«فاليوم ننجيك» نخرجك من البحر «ببدنك» جسدك الذي لا روح فيه «لتكون لمن خلفك» بعدك «آية» عبرة فيعرفوا عبوديتك ولا يقدموا على مثل فعلك وعن ابن عباس أن بعض بني إسرائيل شكوا في موته فأخرج لهم ليروه «وإن كثيرا من الناس» أي أهل مكة «عن آياتنا لغافلون» لا يعتبرون بها.
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (97) فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (98)
إن الإنسان ولد على الفطرة ، وهي العلم بوجود الرب أنه ربنا ، ونحن عبيد له ، والإنسان لا يقبض حين يقبض إلا بعد كشف الغطاء ، فلا يقبض إلا مؤمنا ولا يحشر إلا مؤمنا ، غير أن اللّه تعالى لما قال : «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا» فما آمنوا إلا ليندفع عنهم ذلك البأس ، فما اندفع عنهم ، وأخذهم اللّه بذلك البأس ، وما ذكر أنه لا ينفعهم في الآخرة ، ويؤيد ذلك قوله : «فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا» حين رأوا البأس «كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» فهذا معنى قولنا : «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ» في رفع البأس عنهم في الحياة الدنيا كما نفع قوم يونس ، فما تعرض إلى الآخرة ومع هذا فإن اللّه يقيم حدوده على عباده حيث شاء ومتى شاء ، فثبت أن انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعيم ، من غير مدة معلومة لنا ، فإن اللّه ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) أن هذا القدر مدة إقامة الحدود ، ودلت هذه الآية على أن يونس عليه السلام كان محبوبا للّه ، حيث خص قومه من أجله بما لم يخص به أمة قبلها ، وعرفنا بذلك ، فعامل قوم يونس بما عاملهم به من كونه كشف عنهم العذاب بعد ما رأوه نازلا بهم ، فآمنوا ، أرضاه اللّه في أمته فنفعها إيمانها ، ولم يفعل ذلك مع أمة قبلها ، ومتعهم إلى حين فأمدّ لهم في التمتع في مقابلة ما نالوه من الألم عند رؤية العذاب ، فلما اشتد البلاء
على قوم يونس وكانت اللحظة الزمانية عندهم في وقت رؤية العذاب كالسنة أو أطول ، ذكر أنه تعالى في مقابلة هذا الطول الذي وجدوه في نفوسهم أنه متعهم إلى حين ، فبقوا في نعيم الحياة الدنيا زمنا طويلا ، لم يكن يحصل لهم ذلك لولا هذا البلاء وقد قيل إن الحين الذي جعله غاية تمتعهم أنه القيامة واللّه أعلم .
------------
(98) الفتوحات ج 3 /
383 - ج 2 /
415
وقوله : ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ) قال ابن عباس وغيره من السلف : إن بعض بني إسرائيل شكوا في موت فرعون ، فأمر الله تعالى البحر أن يلقيه بجسده بلا روح ، وعليه درعه المعروفة [ به ] على نجوة من الأرض وهو المكان المرتفع ، ليتحققوا موته وهلاكه ؛ ولهذا قال تعالى : ( فاليوم ننجيك ) أي : نرفعك على نشز من الأرض ، ( ببدنك ) قال مجاهد : بجسدك . وقال الحسن : بجسم لا روح فيه . وقال عبد الله بن شداد : سويا صحيحا ، أي : لم يتمزق ليتحققوه ويعرفوه . وقال أبو صخر : بدرعك
وكل هذه الأقوال لا منافاة بينها ، كما تقدم ، والله أعلم .
