«ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله» من الطعام «قالوا إن الله حرَّمهما» منعهما «على الكافرين».
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
«إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ» وهم الملائكة المقربون «لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ» يقول : يذلون ويخضعون له «وَيُسَبِّحُونَهُ» أي ينزهونه عن الصفات التي لا تليق به وهي التي تقربوا بها إليه من الذل والخضوع وصدقهم اللّه في هذه الآية في قولهم : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فأخبر اللّه عنهم بما أخبروه عن نفوسهم «وَلَهُ يَسْجُدُونَ» وصفهم بالسجود له عزّ وجل مع هذه الأحوال المذكورة ، وهنا يسجد التالي للقرآن في هذه السجدة اقتداء بسجود الملأ الأعلى وبهديهم ، قال اللّه تعالى لما ذكر النبيين عليهم السلام لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وذكر أنه تعالى آتاهم الكتاب والحكمة والنبوة قال له : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وهم بشر مثله ، فما ظنك بالملائكة الذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وأي هدي
أعظم مما هدى اللّه تعالى به الملائكة ، فمن سجد فيها ولم يحصل له نفحة مما حصل للملائكة في سجودها من حيث ملكيته الخاصة به فما سجدها ، وهكذا في كل سجدة ترد .
(8) سورة الأنفال مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(206) الفتوحات ج 1 /
509
يخبر تعالى عن ذلة أهل النار وسؤالهم أهل الجنة من شرابهم وطعامهم ، وأنهم لا يجابون إلى ذلك .
قال السدي : ( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) يعني : الطعام وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يستطعمونهم ويستسقونهم .
وقال الثوري ، عن عثمان الثقفي ، عن سعيد بن جبير في هذه الآية قال : ينادي الرجل أباه أو أخاه فيقول : قد احترقت ، أفض علي من الماء . فيقال لهم : أجيبوهم . فيقولون : ( إن الله حرمهما على الكافرين ) .
وروي من وجه آخر عن سعيد ، عن ابن عباس ، مثله سواء .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( إن الله حرمهما على الكافرين ) يعني : طعام الجنة وشرابها .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نصر بن علي ، أخبرنا موسى بن المغيرة ، حدثنا أبو موسى الصفار في دار عمرو بن مسلم قال : سألت ابن عباس - أو : سئل - : أي الصدقة أفضل؟ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصدقة الماء ، ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا : ( أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) .
وقال أيضا : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن أبي صالح قال : لما مرض أبو طالب قالوا له : لو أرسلت إلى ابن أخيك هذا ، فيرسل إليك بعنقود من الجنة لعله أن يشفيك به . فجاءه الرسول وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : إن الله حرمهما على الكافرين .
فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: {ونادى} قيل : إذا صار أهل الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار فقالوا : يا ربنا إن لنا قرابات في الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم. وأهل الجنة لا يعرفونهم لسواد وجوههم، فيقولون {أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله} فبين أن ابن آدم لا يستغني عن الطعام والشراب وإن كان في العذاب. {قالوا إن الله حرمهما على الكافرين} يعني طعام الجنة وشرابها. والإفاضة التوسعة؛ يقال : أفاض عليه نعمه. الثانية: في هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال. وقد سئل ابن عباس : أي الصدقة أفضل؟ فقال : الماء، ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة {أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله}؟. وروى أبو داود أن سعدا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أي الصدقة أعجب إليك؟ قال : (الماء). وفي رواية : فحفر بئرا فقال : (هذه لأم سعد). وعن أنس قال قال سعد : يا رسول الله، إن أم سعد كانت تحب الصدقة، أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال : (نعم وعليك بالماء). وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن عبادة أن يسقي عنها الماء. فدل على أن سقي الماء من أعظم القربات عند الله تعالى. وقد قال بعض التابعين : من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء. وقد غفر الله ذنوب الذي سقى الكلب، فكيف بمن سقى رجلا مؤمنا موحدا وأحياه. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (بينا رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا كلب يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا الكلب مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له). قالوا : يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ قال : (في كل ذات كبد رطبة أجر}. وعكس هذا ما رواه مسلم عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض). وفي حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبة ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث لا يوجد الماء فكأنما أحياها). خرجه ابن ماجة في السنن. الثالثة: وقد استدل بهذه الآية من قال : إن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه، وأن له منعه ممن أراده؛ لأن معنى قول أهل الجنة {إن الله حرمهما على الكافرين} لا حق لكم فيها. وقد بوب البخاري رحمه الله على هذا المعنى : (باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه) وأدخل في الباب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (والذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض). قال المهلب : لا خلاف أن صاحب الحوض أحق بمائه؛ لقوله عليه السلام : (لأذودن رجالا عن حوضي).
