الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأعراف: [الآية 199]

سورة الأعراف
خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَٰهِلِينَ ﴿199﴾

تفسير الجلالين:

«خذ العفو» اليسر من أخلاق الناس ولا تبحث عنها «وأمر بالعرف» بالمعروف «وأعرض عن الجاهلين» فلا تقابلهم بسفههم.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)

«إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ» وهم الملائكة المقربون «لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ» يقول : يذلون ويخضعون له «وَيُسَبِّحُونَهُ» أي ينزهونه عن الصفات التي لا تليق به وهي التي تقربوا بها إليه من الذل والخضوع وصدقهم اللّه في هذه الآية في قولهم : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فأخبر اللّه عنهم بما أخبروه عن نفوسهم «وَلَهُ يَسْجُدُونَ» وصفهم بالسجود له عزّ وجل مع هذه الأحوال المذكورة ، وهنا يسجد التالي للقرآن في هذه السجدة اقتداء بسجود الملأ الأعلى وبهديهم ، قال اللّه تعالى لما ذكر النبيين عليهم السلام لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وذكر أنه تعالى آتاهم الكتاب والحكمة والنبوة قال له : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وهم بشر مثله ، فما ظنك بالملائكة الذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وأي هدي

أعظم مما هدى اللّه تعالى به الملائكة ، فمن سجد فيها ولم يحصل له نفحة مما حصل للملائكة في سجودها من حيث ملكيته الخاصة به فما سجدها ، وهكذا في كل سجدة ترد .

(8) سورة الأنفال مدنيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(206) الفتوحات ج 1 / 509

تفسير ابن كثير:

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( خذ العفو ) يعني : خذ ما عفا لك من أموالهم ، وما أتوك به من شيء فخذه . وكان هذا قبل أن تنزل " براءة " بفرائض الصدقات وتفصيلها ، وما انتهت إليه الصدقات . قاله السدي .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( خذ العفو ) أنفق الفضل . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : قال : الفضل .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( خذ العفو ) أمره الله بالعفو والصفح عن المشركين عشر سنين ، ثم أمره بالغلظة عليهم . واختار هذا القول ابن جرير .

وقال غير واحد ، عن مجاهد في قوله تعالى : ( خذ العفو ) قال : من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تحسس

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه : أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس . وفي رواية قال : خذ ما عفا لك من أخلاقهم .

وفي صحيح البخاري ، عن هشام ، عن أبيه عروة ، عن أخيه عبد الله بن الزبير قال : إنما أنزل ) خذ العفو ) من أخلاق الناس وفي رواية لغيره : عن هشام ، عن أبيه ، عن ابن عمر . وفي رواية : عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة أنهما قالا مثل ذلك والله أعلم .

وفي رواية سعيد بن منصور ، عن أبي معاوية ، عن هشام ، عن وهب بن كيسان ، عن ابن الزبير : ( خذ العفو ) قال : من أخلاق الناس ، والله لآخذنه منهم ما صحبتهم . وهذا أشهر الأقوال ، ويشهد له ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم جميعا : حدثنا يونس حدثنا سفيان - هو ابن عيينة - عن أمي قال : لما أنزل الله ، عز وجل ، على نبيه صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما هذا يا جبريل ؟ " قال : إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك .

وقد رواه ابن أبي حاتم أيضا ، عن أبي يزيد القراطيسي كتابة ، عن أصبغ بن الفرج ، عن سفيان ، عن أمي عن الشعبي . نحوه ، وهذا - على كل حال - مرسل ، وقد روي له شاهد من وجوه أخر ، وقد روي مرفوعا عن جابر وقيس بن سعد بن عبادة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أسندهما ابن مردويه

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا معاذ بن رفاعة ، حدثني علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن عقبة بن عامر ، رضي الله عنه ، قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته ، فأخذت بيده ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني بفواضل الأعمال . فقال : " يا عقبة ، صل من قطعك ، وأعط من حرمك ، وأعرض عمن ظلمك " .

وروى الترمذي نحوه ، من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد ، به . وقال حسن

قلت : ولكن " علي بن يزيد " وشيخه " القاسم أبو عبد الرحمن " ، فيهما ضعف .

