الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة الإعزاز»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[25] - «حضرة الإعزاز»

إن المعز الذي أعز جانبه *** كما أعز الذي في الله صاحبه‏

إذا أتى مستجير نحو حضرته *** في الحين أكرمه في الوقت عاتبه‏

[في الحضرة الإعزاز تجعل العبد منيع الحمى‏]

يدعى صاحبها عبد المعز وهذه الحضرة تجعل العبد منيع الحمى وتعطيه الغلبة والقهر على من ناواه في مقامه بالدعوى الكاذبة التي لا صورة لها في الحق وهو الذي يعتز بإعزاز المخلوق فهو كالقياس في الأحكام المشروعة يضعف الحكم فيه عن حكم المنصوص عليه ولهذا أثبتته طائفة ونفته أخرى أعني القياس في الأحكام المشروعة وإنما جعله من جعله أصلا في الحكم لما قال الله تعالى ولِلَّهِ الْعِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ فما تفطنوا لذكر الله العزة لهؤلاء الموصوفين بالرسالة المضافة إليه تعالى والايمان فما قال الناس فهؤلاء المذكورون لهم الإعزاز الإلهي وقد قلنا به والذين أثبتوا القياس نظروا إلى أن الله ما أعز دينه إلا بهؤلاء فما عزوا إلا بالدين ولا أعز الله الدين إلا بهم فقد حصل للدين إعزاز بإعزاز مخلوق وهو الرسول والمؤمنون الذين لهم العزة بإعزاز الله فثبت للفرع ما ثبت للأصل فثبت القياس في الحكم فمن هذه الحضرة كان القياس أصلا رابعا ولما كان مثبوتا بالكتاب والسنة فبقيت الأصول في الأصل ثلاثة فصح التربيع في الأصول بوجه والتثليث بوجه كالمقدمتين اللتين ركبت كل مقدمة منهما من مفردين وهذه المفردات ثلاثة في التحقيق فصح التربيع والتثليث على الوجه الخاص وشرطه فكان الإنتاج وليس إلا طهور الحكم وثبوته في العين فهذا أعطاه الاجتهاد ولو كان خطأ فإن الله قد أقر حكمه على لسان رسوله وما كلف الله نفسه إلا ما آتاها وما آتاها إلا إثبات القياس أعني في بعض النفوس والإعزاز من السلطان لحاشيته مقيس على إعزاز الله من أعزه من عباده وأما صورة الاعتزاز بالله فهو إن يظهر العبد بصورة الحق بأي وجه كان مما يعطي سعادة أو شقاوة لأن العزة إنما هي لله ففي أي صورة ظهرت كان لها المنع فظهورها في الشقي مثل قوله ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ أي المنيع الحمى في وقتك‏

الكريم على أهلك وفي قومك فما هي سخرية به فإنه كذلك كان وهي سخرية به لأنه خاطبه بذلك في حالة ذله وإباحة حماه وانتهاك حرمته فما ظهر معتز في العالم إلا بصورة الحق أي بصفته إلا إن الله ذمها في موطن وحمدها في موطن وذلك الموطن المحمود أن يكون هو الذي يعطي ذلك على علم من العبد فهو صاحب اعتزاز في ذلك ومن ليس له هذا المقام فهو ذو اعتزاز في غير ذل وإن أحس بالذل في نفسه لأنه مجبول على الذلة والافتقار والحاجة بالأصالة لا يقدر أن ينكر هذا من نفسه ولذلك قال الله بأنه يطبع عَلى‏ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ فلا يدخله الكبرياء والجبروت وإن ظهر بهما فإنه يعرف في قلبه أنه لا فرق بالأصالة بينه وبين من تكبر عليهم ونجبر وأعظم الاعتزاز من حمى نفسه من أن يقوم به وصف رباني وليس إلا العبد المحض فإن ظهر بأمر الله فأمر الله أظهره فإعزاز الله عبده أن لا يقوم به من نعوت الحق في العموم نعت أصلا فهو منبع الحي من صفات ربه وإنما قلنا في العموم لأن صفات الحق في العموم ليست إلا ما يقتضي التنزيه خاصة المعبر عنها بالأسماء الحسنى والتي في الخصوص إن جميع الصفات كلها لله التي يقال إنها في العبد بحكم الأصالة وإن اتصف الحق بها والأسماء الحسنى في الحق بحكم الأصالة وإن اتصف العبد بها وعند الخصوص كلها لله وإن اتصف العبد بها ومتى لم يعتز العبد في حماه عن قيام الصفات الربانية به في العموم فما اعتز قط لأنه ما امتنع عنها وذلك إذا حكمت فيه عن غير أمر الله كفرعون وكل جبار ومن له هذه الصفة الحجابية وإن أخذها عن أمر الله ولكنه لما قام بها في الخلق وظهر بها اعتز في نفسه على أمثاله فلحق بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا وهم ملوك الإسلام وسلاطينهم وأمراؤهم فيفتخرون بالرياسة على المرءوسين جهلا منهم ولذلك لا يكون أحد أذل منهم في نفوسهم وعند الناس إذا عزلوا عن هذه المرتبة ومن كان في ولايته حاله مع الخلق حاله دون هذه الولاية ثم عزل لم يجد في نفسه أمر أ لم يكن عليه فبقي مشكورا عند الله وعند نفسه وعند المرءوسين الذين كانوا تحت حكم رياسته وهذا هو المعتز بالله بل العزيز الذي منع حماه أن يتصف بما ليس له إلا بحكم الجعل‏

[إن الله قد جعل في الوجود موطنا يكون فيه العبد المحقق القائم به صفة الحق في الخلافة معزا ربه‏]

ثم إن الله قد جعل في الوجود موطنا يكون فيه العبد المحقق القائم به صفة الحق في الخلافة معزا ربه إذا رأى اهتضام جانب الحق من القوم الذين قال الله فيهم وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ فيعزه العبد بحسن التعليم والتنزل باللفظ المحرر الرافع للشبه في قلوبهم حتى يعز الحق عندهم فيكون هذا العبد معزا للحق الذي في قلوب هؤلاء الذين ما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ قبل ذلك فانتزحوا عن ذلك وعبدوا إلها له العزة والكبرياء والتنزيه عما كانوا يصفونه به قبل هذا فهذا نصيبه وحظه من الاسم المعز فإنه حمى قلوب هؤلاء عن أن يتحكم فيهم ما لا يليق بالحق من سوء الاعتقاد والقول وقد ورد في القرآن من ذلك لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ ونَحْنُ أَغْنِياءُ وقولهم يَدُ الله مَغْلُولَةٌ وأمثال هذه الصفات‏

هو المعز ولكن ليس يدريه *** إلا الذي جل عن كيف وتشبيه‏

إن المعز الذي دلت دلائله *** على تنزهه عن كل تنزيه‏

من العباد فإن الحق يكذبه *** بما يقول به في كل تنبيه‏

والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!