الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة السعة»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[45] - «حضرة السعة»

إنما الواسع الذي *** وسع الكل خلقه‏

فإذا ما خلا بنا *** نازع الحق خلقه‏

وزها بالذي بدا *** من سنا الشمس أفقه‏

فهي فينا بنورها *** وأنا فيه حقه‏

[تقدم الرحمة على العلم‏]

يدعى صاحبها عبد الواسع قالت الملائكة رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ رَحْمَةً وعِلْماً فقدمت الرحمة على العلم لأنه أحب أن يعرف والمحب يطلب الرحمة به فكان مقام المحب الإلهي أول مرحوم فخلق الخلق وهو نفس الرحمن وقال ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فعم بكل كل مرحوم وما ثم إلا مرحوم ومن كان علمه بالشي‏ء ذوقا وكان حاله فإنه يعلم ما فيه وما يقتضيه من الحكم وقد قال الترجمان صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن المؤمن لا يكمل حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه‏

وقد علمنا إن له الكمال وأنه المؤمن وأن العالم على صورته فقد ثبتت الأخوة بالصورة والايمان لأنه ما ثم إلا قائل به مؤمن مصدق بوجوده فإنه ما من شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وما من شي‏ء إلا وسعته رحمته كما وسعه تسبيحه وحمده فهو الواسع لكل شي‏ء ولهذا الاتساع هو لا يكرر شيئا في الوجود فإن الممكنات لا نهاية لها فأمثال توجد دنيا وآخرة على الدوام وأحوال تظهر وقد وَسِعَ كُرْسِيُّهُ وهو علمه السَّماواتِ والْأَرْضَ ووسعت رحمته علمه والسموات والأرض وما ثم الا سماء وأرض فإنه ما ثم إلا أعلى وأسفل سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فلا أعلى بعده ولو دليتم بحبل لهبط على الله فلا أنزل منه وما بينهما فينزل إلى العلو الأدنى وهو السماء الأولى من جهتنا فإنها السماء الدنيا أي القريبة إلينا وما نزل ليعذب ويشقى بل‏

يقول هل من داع فاستجيب له هل من سائل فأعطيه‏

وما يخلو شي‏ء من سؤال بخير في حق نفسه‏

هل من تائب فأتوب عليه‏

وما من شي‏ء إلا ويرجع في ضرورته إذا انقطعت به الأسباب إليه‏

هل من مستغفر فاغفر له‏

وما من شي‏ء إلا وهو مستغفر في أكثر أوقاته لمن هو إله ولم يقل إنه ينزل ليعذب عباده الذين نزل في حقهم ومن كان هذا نعته وعذب فعذابه رحمة بالمعذب وتطهير كعذاب الدواء للعليل‏

فيعذبه الطبيب رحمة به لا للتشفي ثم اتساع العطاء فإنه أعطى الوجود أولا وهو الخير الخالص ثم لم يزل يعطي ما يستحقه الموجود مما به قوامه وصلاحه كان ما كان فهو صلاح في حقه ولهذا أضاف العارف به المترجم عنه كلمة الحضرة ولسان المقام الإلهي‏

رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الخير إليه فقال والخير كله في يديك ونفي الشر أن يضاف إليه فقال والشر ليس إليك‏

وقد بينا أنه ما ثم معط إلا الله فما ثم إلا الخير سواء سر أم ساء فالسرور هو المطلوب وقد لا يجي‏ء إلا بعد إساءة لما يقتضيه مزاج التركيب وقبول المحل لعوارض تعرض في الوجود وكل عارض زائل ولهذا يسمى بالمعطي والمانع والضار والنافع فعطاؤه كله نفع غير إن المحل في وقت يجد الألم لبعض الأعطيات فلا يدرك لذة العطاء فيتضرر بذلك العطاء ولا يعلم ما فيه من النفع الإلهي فيسميه ضارا من أجل ذلك لعطاء وما علم إن ذلك من مزاج القابل لا من العطاء أ لا ترى الأشياء النافعة لأمزجة ما كيف تضر بأمزجة غيرها قال الله في العسل إنه شِفاءٌ لِلنَّاس‏

