الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة العزة وهي الاسم العزيز»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[9] - «حضرة العزة وهي الاسم العزيز»

ألا إن العزيز هو المنيع *** له ستر الورى فهو الرفيع‏

يعز وجوده فيعز ذاتا *** ولو لا الخلق ما ظهر البديع‏

فقل للمنكرين صحيح قولي *** حمى الرحمن ذلكم المنيع‏

[عبد هواه وعبد نفسه‏]

الداخل فيها يدعى في الملإ الأعلى عبد العزيز لم أذق في كل ما دخلته من الحضرات ذوقا ألذ منه ولا أوقع في القلب لهذه الحضرة المنع فلها الحدود لا بل لها من الحدود ما يقع به التمييز فيقف كل محدود لا بل كل شي‏ء على عزته فيكون كل شي‏ء عزيزا وعبوديته فيه فهو عبد نفسه فمن هنا ظهر كل من غلبت عليه نفسه واتبع هواها ولو لا الشرع ما ذمه بالنسبة إلى طريق خاص لما ذمه أهل الله فإن الحقائق لا تعطي إلا هذا فمن اتبع الحق فما اتبعه إلا بهوى نفسه وأعني بالهوى هنا الإرادة فلو لا حكمها عليه في ذلك ما اتبع الحق وهكذا حكم من اتبع غير الحق وأعني بالحق هنا ما أمر الشارع باتباعه وغير الحق ما نهى الشرع عن اتباعه وإن كان في نفس الأمر كل حق لكن الشارع أمر ونهى كما أنا لا نشك أن الغيبة حق ولكن نهانا الشرع عنها ولنا

وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى *** ولو لا الهوى في القلب ما عبد الهوى‏

فبالهوى يجتنب الهوى وبالهوى يعبد الهوى ولكن الشارع جعل اسم الهوى خاصا بما ذم وقوعه من العبد والوقوف عند الشرع أولى ولهذا بينا قصدنا بالهوى الإرادة لا غير فالأمر يقضي أن لا حاكم على الشي‏ء إلا نفسه فيما يكون منه لا فيما

