في نفسه ، فتستريح من تعب الدعوى بين الافتتاح والختم ، وإذا علمت هذا فارجع إليه مختارا ولا ترجع مضطرا ، فإنه لا بد من رجوعك إليه ، ولا بد أن تلقاه كارها كنت أو محبا ، فإنه يلقاك بصفتك لا يزيد عليها ، فانظر لنفسك يا ولي ،
قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ من أحب لقاء اللّه ، أحب اللّه لقاءه ، ومن كره لقاء اللّه ، كره اللّه لقاءه ]
ولما كان لقاء اللّه لا يكون إلا بالموت ، فمن علم الموت استعجله في الحياة الدنيا ، فيموت في عين حياته عن جميع تصرفاته وحركاته وإراداته فيلقى اللّه بحكم من يلقاه محبا للقائه ، فإذا جاء الموت المعلوم في العامة وانكشف غطاء هذا الجسم ، لم يتغير عليه حال ولا زاد يقينا ، فما يذوق إلا الموتة الأولى ، وهي التي ماتها في حياته ،
قال عليّ رضي اللّه عنه : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، فمن رجع إلى اللّه هذا الرجوع سعد وما أحس بالرجوع المحتوم الاضطراري ، فإنه ما جاءه إلا وهو هناك عند اللّه ، فغاية ما يكون الموت المعلوم في حقه أن نفسه التي هي عند اللّه يحال بينها وبين تدبير هذا الجسم الذي كانت تدبره ،
فتبقى مع الحق على حالها ؛ وينقلب هذا الجسد إلى أصله ، وهو التراب الذي منه نشأت ذاته ،
فكأن دارا رحل عنها ساكنها ، فأنزله الملك في مقعد صدق عنده إلى يوم يبعثون ، ويكون حاله في بعثه كذلك لا يتغير عليه حال مع كونه مع الحق لا من حيث ما يعطيه الحق مع الأنفاس ، وهكذا في الحشر العام وفي الجنان التي هي مقره ومسكنه ، وفي النشأة
التي ينزل فيها ، وهذا الرجوع ما هو رجوع التوبة فإنّه لذلك الرجوع حدّ خاص ، وهذا رجوع عام في كل الأحوال التي يكون عليها الإنسان .
- تحقيق -المسافر ترك الحق في أهله خليفة ، شفقة عليهم وحذرا وخيفة ، وما خاف عليهم إلا منه ، لأنه ما يصدر شيء إلا عنه ، إذا كان السيد راعي الغنم ، فما جار وما ظلم ، وما ينال منها إلا ما يقوته ، وقوته ما يفوته ، قوته آثار أسمائه في عباده ، وبها عمارة بلاده ، فحراثة وزراعة ، وتجارة وبضاعة ، لذلك وصف باليدين ، وأظهر في الكون النجدين ، فالواحدة بائعة والأخرى مبتاعة ، إلى قيام الساعة ، ولكل يد طريق ، هذا هو التحقيق ، فإن حكم المشتري ما هو حكم البائع ، وهذا ما لا شك فيه من غير مانع ولا منازع ، آئبون تائبون وهو التواب وإليه المآب .
- تحقيق -قال تعالى : «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» سمّي رجوعا لكونه منه خرج ، وإليه يعود وفيما بين الخروج والعود ، وضعت الموازين ، ومد الصراط ووقعت الدعاوى ، وظهرت الآفات ، وكانت الرسل وجاءت الأدواء ، فمنهم المستعمل لها ، والآخذ بها والتارك لها .
(12) سورة يوسف مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(120) الفتوحات ج 3 / 145 ، 268 ، 457 - إيجاز البيان آية 56 - كتاب الإسفار عن نتائج الأسفارتفسير ابن كثير:
قال ابن عباس : كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم ، وحال وقاعهم ، فأنزل الله هذه الآية . رواه البخاري من حديث ابن جريج ، عن محمد بن عباد بن جعفر ; أن ابن عباس قرأ : " ألا إنهم تثنوني صدورهم " ، فقلت : يا أبا عباس ، ما تثنوني صدورهم ؟ قال : الرجل كان يجامع امرأته فيستحيي - أو : يتخلى فيستحيي فنزلت : " ألا إنهم تثنوني صدورهم " .
وفي لفظ آخر له : قال ابن عباس : أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا ، فيفضوا إلى السماء ، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء ، فنزل ذلك فيهم .
ثم قال : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو قال : قرأ ابن عباس " ألا إنهم يثنوني صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم " .
قال البخاري : وقال غيره ، عن ابن عباس : ( يستغشون ) يغطون رءوسهم .