وقوله : ( لتكون لمن خلفك آية ) أي : لتكون لبني إسرائيل دليلا على موتك وهلاكك ، وأن الله هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده ، وأنه لا يقوم لغضبه شيء ؛ ولهذا قرأ بعض السلف : " لتكون لمن خلقك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون " أي : لا يتعظون بها ، ولا يعتبرون . وقد كان [ إهلاك فرعون وملئه ] يوم عاشوراء ، كما قال البخاري :
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا : هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أنتم أحق بموسى منهم ، فصوموه "
قوله تعالى: {فاليوم ننجيك ببدنك} أي نلقيك على نجوة من الأرض. وذلك أن بني إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون غرق، وقالوا : هو أعظم شأنا من ذلك، فألقاه الله على نجوة من الأرض، أي مكان مرتفع من البحر حتى شاهدوه قال أوس بن حجر يصف مطرا : فمن بعقوته كمن بنجوته ** والمستكن كمن يمشي بقرواح وقرأ اليزيدي وابن السميقع {ننحيك} بالحاء من التنحية، وحكاها علقمة عن ابن مسعود؛ أي تكون على ناحية من البحر. قال ابن جريج : فرمي به على ساحل البحر حتى رآه بنو إسرائيل، وكان قصيرا أحمر كأنه ثور. وحكى علقمة عن عبدالله أنه قرأ {بندائك} من النداء. قال أبو بكر الأنباري : وليس بمخالف لهجاء مصحفنا، إذ سبيله أن يكتب بياء وكاف بعد الدال؛ لأن الألف تسقط من ندائك في ترتيب خط المصحف كما سقط من الظلمات والسماوات، فإذا وقع بها الحذف استوى هجاء بدنك وندائك، على أن هذه القراءة مرغوب عنها لشذوذها وخلافها ما عليه عامة المسلمين؛ والقراءة سنة يأخذها آخر عن أول، وفي معناها نقص عن تأويل قراءتنا، إذ ليس فيها للدرع ذكره الذي تتابعت الآثار بأن بني إسرائيل اختلفوا في غرق فرعون، وسألوا الله تعالى، أن يريهم إياه غريقا فألقوه على نجوة من الأرض ببدنه وهو درعه التي يلبسها في الحروب. قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي : وكانت درعه من لؤلؤ منظوم. وقيل : من الذهب وكان يعرف بها. وقيل : من حديد؛ قاله أبو صخر : والبدن الدرع القصيرة. وأنشد أبو عبيدة للأعشى : وبيضاء كالنهي موضونة ** لها قونس فوق جيب البدن وأنشد أيضا لعمرو بن معد يكرب : ومضى نساؤهم بكل مفاضة ** جدلاء سابغة وبالأبدان وقال كعب بن مالك : ترى الأبدان فيها مسبغات ** على الأبطال واليلب الحصينا أراد بالأبدان الدروع واليلب الدروع اليمانية، كانت تتخذ من الجلود يخرز بعضها إلى بعض؛ وهو اسم جنس، الواحد يلبة. قال عمرو بن كلثوم : علينا البيض واليلب اليماني ** وأسياف يقمن وينحنينا وقيل {ببدنك} بجسد لا روح فيه؛ قاله مجاهد. قال الأخفش : وأما قول من قال بدرعك فليس بشيء. قال أبو بكر : لأنهم لما ضرعوا إلى الله يسألونه مشاهدة فرعون غريقا أبرزه لهم فرأوا جسدا لا روح فيه، فلما رأته بنو إسرائيل قالوا نعم! يا موسى هذا فرعون وقد غرق؛ فخرج الشك من قلوبهم وابتلع البحر فرعون كما كان. فعلى هذا {ننجيك ببدنك} احتمل معنيين : أحدهما - نلقيك على نجوة من الأرض. والثاني - نظهر جسدك الذي لا روح فيه. والقراءة الشاذة {بندائك} يرجع معناها إلى معنى قراءة الجماعة، لأن النداء يفسر تفسيرين، أحدهما - نلقيك بصياحك بكلمة التوبة، وقولك بعد أن أغلق بابها ومضى وقت قبولها: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} [
يونس : 90] على موضع رفيع. والآخر - فاليوم نعزلك عن غامض البحر بندائك لما قلت أنا ربكم الأعلى؛ فكانت تنجيته بالبدن معاقبة من رب العالمين له على ما فرط من كفره الذي منه نداؤه الذي افترى فيه وبهت، وادعى القدرة والأمر الذي يعلم أنه كاذب فيه وعاجز عنه وغير مستحق له. قال أبو بكر الأنباري : فقراءتنا تتضمن ما في القراءة الشاذة من المعاني وتزيد عليها. قوله تعالى: {لتكون لمن خلفك آية} أي لبني إسرائيل ولمن بقي من قوم فرعون ممن لم يدركه الغرق ولم ينته إليه هذا الخبر. {وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون} أي معرضون عن تأمل آياتنا والتفكر فيها. وقرئ {لمن خلفك} (بفتح اللام)؛ أي لمن بقي بعدك يخلفك في أرضك. وقرأ علي بن أبي طالب {لمن خلقك} بالقاف؛ أي تكون آية لخالقك.
فاليوم نجعلك على مرتفع من الأرض ببدنك، ينظر إليك من كذَّب بهلاكك؛ لتكون لمن بعدك من الناس عبرة يعتبرون بك. فإن كثيرًا من الناس عن حججنا وأدلتنا لَغافلون، لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون.