وقال البخاري قوله : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) " العرف " : المعروف . حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن ابن عباس قال : قدم عيينة بن حصن بن حذيفة ، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس - وكان من النفر الذين يدنيهم عمر - وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته - كهولا كانوا أو شبابا - فقال عيينة لابن أخيه : يابن أخي ، لك وجه عند هذا الأمير ، فاستأذن لي عليه . قال : سأستأذن لك عليه . قال ابن عباس : فاستأذن الحر لعيينة ، فأذن له عمر [ رضي الله عنه ] فلما دخل عليه قال : هي يا ابن الخطاب ، فوالله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل . فغضب عمر حتى هم أن يوقع به ، فقال له الحر : يا أمير المؤمنين ، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقافا عند كتاب الله ، عز وجل . انفرد بإخراجه البخاري

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني مالك بن أنس ، عن عبد الله بن نافع ; أن سالم بن عبد الله بن عمر مر على عير لأهل الشام وفيها جرس ، فقال : إن هذا منهي عنه ، فقالوا : نحن أعلم بهذا منك ، إنما يكره الجلجل الكبير ، فأما مثل هذا فلا بأس به . فسكت سالم وقال : ( وأعرض عن الجاهلين )

وقول البخاري : " العرف : المعروف " نص عليه عروة بن الزبير ، والسدي ، وقتادة ، وابن جرير ، وغير واحد . وحكى ابن جرير أنه يقال : أوليته عرفا ، وعارفا ، وعارفة ، كل ذلك بمعنى : " المعروف " . قال : وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباده بالمعروف ، ويدخل في ذلك جميع الطاعات ، وبالإعراض عن الجاهلين ، وذلك وإن كان أمرا لنبيه صلى الله عليه وسلم فإنه تأديب لخلقه باحتمال من ظلمهم واعتدى عليهم ، لا بالإعراض عمن جهل الحق الواجب من حق الله ، ولا بالصفح عمن كفر بالله وجهل وحدانيته ، وهو للمسلمين حرب .

وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة في قوله : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) قال : هذه أخلاق أمر الله [ عز وجل ] بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، ودله عليها .

وقد أخذ بعض الحكماء هذا المعنى ، فسبكه في بيتين فيهما جناس فقال :

خذ العفو وأمر بعرف كما أمرت وأعرض عن الجاهلين

ولن في الكلام لكل الأنام فمستحسن من ذوي الجاه لين

وقال بعض العلماء : الناس رجلان : فرجل محسن ، فخذ ما عفا لك من إحسانه ، ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه . وإما مسيء ، فمره بالمعروف ، فإن تمادى على ضلاله ، واستعصى عليك ، واستمر في جهله ، فأعرض عنه ، فلعل ذلك أن يرد كيده ، كما قال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ]

وقال تعالى : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها ) أي هذه الوصية ( إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ]


تفسير الطبري :

