المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة يونس: [الآية 18]
سورة يونس | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (97) فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (98)
إن الإنسان ولد على الفطرة ، وهي العلم بوجود الرب أنه ربنا ، ونحن عبيد له ، والإنسان لا يقبض حين يقبض إلا بعد كشف الغطاء ، فلا يقبض إلا مؤمنا ولا يحشر إلا مؤمنا ، غير أن اللّه تعالى لما قال : «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا» فما آمنوا إلا ليندفع عنهم ذلك البأس ، فما اندفع عنهم ، وأخذهم اللّه بذلك البأس ، وما ذكر أنه لا ينفعهم في الآخرة ، ويؤيد ذلك قوله : «فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا» حين رأوا البأس «كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» فهذا معنى قولنا : «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ» في رفع البأس عنهم في الحياة الدنيا كما نفع قوم يونس ، فما تعرض إلى الآخرة ومع هذا فإن اللّه يقيم حدوده على عباده حيث شاء ومتى شاء ، فثبت أن انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعيم ، من غير مدة معلومة لنا ، فإن اللّه ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) أن هذا القدر مدة إقامة الحدود ، ودلت هذه الآية على أن يونس عليه السلام كان محبوبا للّه ، حيث خص قومه من أجله بما لم يخص به أمة قبلها ، وعرفنا بذلك ، فعامل قوم يونس بما عاملهم به من كونه كشف عنهم العذاب بعد ما رأوه نازلا بهم ، فآمنوا ، أرضاه اللّه في أمته فنفعها إيمانها ، ولم يفعل ذلك مع أمة قبلها ، ومتعهم إلى حين فأمدّ لهم في التمتع في مقابلة ما نالوه من الألم عند رؤية العذاب ، فلما اشتد البلاء
على قوم يونس وكانت اللحظة الزمانية عندهم في وقت رؤية العذاب كالسنة أو أطول ، ذكر أنه تعالى في مقابلة هذا الطول الذي وجدوه في نفوسهم أنه متعهم إلى حين ، فبقوا في نعيم الحياة الدنيا زمنا طويلا ، لم يكن يحصل لهم ذلك لولا هذا البلاء وقد قيل إن الحين الذي جعله غاية تمتعهم أنه القيامة واللّه أعلم .
------------
(98) الفتوحات ج 3 / 383 - ج 2 / 415تفسير ابن كثير:
ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره ، ظانين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتها عند الله ، فأخبر تعالى أنها لا تنفع ولا تضر ولا تملك شيئا ، ولا يقع شيء مما يزعمون فيها ، ولا يكون هذا أبدا ؛ ولهذا قال تعالى : ( قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض ) .
وقال ابن جرير : معناه أتخبرون الله بما لا يكون في السماوات ولا في الأرض ؟ ثم نزه نفسه عن شركهم وكفرهم ، فقال : ( سبحانه وتعالى عما يشركون ) .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يقول تعالى: {وَيَعْبُدُونَ} أي: المشركون المكذبون لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
{مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} أي: لا تملك لهم مثقال ذرة من النفع ولا تدفع عنهم شيئا.
{وَيَقُولُونَ} قولا خاليا من البرهان: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} أي: يعبدونهم ليقربوهم إلى الله، ويشفعوا لهم عنده، وهذا قول من تلقاء أنفسهم، وكلام ابتكروه هم، ولهذا قال تعالى ـ مبطلا لهذا القول ـ : {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ} أي: الله تعالى هو العالم، الذي أحاط علما بجميع ما في السماوات والأرض، وقد أخبركم بأنه ليس له شريك ولا إله معه، أفأنتم ـ يا معشر المشركين ـ تزعمون أنه يوجد له فيها شركاء؟ أفتخبرونه بأمر خفي عليه، وعلمتوه؟ أأنتم أعلم أم الله؟ فهل يوجد قول أبطل من هذا القول، المتضمن أن هؤلاء الضلال الجهال السفهاء أعلم من رب العالمين؟ فليكتف العاقل بمجرد تصور هذا القول، فإنه يجزم بفساده وبطلانه: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي: تقدس وتنزه أن يكون له شريك أو نظير، بل هو الله الأحد الفرد الصمد الذي لا إله في السماوات والأرض إلا هو، وكل معبود في العالم العلوي والسفلي سواه، فإنه باطل عقلا وشرعا وفطرة.
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
تفسير البغوي
( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ) إن عصوه وتركوا عبادته ، ( ولا ينفعهم ) إن عبدوه ، يعني : الأصنام ، ( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله ) أتخبرون الله ، ( بما لا يعلم ) الله صحته . ومعنى الآية : أتخبرون الله أن له شريكا ، أو عنده شفيعا بغير إذنه ، ولا يعلم الله لنفسه شريكا؟! ( في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون ) قرأ حمزة والكسائي " تشركون " بالتاء ، هاهنا وفي سورة النحل موضعين ، وفي سورة الروم ، وقرأ الآخرون كلها بالياء .
الإعراب:
(وَيَعْبُدُونَ) الواو استئنافية ومضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة مستأنفة (مِنْ دُونِ) متعلقان بيعبدون (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (ما) اسم موصول مفعول به (لا) نافية (يَضُرُّهُمْ) مضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة صلة (وَلا يَنْفَعُهُمْ) معطوفة على ما قبلها وإعرابها مثله (وَيَقُولُونَ) الواو عاطفة ومضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة معطوفة (هؤُلاءِ) الها للتنبيه واسم الإشارة مبتدأ (شُفَعاؤُنا) خبر ونا مضاف إليه والجملة مقول القول (عِنْدَ) ظرف مكان متعلق بشفعاء (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (قُلْ) أمر فاعله مستتر والجملة مستأنفة (أَتُنَبِّئُونَ) الهمزة للاستفهام ومضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة مقول القول (اللَّهِ) لفظ الجلالة مفعول به (بِما) ما موصولية مجرورة بالباء ومتعلقان بتنبئون (لا) نافية (يَعْلَمُ) مضارع فاعله مستتر والجملة صلة (فِي السَّماواتِ) متعلقان بحال محذوفة (وَلا) الواو عاطفة ولا زائدة (فِي الْأَرْضِ) معطوفة على السموات (سُبْحانَهُ) مفعول مطلق لفعل محذوف والهاء مضاف إليه والجملة مستأنفة (وَتَعالى) الواو عاطفة وماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر وفاعله مستتر والجملة معطوفة (عَمَّا) ما موصولية ومجرورة بعن ومتعلقان بتعالى (يُشْرِكُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والجملة صلة