فجاء رجل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقال له إن أخي استطلق بطنه فقال اسقه عسلا فسقاه عسلا فزاد استطلاقه فرجع فأخبره فقال اسقه عسلا فزاد استطلاقه وما علم هذا الرجل ما علمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من ذلك فإنه كان في المحل فضلات مضرة لا يمكن إخراجها إلا بشرب العسل فإذا زالت عنه أعقبته العافية والشفاء فلما رجع إليه قال له يا رسول الله سقيته عسلا فزاد استطلاقه فقال صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلا في الثالثة فسقاه فبرئ فإنه استوفى خروج الفضلات المضرة

وكالذي يغلب على العضو الحامل للطعم المرة الصفراء فيجد العسل مرا فيقول العسل مر فكذب المحل في إضافة المرارة إلى العسل لأنه جهل إن المرة الصفراء هي المباشرة لعضو الطعم فأدرك المرارة فهو صادق في الذوق والوجدان كاذب في الإضافة فألقوا بل أبدا هي التي لها الحكم فما من الله إلا الخير المحض كله فمن اتساع رحمته إنها وسعت الضرر فلا بد من حكمه في المضرور فالضرر في الرحمة ما هو ضرر وإنما هو أمر خير بدليل أنه بعينه إذا قام بالمزاج الموافق له التذ به وتنعم وهو هو ليس غيره فالأشياء إلى الله إنما تضاف إليه من حيث إنها أعيان موجودة عنه ثم حكم الالتذاذ بها أو غير الالتذاذ إنما هو راجع إلى القابل ولو علم الناس نسبة الغضب إلى الله لعلموا أن الرحمة تسع الكل فإن القادر على إزالة الألم عن نفسه لا يتركه فقامت الأحوال من الخلق والمواطن للحق مقام المزاج للحيوان فيقال في الحق إنه يغضب إذا أغضبه العبد ويرضى إذا أرضاه العبد فحال العبد والموطن يرضى الحق ويغضبه كالمزاج للحيوان يلتذ بالأمر الذي كان بالمزاج الآخر يتألم به فهو بحسب المزاج كما هو الحق بحسب الحال والمواطن أ لا ترى في نزوله إلى السماء الدنيا ما يقول فإنه نزول رحمة يقتضيها الموطن وإذا جاء يوم القيامة يقتضي المواطن أنه يجي‏ء للفصل والقضاء بين العباد لأنه موطن يجمع الظالم والمظلوم وموطن الحكم والخصومات فالحكم للمواطن والأحوال في الحق والحكم في التألم والالتذاذ والتلذذ للمزاج إن ربك واسع المغفرة أي واسع الستر فما من شي‏ء إلا وهو مستور بوجوده وهو الستر العام فإنه لو لم يكن ستر لم يقل عن الله هو ولا قال أنت فإنه ما ثم إلا عين واحدة فأين المخاطب أو الغائب فلهذا قلنا في الوجود إنه الستر العام ثم الستر الآخر بالملائم وعدم الملائم فهو واسِعُ الْمَغْفِرَةِ وهي حضرة إسبال الستور وقد تقدم الكلام عليها في هذا الباب‏

[الغفران هو الستر]

ثم قال هو أعلم بمن اتقى والستر وقاية والغفران هو الستر فالعبد يتقي بالستر ألم البرد والحر إذا علم من مزاجه قبول ألم الحر والبرد فإن الحر والبرد ما جاء إلا لمصالح العالم ليغذي النبات الذي هو رزق العالم فيبرزه لينتفع به فيكون جسم الحيوان على استعداد يتضرر به فيقول إني تأذيت بالحر والبرد وإذا رجع مع نفسه لما قصد بهما بحسب ما يعطيه الفصول علم أنه ما جاء إلا لنفعه فتضرر بما به ينتفع والغفلة أو الجهل سبب هذا كله والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!