فيه ثلاث مسائل: الأولى: هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات. فقوله: {خذ العفو} دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين. ودخل في قوله: {وأمر بالعرف} صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار. وفي قوله: {وأعرض عن الجاهلين} الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة. قلت : هذه الخصال تحتاج إلى بسط، وقد جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر بن سليم. قال جابر بن سليم أبو جري : ركبت قعودي ثم أتيت إلى مكة فطلبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنخت قعودي بباب المسجد، فدلوني على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو جالس عليه برد من صوف فيه طرائق حمر؛ فقلت : السلام عليك يا رسول الله. فقال {وعليك السلام}. فقلت : إنا معشر أهل البادية، قوم فينا الجفاء؛ فعلمني كلمات ينفعني الله بها. قال {ادن} ثلاثا، فدنوت فقال {أعد علي} فأعدت عليه فقال : (اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا وأن تلقى أخاك بوجه منبسط وأن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي وإن امرؤ سبك بما لا يعلم منك فلا تسبه بما تعلم فيه فإن الله جاعل لك أجرا وعليه وزرا ولا تسبن شيئا مما خولك الله تعالى). قال أبو جري : فوالذي نفسي بيده، ما سببت بعده شاة ولا بعيرا. أخرجه أبو بكر البزار في مسنده بمعناه. وروى أبو سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق}. وقال ابن الزبير : ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس. وروى البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبدالله بن الزبير في قوله {خذ العفو وأمر بالعرف} قال : ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس. وروى سفيان بن عيينة عن الشعبي أنه قال : إن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم {ما هذا يا جبريل}؟ فقال {لا أدري حتى أسأل العالم} في رواية {لا أدري حتى أسأل ربي} فذهب فمكث ساعة ثم رجع فقال {إن الله تعالى يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك}. فنظمه بعض الشعراء فقال : مكـــارم الأخلاق في ثلاثة ** ممن كملت فيه فذلك الفتى إعطاء من تحرمه ووصل من ** تقطعه والعفو عمن اعتدى وقال جعفر الصادق : أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق في هذه الآية، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية. وقال صلى الله عليه وسلم : (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وقال الشاعر : كل الأمور تزول عنك وتنقضي ** إلا الــــثناء فإنه لك باقي ولو أنني خــيرت كل فضيلة ** ما اخترت غير مكارم الأخلاق وقال سهل بن عبدالله : كلم الله موسى بطور سيناء. قيل له : بأي شيء أوصاك ؟ قال : بتسعة أشياء، الخشية في السر والعلانية، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغني، وأمرني أن أصل من قطعني، وأعطي من حرمني، وأعفو عمن ظلمني، وأن يكون نطقي ذكرا، وصمتي فكرا، ونظري عبرة. قلت : وقد روي عن نبينا محمد أنه قال، (أمرني ربي بتسع الإخلاص في السر والعلانية والعدل في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر وأن أعفو عمن ظلمني وأصل من قطعني وأعطي من حرمني وأن يكون نطقي ذكرا وصمتي فكرا ونظري عبرة). وقيل : المراد بقوله {خذ العفو} أي الزكاة؛ لأنها يسير من كثير. وفيه بعد؛ لأنه من عفا إذا درس. وقد يقال : خذ العفو منه، أي لا تنقص عليه وسامحه. وسبب النزول يرده، والله أعلم. فإنه لما أمره بمحاجة المشركين دله على مكارم الأخلاق، فإنها سبب جر المشركين إلى الإيمان. أي اقبل من الناس ما عفا لك من أخلاقهم وتيسر؛ تقول : أخذت حقي عفوا صفوا، أي سهلا. الثانية: قوله تعالى: {وأمر بالعرف} أي بالمعروف. وقرأ عيسى بن عمر {العرف} بضمتين؛ مثل الحلم؛ وهما لغتان. والعرف والمعروف والعارفة : كل خصلة حسنة ترتضيها العقول، وتطمئن إليها النفوس. قال الشاعر : من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ** لا يذهب العرف بين الله والناس وقال عطاء {وأمر بالعرف} يعني بلا إله إلا الله. الثالثة: قوله تعالى: {وأعرض عن الجاهلين} أي إذا أقمت عليهم الحجة وأمرتهم بالمعروف فجهلوا عليك فأعرض عنهم؛ صيانة له عليهم ورفعا لقدره عن مجاوبتهم. وهذا وإن كان خطابا لنبيه عليه السلام فهو تأديب لجميع خلقه. وقال ابن زيد وعطاء : هي منسوخة بآية السيف. وقال مجاهد وقتادة : هي محكمة؛ وهو الصحيح لما رواه البخاري عن عبدالله بن عباس قال : قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس بن حصن، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولا كانوا أو شبانا. فقال عيينة لابن أخيه : يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير، فتستأذن لي عليه. قال : سأستأذن لك عليه؛ فاستأذن لعيينة. فلما دخل قال : يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل ! قال : فغضب عمر حتى هم بأن يقع به. فقال الحر؛ يا أمير المؤمنين، إن الله قال لنبيه عليه السلام {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وإن هذا من الجاهلين. فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل. قلت : فاستعمال عمر رضي الله عنه لهذه الآية واستدلال الحر بها يدل على أنها محكمة لا. منسوخة. وكذلك استعملها الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما؛ على ما يأتي بيانه. وإذا كان الجفاء على السلطان تعمدا واستخفافا بحقه فله تعزيره. وإذا كان غير ذلك فالإعراض والصفح والعفو؛ كما فعل الخليفة العدل.

