«ولو أن لكل نفس ظلمت» كفرت «ما في الأرض» جميعا من الأموال «لافتدت به» من العذاب يوم القيامة «وأسرُّوا الندامة» على ترك الإيمان «لما رأوا العذاب» أخفاها رؤساؤهم عن الضعفاء الذين أضلوهم مخافة التعيير «وقضي بينهم» بين الخلائق «بالقسط» بالعدل «وهم لا يظلمون» شيئا.
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (97) فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (98)
إن الإنسان ولد على الفطرة ، وهي العلم بوجود الرب أنه ربنا ، ونحن عبيد له ، والإنسان لا يقبض حين يقبض إلا بعد كشف الغطاء ، فلا يقبض إلا مؤمنا ولا يحشر إلا مؤمنا ، غير أن اللّه تعالى لما قال : «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا» فما آمنوا إلا ليندفع عنهم ذلك البأس ، فما اندفع عنهم ، وأخذهم اللّه بذلك البأس ، وما ذكر أنه لا ينفعهم في الآخرة ، ويؤيد ذلك قوله : «فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا» حين رأوا البأس «كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» فهذا معنى قولنا : «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ» في رفع البأس عنهم في الحياة الدنيا كما نفع قوم يونس ، فما تعرض إلى الآخرة ومع هذا فإن اللّه يقيم حدوده على عباده حيث شاء ومتى شاء ، فثبت أن انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعيم ، من غير مدة معلومة لنا ، فإن اللّه ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) أن هذا القدر مدة إقامة الحدود ، ودلت هذه الآية على أن يونس عليه السلام كان محبوبا للّه ، حيث خص قومه من أجله بما لم يخص به أمة قبلها ، وعرفنا بذلك ، فعامل قوم يونس بما عاملهم به من كونه كشف عنهم العذاب بعد ما رأوه نازلا بهم ، فآمنوا ، أرضاه اللّه في أمته فنفعها إيمانها ، ولم يفعل ذلك مع أمة قبلها ، ومتعهم إلى حين فأمدّ لهم في التمتع في مقابلة ما نالوه من الألم عند رؤية العذاب ، فلما اشتد البلاء
على قوم يونس وكانت اللحظة الزمانية عندهم في وقت رؤية العذاب كالسنة أو أطول ، ذكر أنه تعالى في مقابلة هذا الطول الذي وجدوه في نفوسهم أنه متعهم إلى حين ، فبقوا في نعيم الحياة الدنيا زمنا طويلا ، لم يكن يحصل لهم ذلك لولا هذا البلاء وقد قيل إن الحين الذي جعله غاية تمتعهم أنه القيامة واللّه أعلم .
------------
(98) الفتوحات ج 3 /
383 - ج 2 /
415
ثم أخبر تعالى أنه إذا قامت القيامة يود الكافر لو افتدى من عذاب الله بملء الأرض ذهبا ، ( وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط ) أي : بالحق ، ( وهم لا يظلمون ) .
قوله تعالى: {ولو أن لكل نفس ظلمت} أي أشركت وكفرت. {ما في الأرض} أي ملكا. {لافتدت به} أي من عذاب الله، يعني ولا يقبل منها؛ كما قال: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به} [
آل عمران : 91] وقد تقدم. قوله تعالى: {وأسروا الندامة} أي أخفوها؛ يعني رؤساءهم، أي أخفوا ندامتهم عن اتباعهم. {لما رأوا العذاب} وهذا قبل الإحراق بالنار، فإذا وقعوا في النار ألهتهم النار عن التصنع؛ بدليل قولهم: {ربنا غلبت علينا شقوتنا} المؤمنون : 106]. فبين أنهم لا يكتمون ما بهم. وقيل: {أسروا} أظهروا، والكلمة من الأضداد، ويدل عليه أن الآخرة ليست دار تجلد وتصبر. وقيل : وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم؛ لأن الندامة لا يمكن إظهارها. قال كثير : فأسررت الندامة يوم نادى ** بسرد جمال غاضرة المنادي وذكر المبرد فيه وجها ثالثا : أنه بدت بالندامة أسرة وجوههم، وهي تكاسير الجبهة، واحدها سرار. والندامة : الحسرة لوقوع شيء أو فوت شيء، وأصلها اللزوم؛ ومنه النديم لأنه يلازم المجالس. وفلان نادم سادم. والسدم اللهج بالشيء. وندم وتندم بالشيء أي اهتم به. قال الجوهري : السدم (بالتحريك) الندم والحزن؛ وقد سدم بالكسر أي اهتم وحزن ورجل نادم سادم، وندمان سدمان؛ وقيل : هو اتباع. وماله هم ولا سدم إلا ذلك. وقيل : الندم مقلوب الدمن، والدمن اللزوم؛ ومنه فلان مدمن الخمر. والدمن : ما اجتمع في الدار وتلبد من الأبوال والأبعار؛ سمي به للزومه. والدمنة : الحقد الملازم للصدر، والجمع دمن. وقد دمنت قلوبهم بالكسر؛ يقال : دمنت على فلان أي ضغنت. {وقضي بينهم بالقسط} أي بين الرؤساء والسفل بالعدل. {وهم لا يظلمون}.
ولو أن لكل نفس أشركت وكفرت بالله جميع ما في الأرض، وأمكنها أن تجعله فداء لها من ذلك العذاب لافتدت به، وأخفى الذين ظلموا حسرتهم حين أبصروا عذاب الله واقعا بهم جميعًا، وقضى الله عز وجل بينهم بالعدل، وهم لا يُظلَمون؛ لأن الله تعالى لا يعاقب أحدا إلا بذنبه.