وقال ابن عباس في رواية أخرى في تفسير هذه الآية : يعني به الشك في الله ، وعمل السيئات ، وكذا روي عن مجاهد ، والحسن ، وغيرهم : أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئا أو عملوه ، يظنون أنهم يستخفون من الله بذلك ، فأعلمهم الله تعالى أنهم حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل ، ( يعلم ما يسرون ) من القول : ( وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ) أي : يعلم ما تكن صدورهم من النيات والضمائر والسرائر . وما أحسن ما قال زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة :
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفى ، فمهما يكتم الله يعلم يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر
ليوم حساب ، أو يعجل فينقم
فقد اعترف هذا الشاعر الجاهلي بوجود الصانع وعلمه بالجزئيات ، وبالمعاد وبالجزاء ، وبكتابة الأعمال في الصحف ليوم القيامة .
وقال عبد الله بن شداد : كان أحدهم إذا مر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثنى صدره ، وغطى رأسه فأنزل الله ذلك .
وعود الضمير على الله أولى; لقوله : ( ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .
وقرأ ابن عباس : " ألا إنهم تثنوني صدورهم " ، برفع الصدور على الفاعلية ، وهو قريب المعنى .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يخبر تعالى عن جهل المشركين، وشدة ضلالهم، أنهم { يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } أي: يميلونها { لِيَسْتَخْفُوا } من الله، فتقع صدورهم حاجبة لعلم الله بأحوالهم، وبصره لهيئاتهم.
قال تعالى -مبينا خطأهم في هذا الظن- { أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } أي: يتغطون بها، يعلمهم في تلك الحال، التي هي من أخفى الأشياء.
بل { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } من الأقوال والأفعال { وَمَا يُعْلِنُونَ } منها، بل ما هو أبلغ من ذلك، وهو: { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي: بما فيها من الإرادات، والوساوس، والأفكار، التي لم ينطقوا بها، سرا ولا جهرا، فكيف تخفى عليه حالكم، إذا ثنيتم صدوركم لتستخفوا منه.
ويحتمل أن المعنى في هذا أن الله يذكر إعراض المكذبين للرسول الغافلين عن دعوته، أنهم -من شدة إعراضهم- يثنون صدورهم، أي: يحدودبون حين يرون الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا يراهم ويسمعهم دعوته، ويعظهم بما ينفعهم، فهل فوق هذا الإعراض شيء؟"
ثم توعدهم بعلمه تعالى بجميع أحوالهم، وأنهم لا يخفون عليه، وسيجازيهم بصنيعهم.
تفسير البغوي
قوله تعالى : ( ألا إنهم يثنون صدورهم ) قال ابن عباس : نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر ، يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحب ، وينطوي بقلبه على ما يكره .
قوله : " يثنون صدورهم " أي : يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة .
قال عبد الله بن شداد : نزلت في بعض المنافقين كان إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره ، وطأطأ رأسه ، وغطى وجهه كي لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : كانوا يحنون صدورهم كي لا يسمعوا كتاب الله تعالى ولا ذكره .
وقيل : كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخي ستره ويحني ظهره ويتغشى بثوبه . ويقول : هل يعلم الله ما في قلبي .
وقال السدي : يثنون أي : يعرضون بقلوبهم ، من قولهم : ثنيت عناني . وقيل : يعطفون ، ومنه : ثني الثوب .
وقرأ ابن عباس : " يثنوني " على وزن " يحلولي " جعل الفعل للمصدر ، ومعناه المبالغة في الثني .
( ليستخفوا منه ) أي : من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال مجاهد : ليستخفوا من الله إن استطاعوا ، ( ألا حين يستغشون ثيابهم ) يغطون رؤوسهم بثيابهم ، ( يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ) قال الأزهري : معنى الآية من أولها إلى آخرها : إن الذين أضمروا عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخفى علينا حالهم .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحسن بن محمد بن صباح ، حدثنا حجاج قال : قال ابن جريج أخبرني محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ : ( ألا إنهم يثنون صدورهم ) فقال : سألته عنها قال : كان أناس يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء ، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء ، فنزل ذلك فيهم .
الإعراب:
(أَلا) أداة تنبيه (إِنَّهُمْ) إن واسمها والجملة مستأنفة.
(يَثْنُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة خبر (صُدُورَهُمْ) مفعول به والهاء مضاف إليه (لِيَسْتَخْفُوا) اللام لام التعليل، ومضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل وعلامة نصبه حذف النون. والواو فاعل واللام وما بعدها متعلقان بيثنون (مِنْهُ) متعلقان بيثنون (أَلا) أداة تنبيه (حِينَ) ظرف زمان متعلق بيعلم (يَسْتَغْشُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة مضاف إليه (ثِيابَهُمْ) مفعول به والهاء مضاف اليه (يَعْلَمُ) مضارع فاعله مستتر (ما يُسِرُّونَ) ما موصولية مفعول به والجملة مستأنفة (يُسِرُّونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة صلة الموصول (وَما يُعْلِنُونَ) معطوفة على ما قبلها (إِنَّهُ) إن واسمها والجملة مستأنفة (عَلِيمٌ) خبر (بِذاتِ) متعلقان بعليم (الصُّدُورِ) مضاف إليه