يحكم عليه به من خارج لكن ذلك الحكم من خارج لا يحكم عليه إلا بما تعطيه نفسه من إمضاء الحكم فيه فكل ما في العالم من حركة وسكون فحركات نفسية وسكون نفسي فإذا حصل العبد بالذوق في هذه الحضرة فعلامته أن لا يؤثر فيه غيره بما لا يريده ولا يشتهيه فيمنع ذاته من أثر الغير فيها بما لا يريده وإنما قلنا بما لا يريده لأنه ما في الوجود نفس إلا وتقبل تأثير نفس أخرى فيها يقول الحق تعالى أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ولا أعز من نفس الحق وقد قال عن نفسه إنه أجاب الداعي عند ما دعاه ولكن هو تعالى شرع لعبده أن يدعوه فقال ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ فما أجابه إلا بإرادته لذلك ولقد نادى بعض الرعايا سلطانا كبيرا بمرسية فلم يجبه السلطان فقال الداعي كلمني فإن الله تعالى كلم موسى فقال له السلطان حتى تكون أنت موسى فقال له الداعي حتى تكون أنت الله فمسك السلطان له فرسه حتى ذكر له حاجته فقضاها كان هذا السلطان صاحب شرق الأندلس يقال له محمد بن سعد بن مردنيش الذي ولدت أنا في زمانه وفي دولته بمرسية وإن كانت الحقائق تعطيه فإن حمل الأسماء على ذات الحق إنما أعطى ذلك الحمل حقائق المحدثات فلو زالت لزالت الأسماء كلها حتى الغني عن العالم إذ لو لم يتوهم العالم لم يصح الغني عنه واسم الغني لمن اتصف بالغنى عنه فما نفاه حتى أثبته فما ثم عزة مطلقة واقعة في الوجود ولِلَّهِ الْعِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ فأوقع الاشتراك فيها ولكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ أن العزة للرسول وللمؤمنين وإن كان يعلم العزة ولكن تخيل أن حكمها له ولأمثاله هذا القائل فعزة الحق لذاته إذ لا إله إلا هو وعزة رسوله بالله وعزة المؤمنين بالله وبرسوله ولهذا شرع له الشهادتين ولكن أولو الألباب لما سمعوا هذا الخطاب تنبهوا لما ذكر المؤمنين فلله العزة في المؤمنين فإنه المؤمن وللرسول العزة في المؤمنين فإنه منهم فعمت عزة المؤمنين عزة الله ورسوله فدخل الحق في ضمنهم وما دخلوا في ضمنه لأحديته وجمعهم وأحدية الرسول وجمعهم فلهم الحضرة الجامعة ولكن نسبة العزة لله غير نسبتها له تعالى من حيث دخوله بالاسم المؤمن في المؤمنين فإن الحق إذا كان سمع العبد المؤمن وبصره كانت العزة لله بما كان للعبد به في هذا المقام عزيزا أ لا تراه في هذا المقام لا يمتنع عليه رؤية كل مبصر ولا مسموع ولا شي‏ء مما تطلبه قوة من قوى هذا العبد لأن قواه هوية الحق ولله العزة ويمتنع أن يدركه من ليست له هذه القوة من المخلوقين ولهذا ما ذكر الله العزة إلا للمؤمنين ثم إن عزة الرسول بالمؤمنين إذ كانوا هم الذين يذبون عن حوزته فلا عزة إلا عزة المؤمن فبالعزة يغلب وبالعزة يمتنع فهي الحصن المنيع وهي حمى الله وحرمه ولا يعرف حمى الله ويحترمه إلا المؤمن خاصة وليس المنع إلا في الباطن وهنالك يظهر حكم العزة وأما في الظاهر فليس يسرى حكمها عاما في المنع ولا في الغلبة فالمؤمن بالعزة يمتنع أن يؤثر فيه المخالف الذي يدعوه إلى الكفر بما هو به مؤمن والكافر بالعزة يمتنع أن يؤثر فيه الداعي الذي يدعوه إلى الايمان ولما كان الايمان يعم والكفر يعم تطرق إليهما الذم والحمد فإن الله قد ذكر الذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله فسماهم مؤمنين فهذا من حكم العزة وبقي الحكم لله في المؤاخذة بحسب ما جاء به الخبر الحق من عند الله فالحكيم إذا عرف الحقائق وإن حكم العزة وإن عم فلا يعم من كل وجه تعرض عند ذلك الوجود الأثر فيه عن إرادة منه بتأثير تكون فيه سعادته ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ لأنها علمت أنها إن لم تجب مختارة جبرت على الإتيان فجي‏ء بها كما جي‏ء بجهنم وما وصفها الحق بالمجي‏ء من ذاتها وإنما قال وجِي‏ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يعني يوم القيامة وإنما امتنعت من الإتيان حتى جي‏ء بها لما علمت بما هي عليه وما فيها من أسباب الانتقام بالعصاة من المؤمنين وما وقعت عينها إلا على مسبح لله بحمده وفيها رحمة الله لكونها دخلت في الأشياء قال الله تعالى ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فمنعتها الرحمة القائمة بها من الإتيان وأشهدتها تسبيح الخلائق وطاعتهم‏

لله فجي‏ء بها ليعلم من لا يدخلها ما أنعم الله عليه به بعصمته منها ويعلم من يدخلها أنه بالاستحقاق يدخلها فتجذبه بالخاصية إليها جذب المغناطيس الحديد وهوقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنه آخذ بحجز طائفة من النار وهم يتقحمون فيها تقحم الفراش‏

فاعلم ذلك والضابط لهذه الحضرة الحد المقوم لذات كل شي‏ء محدود وما ثم إلا محدود لكنه من المحدود ما يعلم حده ومنه ما لا يعلم حده فكل شي‏ء لا يكون عين الشي‏ء الآخر كان ما كان فذلك المانع أن يكون عينه هو المسمى عز أو عزة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!