الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«المعطي حضرة العطاء والإعطاء»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[59] - «المعطي حضرة العطاء والإعطاء»

عين العطاء كشف الغطاء *** وفي الغطاء عين الهبات‏

فإنها تعالت وجلت *** عن أن تجي‏ء بالمحدثات‏

فما حديثي غير حدوثي *** وما صفاتي غير سماتي‏

فإن تكن تريد انتقالي *** عني فداك عين سباتي‏

وفي مقامي عين قصوري *** وفي مسيري عين التفاتي‏

فالحمد لله الذي *** لم يزل يمدني بثباتي‏

حتى يكون فردا وحيدا *** في ذاته وفي الكلمات‏

فإنه إليه رجوعي *** من بعد فرقتي وشتاتي‏

فمن يرد كوني إليه *** فذاك من أجل ثقاتي‏

ومن يرد كوني إلينا *** فذاك من أجل عداتي‏

وإن تشأ عكست مقالي *** فالعيش كله في مماتي‏

وإنه مرادي وقولي *** وفيه رغبتي وحياتي‏

فمن يكون من أصدقائي *** فإنما يريد وفاتي‏

فإن فيه جمعي بربي *** وبالذي له من عدات‏

وهو المحب سرا وجهرا *** وهو الصديق لي والموات‏

[إن آخذ الصدقة هو الله‏]

يدعى صاحبها عبد المعطي والعبد آخذ والعبد معطي الصدقة وهي تقع بيد الرحمن في حال العطاء فالله آخذ فهو الآخذ كما هو المعطي وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها لأنها أعطته بحقيقتها وقبولها التمكن من الأخذ بناصيتها إذلالا لأنه عبد وكل من أخذ بناصيته فإنه ذليل والكل عبيد الله تعالى فالكل أذلاء بالذات وهو العزيز الحكيم‏

فله الجود والكرم *** والسخاء الذي يعم‏

وله الوهب منعما *** للذي تطلب الهمم‏

ليس يدري ما حكم لا *** إنما حكمه نعم‏

والوجود الذي له *** عندنا كله نعم‏

إن بلعام عبرة *** في الذي قاله فتم‏

فانظروا في الذي بدا *** وانظروا في الذي حكم‏

هو قولي في حكم لا *** ليس يدري لمن فهم‏

فخذوه مبينا *** وأنا لو رأيت ثم‏

لا تقل عند ما ترى *** أنه جار أو ظلم‏

جل عن مثل ذا وذا *** فاكتم الأمر ينكتم‏

[العطاء إما واجب وإما امتنان‏]

والعطاء منه واجب ومنه امتنان فإعطاء الحق العالم الوجود امتنان وإعطاء كل موجود من العالم خلقه واجب وهو قوله أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ يعني في نفس الأمر ثُمَّ هَدى‏ بين بالتعريف أنه أعطى كل شي‏ء خلقه والجود والإنعام والكرم الذاتي أوجب هذا العطاء عليه لما قال كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فأوجبها للعالم على نفسه ولكن لا كل العالم بل لعالم مخصوص وهو المنعوت في قوله تعالى أَنَّهُ من عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ من بَعْدِهِ وأَصْلَحَ وفي قوله فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ والَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وما عدا هؤلاء المنعوتين فإن الله يرحمهم برحمة الامتنان من غير وجود نعت وهي الرحمة التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وفيها يطمع إبليس مع كونه يعلم أنه من أهل النار الذين هم أهلها فلا يخرج منها بل الله يرحمها ويرحم من فيها بوجه دقيق لا يشعر به إلا جهنم ومن فيها بإنعام يليق بذلك الموطن ومزاج يكون أهله عليه بحيث إنهم لو عرضت عليهم الجنة تألموا بالنظر إليها تألم أهل الجنة لو عرض عليهم دخول النار وتحققوا ذلك أعوذ بالله من النار ومما يقرب إليها

فكل مكان فيه أهل يخصه *** لهم رحمة فيها نعيم ولذات‏

وإن كان مكروها يعود محبا *** لمزج لهم فيه سرور وجنات‏

فجنة أهل النار بالنار عينها *** وبالقر إعطاء قد أعطتهم الذات‏

فإن اسمه الرحمن في عرشه استوى *** فرحمته عمت وبالخلق تقتات‏

فمن هذه الحضرة أوجد العالم وأنزل الشرائع لما نتضمنه من المصالح فهي الخير

المحض بما فيها من الأمور المؤلمة المنازعة لما تتعلق به الأغراض النفسية التي خلقها الله بالرحمة خلق الأدوية الكريهة للعلل البغيضة للمزاج الخاص فالرحمة التي بالقوة في زمان استعمال الدواء وبالفعل في زمان وجود العافية مما كان يألم منه فاقدها وهذا كله عطاء إلهي كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ أصحاب الجنة وهَؤُلاءِ أصحاب النار من عَطاءِ رَبِّكَ فعم الجميع مع اختلاف الذوق وما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً أي ممنوعا فعم العطاء الكل فعلمنا إن عطاءه عين الرحمة التي سبقت فوسعت كل شي‏ء من مكروه وغيره وغضب وغيره فما في العالم عين قائمة ولا حال إلا ورحمة الله تشمله وتحيط به وهي محل له ولا ظهور له إلا فيها فبالرحمن استوى على عرشه وما انقسمت الكلمة إلا من دون العرش من الكرسي فما تحته فإنه موضع القدمين وليس سوى انقسام الكلمة فظهر الأمر والخلق والنهي والأمر والطاعة والمعصية والجنة والنار كل ذلك عن أصل واحد وهي الرحمة التي هي صفة الرحمن‏

فما استوى علينا إلا برحمته *** وما لنا نعيم إلا بنعمته‏

ميداننا عريض في حصر قبضته *** نجول فيه حتى نحظى بحظوته‏

ولما كانت اليد لها العطاء ولها القبض فباليد قبض علينا فنحن في قبضته واليد محل العطاء والجود فنحن في محل العطاء لأنا في قبضته‏

فلو لا الحصر ما وجد النعيم *** ولا كان الجنان ولا الجحيم‏

وفي الدارين إنعام لرحمي *** بأهلهما يقوم بهم مقيم‏

وقول الله أصدق كل قيل *** يعرف أنه البر الرحيم‏

فالتكوين دائم فالعطاء دائم فهي حضرة لا يحصرها عدد ولا أمد يقطعها تجري إلى غير أجل من حيث ذاتها وإن كان فيها آجال معينة فما تخرج منها فآجالها فيها والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!