{و} إذا كانت القيامة فـ {لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ} بالكفر والمعاصي جميع {مَا فِي الْأَرْضِ} من ذهب وفضة وغيرهما، لتفتدي به من عذاب الله {لَافْتَدَتْ بِهِ} ولما نفعها ذلك، وإنما النفع والضر والثواب والعقاب، على الأعمال الصالحة والسيئة.
{وَأَسَرُّوا} [أي] الذين ظلموا {النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} ندموا على ما قدموا، ولات حين مناص، {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} أي: العدل التام الذي لا ظلم ولا جور فيه بوجه من الوجوه.
( ولو أن لكل نفس ظلمت ) أي : أشركت ، ( ما في الأرض لافتدت به ) يوم القيامة ، والافتداء هاهنا : بذل ما ينجو به من العذاب . ( وأسروا الندامة ) قال أبو عبيدة : معناه : أظهروا الندامة ، لأنه ليس ذلك اليوم يوم تصبر وتصنع . وقيل : معناه أخفوا أي : أخفى الرؤساء الندامة من الضعفاء ، خوفا من ملامتهم وتعييرهم ، ( لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط ) فرغ من عذابهم ، ( وهم لا يظلمون )
(وَلَوْ) الواو استئنافية لو حرف شرط غير جازم (أَنَّ) حرف مشبه بالفعل (لِكُلِّ) متعلقان بالخبر المقدم (نَفْسٍ) مضاف إليه (ظَلَمَتْ) ماض وفاعله مستتر والتاء للتأنيث والجملة صفة لنفس (ما) موصولية اسم إن المؤخر (فِي الْأَرْضِ) متعلقان بصلة الموصول المحذوفة (لَافْتَدَتْ) اللام واقعة في جواب لو وماض فاعله مستتر والتاء للتأنيث (بِهِ) متعلقان بافتدت والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) ماض وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة (لَمَّا) الحينية ظرف زمان متعلق بأسروا والجملة مستأنفة (رَأَوُا) ماض وفاعله (الْعَذابَ) مفعول به والجملة مضاف إليه (وَقُضِيَ) الواو استئنافية وماض مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر (بَيْنَهُمْ) متعلقان بقضي والجملة مستأنفة (بِالْقِسْطِ) متعلقان بمحذوف حال (وَهُمْ) الواو حالية ومبتدأ (لا) نافية (يُظْلَمُونَ) مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو نائب فاعل والجملة خبر المبتدأ هم.
Traslation and Transliteration:
Walaw anna likulli nafsin thalamat ma fee alardi laiftadat bihi waasarroo alnnadamata lamma raawoo alAAathaba waqudiya baynahum bialqisti wahum la yuthlamoona
And if each soul that doeth wrong had all that is in the earth it would seek to ransom itself therewith; and they will feel remorse within them, when they see the doom. But it hath been judged between them fairly and they are not wronged.
Zulmeden kişi, yeryüzünde ne varsa hepsine sahip olsaydı kurtulmak için hepsini de bağışlardı. Azabı görünce nadim olurlar ve aralarında adaletle hükmedilir. Zulüm görmez onlar.
Si chaque âme injuste possédait tout ce qu'il y a sur terre, elle le donnerait pour sa rançon. Ils dissimuleront leur regret quand ils verront le châtiment. Et il sera décidé entre eux en toute équité, et ils ne seront point lésés.
Und würde jede Seele, die Unrecht beging, über alles auf der Erde verfügen, würde sie sich damit (von der Peinigung) freikaufen! Und sie verheimlichten die Reue, als sie die Peinigung sahen. Und unter ihnen wurde gerecht gerichtet. Und keinerlei Unrecht wird ihnen angetan.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة يونس (Yunus - Jonah) |
ترتيبها |
10 |
عدد آياتها |
109 |
عدد كلماتها |
1841 |
عدد حروفها |
7425 |
معنى اسمها |
(يُونُسُ عليه السلام): هُوَ نَبِيُّ اللهِ يُونُسُ بْنُ مَتَّى، مِنْ قَرْيَةِ نِينَوَى فِي العِرَاقِ، لُقِّبَ بِذِي النُّونِ أَو صَاحِبِ الحُوتِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِالحَدِيثِ عَنْ قَومِ يُونُسَ عليه السلام لَمّا آمَنُوا قَبلَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِم |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ لِلسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (يُونُسَ عليه السلام) |
مقاصدها |
بَيَانُ مُهِمَّةِ الرُّسُلِ، وَمَوقِفِ أَقْوَامِهِم مِنهُمْ، وتَقرِيرُ هَلَاكِهِم |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَة فِي سَبَبِ نُزُولِها أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُود) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (يُونُسَ عليه السلام) بِآخِرِهَا:
الحَدِيثُ عَنْ ثُبُوتِ صِفَةِ الإِحْكَامِ لِلْقُرآنِ الكَرِيمِ وَصِفَةِ الحَكِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى.
فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ ١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡحَٰكِمِينَ ١٠٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (يُونُسَ عليه السلام) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (التَّوبَةِ):
خَتَمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سُورَةَ (التَّوبَةَ) بِإِعْرَاضِ الكُفَّارِ عَنِ الوَحْيِ، فَقَالَ: ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ ...١٢٩﴾، وَبَيَّنَ سَبَبَ إِعْرَاضِهِم فِي مُفْتَتَحِ سُورَةِ (يُونُسَ) عليه السلام، فَقَالَ: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ ...٢﴾. |