قال المفسرون: إن بني إسرائيل لما في قلوبهم من الرعب العظيم، من فرعون، كأنهم لم يصدقوا بإغراقه، وشكوا في ذلك، فأمر الله البحر أن يلقيه على نجوة مرتفعة ببدنه، ليكون لهم عبرة وآية.
{ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } فلذلك تمر عليهم وتتكرر فلا ينتفعون بها، لعدم إقبالهم عليها.
وأما من له عقل وقلب حاضر، فإنه يرى من آيات الله ما هو أكبر دليل على صحة ما أخبرت به الرسل.
( فاليوم ننجيك ) أي نلقيك على نجوة من الأرض ، وهي : المكان المرتفع . وقرأ يعقوب " ننجيك " بالتخفيف ، ( ببدنك ) بجسدك لا روح فيه . وقيل : ببدنك : بدرعك ، وكان له درع مشهور مرصع بالجواهر ، فرأوه في درعه فصدقوا . ( لتكون لمن خلفك آية ) عبرة وعظة ، ( وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ) .
(فَالْيَوْمَ) الفاء استئنافية واليوم ظرف زمان متعلق بننجيك (نُنَجِّيكَ) مضارع ومفعوله وفاعله مستتر والجملة مستأنفة (بِبَدَنِكَ) متعلقان بمحذوف حال والجملة مضاف إليه (لِتَكُونَ) اللام لام التعليل ومضارع ناقص واسمها محذوف (لِمَنْ) اللام حرف جر ومن اسم موصول ومتعلقان بمحذوف حال (خَلْفَكَ) ظرف مكان متعلق بصلة الموصول والكاف مضاف اليه (آيَةً) خبر تكون (وَإِنَّ كَثِيراً) الواو حالية وإن واسمها (مِنَ النَّاسِ) متعلقان بكثيرا (عَنْ آياتِنا) متعلقان بغافلون ونا مضاف اليه (لَغافِلُونَ) اللام لام المزحلقة وخبر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة حالية
Traslation and Transliteration:
Faalyawma nunajjeeka bibadanika litakoona liman khalfaka ayatan wainna katheeran mina alnnasi AAan ayatina laghafiloona
But this day We save thee in thy body that thou mayst be a portent for those after thee. Lo! most of mankind are heedless of Our portents.
O halde bugün biz de, senden sonra gelenlere ibret olasın diye yalnız cesedini kurtaracağız ve şüphe yok ki insanların çoğu, bizim delillerimizden gaflettedir.
Nous allons aujourd'hui épargner ton corps, afin que tu deviennes un signe à tes successeurs. Cependant beaucoup de gens ne prêtent aucune attention à Nos signes (d'avertissement).
An diesem Tag werden WIR deinen Körper erretten, damit du denjenigen nach dir als Aya dienst. Gewiß, viele der Menschen sind Unseren Ayat gegenüber doch achtlos!
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة يونس (Yunus - Jonah) |
ترتيبها |
10 |
عدد آياتها |
109 |
عدد كلماتها |
1841 |
عدد حروفها |
7425 |
معنى اسمها |
(يُونُسُ عليه السلام): هُوَ نَبِيُّ اللهِ يُونُسُ بْنُ مَتَّى، مِنْ قَرْيَةِ نِينَوَى فِي العِرَاقِ، لُقِّبَ بِذِي النُّونِ أَو صَاحِبِ الحُوتِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِالحَدِيثِ عَنْ قَومِ يُونُسَ عليه السلام لَمّا آمَنُوا قَبلَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِم |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ لِلسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (يُونُسَ عليه السلام) |
مقاصدها |
بَيَانُ مُهِمَّةِ الرُّسُلِ، وَمَوقِفِ أَقْوَامِهِم مِنهُمْ، وتَقرِيرُ هَلَاكِهِم |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَة فِي سَبَبِ نُزُولِها أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُود) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (يُونُسَ عليه السلام) بِآخِرِهَا:
الحَدِيثُ عَنْ ثُبُوتِ صِفَةِ الإِحْكَامِ لِلْقُرآنِ الكَرِيمِ وَصِفَةِ الحَكِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى.
فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ ١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡحَٰكِمِينَ ١٠٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (يُونُسَ عليه السلام) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (التَّوبَةِ):
خَتَمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سُورَةَ (التَّوبَةَ) بِإِعْرَاضِ الكُفَّارِ عَنِ الوَحْيِ، فَقَالَ: ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ ...١٢٩﴾، وَبَيَّنَ سَبَبَ إِعْرَاضِهِم فِي مُفْتَتَحِ سُورَةِ (يُونُسَ) عليه السلام، فَقَالَ: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ ...٢﴾. |