المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة التوبة: [الآية 47]
سورة التوبة | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
«فَإِنْ تَوَلَّوْا» عما دعوتموهم إليه «فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ» أي في اللّه الكفاية يكفيني أمرهم
[ توحيد الاستكفاء ]
«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» وهذا هو التوحيد الحادي عشر ، وهو توحيد الاستكفاء ، وهو من توحيد الهوية لما قال تعالى : «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» فأحالنا علينا بأمره فبادرنا لامتثال أمره ، فمنا من قال التعاون على البر والتقوى أن يرد كل واحد صاحبه إلى ربه في ذلك ، ويستكفي به فيما كلفه ،
وهو قوله : (واستعينوا بالله) خطاب تحقيق «عليه توكلت» التوكل اعتماد القلب على اللّه تعالى مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم ، التي من شأن النفوس أن تركن إليها ، فإن اضطرب فليس بمتوكل ، وهو من صفات المؤمنين «وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»
فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم الأجسام وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام فاستكف باللّه ، الذي هو رب مثل هذا العرش ، ومن كان اللّه حسبه انقلب بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسه سوء ، وجاء في ذلك بما يرضي اللّه ، واللّه ذو فضل عظيم على من جعله حسبه .
(10) سورة يونس مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(129) الفتوحات ج 2 / 409 ، 199 ، 409تفسير ابن كثير:
ثم بين [ الله تعالى ] وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين فقال : ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ) أي : لأنهم جبناء مخذولون ، ( ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة ) أي : ولأسرعوا السير والمشي بينكم بالنميمة والبغضاء والفتنة ، ( وفيكم سماعون لهم ) أي : مطيعون لهم ومستحسنون لحديثهم وكلامهم ، يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم ، فيؤدي هذا إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير .
وقال مجاهد ، وزيد بن أسلم ، وابن جرير : ( وفيكم سماعون لهم ) أي : عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم .
وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم ، بل هذا عام في جميع الأحوال ، والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق ، وإليه ذهب قتادة وغيره من المفسرين .
وقال محمد بن إسحاق : كان - فيما بلغني - من استأذن من ذوي الشرف منهم : عبد الله بن أبي ابن سلول ، والجد بن قيس ، وكانوا أشرافا في قومهم ، فثبطهم الله - لعلمه بهم - أن يخرجوا معه فيفسدوا عليه جنده ، وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه ، لشرفهم فيهم ، فقال : ( وفيكم سماعون لهم ) .
ثم أخبر تعالى عن تمام علمه فقال : ( والله عليم بالظالمين ) فأخبر بأنه [ يعلم ] ما كان ، وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ؛ ولهذا قال تعالى : ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ) فأخبر عن حالهم كيف يكون لو خرجوا ومع هذا ما خرجوا ، كما قال تعالى : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) [ الأنعام : 28 ] وقال تعالى : ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) [ الأنفال : 23 ] وقال تعالى : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما ) [ النساء : 66 - 68 ] والآيات في هذا كثيرة .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
ثم ذكر الحكمة في ذلك فقال {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} أي: نقصا.
{وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ} أي: ولسعوا في الفتنة والشر بينكم، وفرقوا جماعتكم المجتمعين، {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} أي: هم حريصون على فتنتكم وإلقاء العداوة بينكم.
{وَفِيكُمْ} أناس ضعفاء العقول {سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي: مستجيبون لدعوتهم يغترون بهم، فإذا كانوا هم حريصين على خذلانكم، وإلقاء الشر بينكم، وتثبيطكم عن أعدائكم، وفيكم من يقبل منهم ويستنصحهم. فما ظنك بالشر الحاصل من خروجهم مع المؤمنين، والنقص الكثير منهم، فللّه أتم الحكمة حيث ثبطهم ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين رحمة بهم، ولطفا من أن يداخلهم ما لا ينفعهم، بل يضرهم.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} فيعلم عباده كيف يحذرونهم، ويبين لهم من المفاسد الناشئة من مخالطتهم.
تفسير البغوي
( لو خرجوا فيكم ) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالجهاد لغزوة تبوك ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره على ثنية الوداع ، وضرب عبد الله بن أبي على [ ذي جدة ] أسفل من ثنية الوداع ، ولم يكن بأقل العسكرين ، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب ، فأنزل الله تعالى يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ( لو خرجوا ) يعني المنافقين ( فيكم ) أي معكم ، ( ما زادوكم إلا خبالا ) أي : فسادا وشرا . ومعنى الفساد : إيقاع الجبن والفشل بين المؤمنين بتهويل الأمر ، ( ولأوضعوا ) أسرعوا ، ( خلالكم ) وسطكم بإيقاع العداوة والبغضاء بينكم بالنميمة ونقل الحديث من البعض إلى البعض . وقيل : ( ولأوضعوا خلالكم ) أي : أسرعوا فيما يخل بكم . ( يبغونكم الفتنة ) أي : يطلبون لكم ما تفتنون به ، يقولون : لقد جمع لكم كذا وكذا ، وإنكم مهزومون وسيظهر عليكم عدوكم ونحو ذلك . وقال الكلبي : يبغونكم الفتنة يعني : العيب والشر . وقال الضحاك : الفتنة الشرك ، ويقال : بغيته الشر والخير أبغيه بغاء إذا التمسته له ، يعني : بغيت له .
( وفيكم سماعون لهم ) قال مجاهد : معناه وفيكم محبون لهم يؤدون إليهم ما يسمعون منكم ، وهم الجواسيس . وقال قتادة : معناه وفيكم مطيعون لهم ، أي : يسمعون كلامهم ويطيعونهم . ( والله عليم بالظالمين ) .
الإعراب:
(لَوْ) حرف شرط غير جازم.
(خَرَجُوا) فعل ماض وفاعل.
(فِيكُمْ) متعلقان بالفعل وجملة الشرط ابتدائية.
(ما زادُوكُمْ) فعل ماض، والواو فاعله والكاف مفعوله الأول. وما نافية لا عمل لها، والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم.
(إِلَّا) أداة حصر.
(خَبالًا) مفعول به ثان.
(وَلَأَوْضَعُوا) مثل خرجوا.
(خِلالَكُمْ) ظرف مكان متعلق بالفعل والكاف في محل جر بالإضافة. والميم لجمع الذكور، والجملة معطوفة.
(يَبْغُونَكُمُ) مضارع وفاعله. والكاف مفعول به أول.
(الْفِتْنَةَ) مفعول به ثان والجملة في محل نصب حال.
(وَفِيكُمْ) متعلقان بمحذوف خبر.
(سَمَّاعُونَ) مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الواو، والجملة الاسمية في محل نصب حال.
(لَهُمْ) متعلقان بسماعون (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) تقدم إعرابها..