التفسير الميسّر:

اقْبَلْ -أيها النبي أنت وأمتك- الفضل من أخلاق الناس وأعمالهم، ولا تطلب منهم ما يشق عليهم حتى لا ينفروا، وأْمر بكل قول حسن وفِعْلٍ جميل، وأعرض عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة الأغبياء.

تفسير السعدي

هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس، أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله به، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم، ولا يتكبر على الصغير لصغره، ولا ناقص العقل لنقصه، ولا الفقير لفقره، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم. وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أي: بكل قول حسن وفعل جميل، وخلق كامل للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك، إما تعليم علم، أو حث على خير، من صلة رحم، أو بِرِّ والدين، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية، ولما كان لا بد من أذية الجاهل، أمر اللّه تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله، فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه، ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك فَصِلْهُ، ومن ظلمك فاعدل فيه.


تفسير البغوي

قوله تعالى : ( خذ العفو ) قال عبد الله بن الزبير : أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يأخذ العفو من أخلاق الناس . وقال مجاهد : خذ العفو يعني العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس ، وذلك مثل قبول الاعتذار والعفو والمساهلة وترك البحث عن الأشياء ونحو ذلك .

وروي أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبريل : " ما هذا؟ قال لا أدري حتى أسأله ، ثم رجع فقال : إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك " .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما والسدي والضحاك والكلبي : يعني خذ ما عفا لك من الأموال وهو الفضل عن العيال ، وذلك معنى قوله : " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ( البقرة - 219 ) ، ثم نسخت هذه بالصدقات المفروضات . قوله تعالى : ( وأمر بالعرف ) أي : بالمعروف ، وهو كل ما يعرفه الشرع . وقال عطاء : وأمر بالعرف يعني بلا إله إلا الله . ( وأعرض عن الجاهلين ) أبي جهل وأصحابه ، نسختها آية السيف . وقيل : إذا تسفه عليك الجاهل فلا تقابله بالسفه ، وذلك مثل قوله : " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " ( الفرقان - 63 ) ، وذلك سلام المتاركة . قال جعفر الصادق : أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمكارم الأخلاق ، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية .

أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجرجاني ثنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، ثنا الهيثم بن كليب ، ثنا أبو عيسى الترمذي ، ثنا محمد بن بشار ، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الله الجدلي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح " .

ثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي ثنا أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الواعظ ثنا عماد بن محمد البغدادي ثنا أحمد بن محمد عن سعيد الحافظ ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عمر بن إبراهيم يعني الكوفي ثنا يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق وإتمام محاسن الأفعال " .


الإعراب:

(خُذِ الْعَفْوَ) فعل أمر ومفعوله والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت.

(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) فعل أمر تعلق به الجار والمجرور بالعفو فاعله مستتر، والجملة معطوفة ومثلها (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).

---

Traslation and Transliteration:

Khuthi alAAafwa wamur bialAAurfi waaAArid AAani aljahileena

بيانات السورة

اسم السورة سورة الأعراف (Al-A'raf - The Heights)
ترتيبها 7
عدد آياتها 206
عدد كلماتها 3344
عدد حروفها 14071
معنى اسمها (الأَعْرَافُ) جَمْعُ (عُرْفٍ)، وَهُوَ كُلُّ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ، وَالمُرَادُ بِـ(الأَعْرَافِ): السُّورُ الَّذِي بَينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، يُحْبَسُ فِيهِ مَن تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُم وسَيِّئَاتُهُم
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الأَعْرَافِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الْمِيقَاتِ)، وَسُورَةَ (الْمِيثَاقِ)
مقاصدها بَيَانُ السُّنَنِ الإِلَهِيَّةِ فِي التَّدَافُعِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الأَعْرَافِ) بِآخِرِهَا: الإِشَارَةُ إلَى أنَّ القُرْآنَ ذِكْرَى وَرَحْمَةٌ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ٢﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ٢٠٤﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْأَعْرَافِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْأَنْعَامِ): قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي خِتَامِ (الْأَنْعَامِ): ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ ...١٦٥﴾، وَقَالَ فِي أَوَّلِ (الْأَعْرَافِ): ﴿وَلَقَدۡ مَكَّنَّٰكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ ...١٠﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!