واستغاث أهل النار بأهل الجنة طالبين منهم أن يُفيضوا عليهم من الماء، أو مما رزقهم الله من الطعام، فأجابوهم بأن الله تعالى قد حَرَّم الشراب والطعام على الذين جحدوا توحيده، وكذَّبوا رسله.
أي: ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة، حين يبلغ منهم العذاب كل مبلغ، وحين يمسهم الجوع المفرط والظمأ الموجع، يستغيثون بهم، فيقولون: { أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ } من الطعام، فأجابهم أهل الجنة بقولهم: { إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا } أي: ماء الجنة وطعامها { عَلَى الْكَافِرِينَ } وذلك جزاء لهم على كفرهم بآيات اللّه، واتخاذهم دينهم الذي أمروا أن يستقيموا عليه، ووعدوا بالجزاء الجزيل عليه.
قوله تعالى : ( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا ) أي : صبوا ، ( علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) أي : أوسعوا علينا مما رزقكم الله من طعام الجنة .
قال عطاء عن ابن عباس : لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار في الفرج ، وقالوا : يا رب إن لنا قرابات من أهل الجنة ، فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم ، فينظروا إلى قرابتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فيعرفونهم ولم يعرفهم أهل الجنة لسواد وجوههم ، فينادي أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم ، وأخبروهم بقراباتهم : أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ( قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ) يعني : الماء والطعام .
(وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ) فعل ماض وأصحاب الأولى فاعله وأصحاب الثانية مفعوله والنار مضاف إليه، والجنة مضاف إليه، والجملة مستأنفة.
(أَنْ) مخففة من أن أو تفسيرية.
(أَفِيضُوا) فعل أمر تعلق به الجار والمجرور علينا (مِنَ الْماءِ) متعلقان بأفيضوا.
(أَوْ) عاطفة (مِمَّا) مؤلفة من من وما الموصولية والجملة الفعلية (رَزَقَكُمُ ُ اللَّهُ) صلة الموصول لا محل لها، وجملة (قالُوا) مستأنفة لا محل لها.
(إِنَّ اللَّهَ) إن ولفظ الجلالة اسمها والجملة مقول القول وجملة (حَرَّمَهُما) في محل رفع خبر.
(عَلَى الْكافِرِينَ) متعلقان بالفعل قبلهما.
Traslation and Transliteration:
Wanada ashabu alnari ashaba aljannati an afeedoo AAalayna mina almai aw mimma razaqakumu Allahu qaloo inna Allaha harramahuma AAala alkafireena
And the dwellers of the Fire cry out unto the dwellers of the Garden: Pour on us some water or some wherewith Allah hath provided you. They say: Lo! Allah hath forbidden both to disbelievers (in His guidance),
Cehennem ehli, cennet ehline bize biraz su verin, yahut Allah'ın sizi rızıklandırdığı şeylerden bize de ihsan edin diye bağırırlar. Cennetlikler, şüphe yok ki derler, Allah suyu da, bize verdiklerini de kafirlere haram etmiştir.
Et les gens du Feu crieront aux gens du Paradis: «Déversez sur nous de l'eau, ou de ce qu'Allah vous a attribué.» «Ils répondront: Allah les a interdits aux mécréants».
Und die Weggenossen des Feuers riefen den Weggenossen der Dschanna zu: "Gebt uns etwas vom Wasser oder vom Rizq, das ALLAH euch gewährte." Sie sagten: "Gewiß, ALLAH erklärte beides den Kafir für haram."
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الأعراف (Al-A'raf - The Heights) |
ترتيبها |
7 |
عدد آياتها |
206 |
عدد كلماتها |
3344 |
عدد حروفها |
14071 |
معنى اسمها |
(الأَعْرَافُ) جَمْعُ (عُرْفٍ)، وَهُوَ كُلُّ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ، وَالمُرَادُ بِـ(الأَعْرَافِ): السُّورُ الَّذِي بَينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، يُحْبَسُ فِيهِ مَن تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُم وسَيِّئَاتُهُم |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الأَعْرَافِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الْمِيقَاتِ)، وَسُورَةَ (الْمِيثَاقِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ السُّنَنِ الإِلَهِيَّةِ فِي التَّدَافُعِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الأَعْرَافِ) بِآخِرِهَا:
الإِشَارَةُ إلَى أنَّ القُرْآنَ ذِكْرَى وَرَحْمَةٌ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ٢﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ٢٠٤﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْأَعْرَافِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْأَنْعَامِ):
قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي خِتَامِ (الْأَنْعَامِ): ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ ...١٦٥﴾، وَقَالَ فِي أَوَّلِ (الْأَعْرَافِ): ﴿وَلَقَدۡ مَكَّنَّٰكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ ...١٠﴾. |