الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

(التواب حضرة التوبة)

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[87] - (التواب حضرة التوبة)

وهي الرجوع من المخالفة إلى الموافقة

ألا إن المتاب هو الرجوع *** فتب ترجع لتوبتك الشئون‏

إذا تابعت شخصا في فلاة *** فأنت لما تتابعه تكون‏

وإن كان الظهور له بوجه *** فمن وجه يكون له الكمون‏

له منا التحرك في جهات *** ولي منه الإقامة والسكون‏

وليس له سواى من معين *** إذا شاء المؤيد والمعين‏

[التوبة هي الرجوع من المخالفة إلى الموافقة]

يدعى صاحبها عبد التواب من هذه الحضرة تاب التائبون فله الرجعة الأولى ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا فما رجع إليهم إلا ليرجعوا وكل معلل علة الحق فإنه واقع كما أنه كل ترج من الله واقع فالرجعة الأولى من الله على العبد هي التي يعطيه الحق فيها الإنابة إليه فإذا رجع العبد إليه بالتوبة رجع الحق إليه غير الرجوع الأول وهو الرجوع بالقبول فإن الله لا يقبل معاصي عباده هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ والطاعات وهذا من رحمته بعباده فإنه لو قبل المعاصي لكانت عنده في حضرة المشاهدة كما هي الطاعات فلا يشهد الحق من عباده إلا ما قبله ولا يقبل إلا الطاعات فلا يرى من عباده إلا ما هو حسن محبوب عنده ويعرض عن السيئات فلا يقبلها فإن صاحب السيئة ما عملها على طريق القربة ولو عملها على طريق القربة لكان جهلا وافتراء على الله وكفرا صراحا فلا يقبلها حتى لا تكون عنده في موضع الشهود فيقع حساب العبد على ما أساء في الديوان الإلهي على أيدي الملائكة إذا أمر الحق بمحاسبته وأمر الملائكة أصحاب الديوان أن يتجاوزوا عن المتجاوزون أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ولا بد لكل إنسان من أمر طيب يكون عليه لأنه لا بد أن يكون على مكارم خلق بأي وجه كان ومكارم الأخلاق كلها عند الله فلا بد أن يكون لكل عبد عند الله شفيع فإذا استوفى أهل ديوان المحاسبة ما بأيديهم في حق عبد من العباد وفعلوا فيه ما اقتضاه أمره معهم وفرغ من ذلك ورفع الأمر إلى الله راجعا كما قال وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ لا يجد العبد عند ربه إلا ما قبله منه فشكره الله على ما عنده منه فأكرمه ونعمه فيقول العبد ربي أكرمني وما عنده علم بما قبل الله منه من طيب خلق كان عليه وسواء كان في أي دار كان فإن له فيها نعيما مقيما ما دام ذلك الطيب عند الله وهو لا يزال عند الله فلا يزال هذا العبد في نعيم في نفسه وإن ظهر عند غيره أنه في عذاب فهو في نفسه في نعيم وهو أو لمراد المعتبر في هذا الأمر فإذا اتفق أن يؤخذ التائب فما يأخذه إلا الحكيم لا غيره من الأسماء فإذا لم يؤاخذ فإنما يكون الحكم فيه للرحيم فإن الله تَوَّابٌ رَحِيمٌ بطائفة وتَوَّابٌ حَكِيمٌ بطائفة والكل نواب الحق تعالى‏

توبة الله أولا *** تجعل العبد تائبا

فإذا تاب عبده *** جعل الحق تائبا

فيكون العبيد عن *** صفة الحق نائبا

لم يزل حال كل من *** تاب للعفو طالبا

أعظم التوب أن *** يكون عن التوب راغبا

فإذا كنت تائبا *** كن عن الفعل جانبا

تجد الحق في الذي *** تبتغي منه واهبا

فالعبد الصحيح التوبة أن يتوب الله عليه لا ليتوب بل يجرم وأنت تعفو تكرما حتى لا يكون رجوعك بالمغفرة على المذنب جزاء فيكون هو الذي عاد على نفسه بالمغفرة منك فأين المنة في الرجعة الثانية التي هي رجعة المغفرة إن لم تغفر من غير توبة من المذنب فرجوع الله ينبغي أن يكون رجوع امتنان كالرجعة الأولى في قوله ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا فهذه الأولى توبة امتنان فإذا تاب عليهم بالمغفرة بعد توبتهم كانت هذه التوبة الإلهية جزاء لا يتخلص الامتنان الإلهي فيها إلا على بعد وهو أن يرجع العبد في توبته إلى التوبة الأولى الإلهية التي جعلته أن يتوب وتوبة الامتنان أيسر من توبة الجزاء وهي توبة الجواد الواهب المحسان الذي يعطي لينعم لا لعلة موجبة عقلا ولا شرعا وهذه إشارة كافية لمن أراد التخلق بأخلاق الكرم فمن كرمه كَتَبَ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فالكريم المطلق من جازى على السيئة إحسانا فإن المحسن هو الذي أخذ الإحسان بإحسانه فلا يتبين فضل المحسن فإنه ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ من سَبِيلٍ فافهم وتحقق عسى تلحق والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!