الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة الجلال»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[41] - «حضرة الجلال»

إن الجليل له الجلال الأعظم *** والجود والكرم العميم الأفخم‏

فإذا تخلق عبده بجلاله *** تعنو الوجوه له ومنه يعظم‏

وهو الذي سبق الجمال نفاسة *** فله التقدم والمقام الأقدم‏

وله التنزه في المعارج كلها *** وله التكرم والصراط الأقوم‏

يبدو فيظهره جمال وجوده *** يعلو فيحجبه الجلال المعلم‏

بحقيقة حوت الحقائق كلها *** ما قد علمت به وما لا يعلم‏

فانهض بها إن كنت تعرف قدرها *** ذوقا ولا تك في القيامة تندم‏

لا تفز عن لها فأنت من أهلها *** وأرحل إلى طلب المعالي تعصم‏

إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنهم *** ليبايعون الحق حقا فاعلموا

وأفشوا الذي جئنا به في حقه *** لا تكتموه فإنه لا يكتم‏

وانظر إليه من وراء حجابه *** تحظى به إن كنت ممن يفهم‏

إن كنت من أصحابه في غيبه *** فأنعم به إن كنت ممن ينعم‏

مهما بنيت الصرح أنت خليفة *** فاحذر إذا قام البناء يتهدم‏

إن البناء إذا تقوم بأمره *** لا يعتريه تقوض وتهدم‏

يدعى صاحب هذه الحضرة عبد الجليل قال تعالى وجل وهُوَ الَّذِي في السَّماءِ إِلهٌ وفي الْأَرْضِ إِلهٌ وفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وما تُوعَدُونَ‏

جعل الرزق والبناء جميعا *** في سماء وما لها من فروج‏

ثم لا بد للعبيد إليها *** حين يدعون نحوها من عروج‏

إنما الخلق إن نظرتم إليهم *** تجدوهم في كل أمر مريج‏

دون علم فهم حيارى سكارى *** في خروج إن كان أو في ولوج‏

[من حضرة الجلال ظهرت الألوهة]

فمن نسبة الجلال إليه له الاسم ومن حضرة الجلال ظهرت الألوهة وعجز الخلق عن المعرفة بها ومن هذا الاسم يعلم سركم في الأرض لما فيكم من نسبة الباطن وجهركم لما فيكم من نسبة الظاهر لارتفاعكم عن تأثير الأركان فكل عظيم فهو جليل وكل حقير فهو جليل فهو من الأضداد وقيل لأبي سعيد الخراز بم عرفت الله فقال بجمعه بين الضدين ثم تلا هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُ يعني من عين واحدة وفي عين واحدة ثم نرجع ونقول ولا أحقر ممن يسأل أن يطعم لإقامة نشأته وإبقاء الحياة الحيوانية عليه وعلى قدر الاحتقار يكون الافتقار وأي افتقار أعظم ممن لا يكون له ما يريد إلا بغيره لا بنفسه ولو لا القوابل ما ظهر مجد القادر لو لا جوع العبد ما ادعى فيه السيد ولو لا عين العبد ما كان للجوع حكم ولما أراد السيد أن يظهر بحكم لا يقوم إلا بعبده فلا بد أن يتعين وجود العبد وهو الذليل فالمفتقر إليه أشد في الحكم وأولى بالاسم فما كمل الوجود إلا بهذا الاسم فما من شي‏ء إلا وله وعليه حكم فثبت الافتقار للحكم سواء حكمت له أو عليه وما حكم على شي‏ء ولا لشي‏ء إلا عينه فما جاءه شي‏ء من خارج فما ثم إلا هو فهو الحاكم والحكم والمحكوم عليه أو له فتوحدت العين واختلفت النسب كبدل الشي‏ء من الشي‏ء وهما لعين واحدة وأما عظمة الجليل فمن تأثيره كما إن حقارته من كونه مؤثرا فيه اسم مفعول وما من شي‏ء إلا مؤثر ومؤثر فيه لا بد من ذلك فاسم الجليل له حقيقة فيقول العظيم الذي له التأثير للمؤثر فيه الحقير يا جليل ويقول الحقير الذي تأثر وظهر الأثر فيه للذي له الأثر والتأثير يا جليل بالوجهين من كل قائل ومسم وواصف‏

وناعت فما رأينا أشبه شي‏ء منه بالصدى فإنه ما يرد عليك إلا ما تكلمت به فوضعه الحق لهذا المقام وأمثاله مثالا مضروبا فإن الله ما خلق الخلق لعين الخلق وإنما خلقه ضرب مثال له سبحانه وتعالى علوا كبيرا ولهذا أوجده على صورته فهو عظيم بهذا القصد وحقير بكونه موضوعا ولا بد من عارف ومعروف فلا بد من خلق وحق وليس كمال الوجود إلا بهما فظهر كمال الوجود في الدنيا ثم ينتقل الأمر إلى الأخرى على أتم الوجوه وأكملها عموما في الظاهر كما عمت في الدنيا في الباطن فهي في الآخرة في الظاهر والباطن فلا بد أن تكون الآخرة تطلب حشر الأجساد وظهورها ولا بد من إمضاء حكم التكوين فيهما فهي في الدنيا في العموم تقول للشي‏ء كُنْ فَيَكُونُ في تصورها وتخيلها لأن موطن الدنيا ينقص في بعض الأمزجة عن إمضاء عين التكوين في العين في الظاهر وفي الآخرة تقول ذلك بعينه لما يريد أن يكون كُنْ فَيَكُونُ في عينه من خارج كوجود الأكوان هنا عن كن الإلهية عند أسبابها فكانت الآخرة أعظم كمالا من هذا الوجه لتعميم الكلمة الحضرتين الخيال والحس‏

فللأولى هو السر *** وللآخر الجهر

فمن آمن بالكل *** فقد بان له الأمر

وما ثم حضرة في الحضرات الإلهية من يكون عنها النقيضان في العين الواحدة إلا هذه الحضرة فهي العامة الجامعة التي تضمنت الأسماء كلها حسنها وسيئها والجلال من صفات الوجه فله البقاء دائما وهو من أدل دليل على إن كل ما في الدنيا في الآخرة بلا شك ومما في الدنيا ما لا خفاء به وهي الأجسام الطبيعية التي من شأنها أن تأكل وتشرب وتستحيل مأكلها ومشروبها بحسب أمزجتها ففي الجنة يستحيل ما يأكله أهلها عرقا يخرج من أعراضها أطيب من ريح المسك قال تعالى ويَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والْإِكْرامِ فقال قائل بأي نسبة يكون له هذا البقاء فقال ذُو الْجَلالِ والْإِكْرامِ فرفع بنعت الوجه فلو خفض نعت الرب وكان النعت بالجلال وله النقيضان فيبقى الوجه الذي له النقيضان ولا يفنى وإنما يفنى ما كان على هذه الأرض فناء انتقال في الجوهر وفناء عدم في الصورة فيظهر مثل الصورة لا عينها في الجوهر الباقي الذي هو عجب الذنب الذي تقوم عليه نشأة الآخرة فيبقى حكم الوجه المنعوت بالجلال ويتبعه اسمه حيث كان فللاسم البقاء كما كان البقاء للمسمى به والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!