الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«الحضرة البارئية وهي للاسم البارئ»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[13] - «الحضرة البارئية وهي للاسم البارئ»

برأ الله عليه خلقه *** فلذا كان على صورته‏

فهو يمشي في وجودي دائما *** بالذي يعلم من سيرته‏

[خلق الحق نفسه‏]

يدعى صاحبها عبد البارئ فمن أصحابنا من قصرها على كل مخلوق من الأرض العنصري خاصة ما لها سوى ذلك من الخلق وما عدا هذا الخلق المنسوب إلى أرض العنصر فخلق آخر ما هو عين هذا ومن أصحابنا من عمم الأمر في كل مخلوق من أرض الطبيعة فدخل فيه كل صورة طبيعية من جوهر الهيولى إلى كل صورة تظهر فيه فلم يدخل اللوح والقلم والملائكة المهيمة في هذا الخلق وجعل أولئك خلقا آخر والكل خلق في العماء الذي هو نفس الرحمن القابل لصور كل ما سوى الله وقد ورد ذلك في خلق الحق نفسه فردته العقول كلها لعدم فهمها من ذلك وما شعرت بأن كل صاحب مقالة في الله إنه يتصور في نفسه أمرا ما يقول فيه هو الله فيعبده وهو الله لا غيره وما خلقه في ذلك المحل إلا الله فهذا معنى ذلك الخبر واختلفت المقالات باختلاف نظر النظار فيه فكل صاحب نظر ما عبد ولا اعتقد إلا ما أوجده في محله وما وجد في محله وقلبه إلا مخلوق وليس هو إلا له الحق وفي تلك الصورة أعني المقالة تتجلى له وإن كانت العين من حيث ما هي واحدة ولكن هكذا تدركه وهذا معنى قول عليم الأسود حين ضرب بيده الأسطوانة فصارت ذهبا في عين الرائي فلما بهت الرائي عند ذلك قال له عليم يا هذا إن الأعيان لا تنقلب ولكن هكذا تراها لحقيقتك بربك يشير إلى ظهور الحق في صورة كل اعتقاد لكل معتقد وهذا هو الحق المخلوق به في نفس كل ذي عقد من ملك وجان وإنسان مقلد أو صاحب نظر فجاءت الأنبياء في الحق على مقالة واحدة لا تتبدل ولا تتغير بل عين ما أثبته الأول أثبته كل رسول بعده‏

ونبي إلى آخر من يخبر عن الله وادعوا أن ذلك مما أوحى به إليهم ولو لا ذلك لاختلفوا فيه كما اختلف أهل النظر فهم أقرب إلى الحق بل ما جاءوا إلا بالحق في ذلك ليصدق الآخر الأول والأول الآخر وهذه مقالة لا يقتضيها النظر الفكري أصلا لكن الكشف يعطيها وعلى كل حال فأنجى الطوائف من اعتقد في الله ما أخبر الحق به عن نفسه على ألسنة رسله فإنا نعلم أن الحق صادق القول فلو لا إن هذا الحكم عليه صحيح بوجه ما ما وجه به إرساله إلى الكافة من عباده ولو لا إن له وجها في كل معتقد ما وصف نفسه على ألسنة رسله بالتحول في صور الاعتقادات فقد برأ في نفس كل معتقد صورة حق يقول من يجدها هذا هو الحق الذي نستند إليه في وجودنا فلم ير المخلوق إلا مخلوقا فإنه لا يرى إلا معتقده والحق وراء ذلك كله من حيث عينه القابلة في عين الرائي والعاقل لهذه الصور لا في نفسها فإن الله غني عن العالمين بالعالمين كما تقول في صاحب المال إنه غني بالمال عن المال فهو الموجب له صفة الغناء عنده وهي مسألة دقيقة لطيفة الكشف فإن الشي‏ء لا يفتقر إلى نفسه فهو غني بنفسه عن نفسه لكونه عند نفسه يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله والله هُوَ الْغَنِيُّ عنكم الْحَمِيدُ الذي يرجع إليه عواقب الثناء وما يثنى عليه إلا بنا من حيث وجودنا وأما تنزيهه عما يجوز علينا فما وقع الثناء عليه إلا بنا فهو غني عنا بنا لأن كونه غنيا إنما هو غناه عنا فلا بد منا لثبوت هذا الغناء له نعتا ومن أراد أن يقرب عليه تصور هذا الأمر فلينظر إلى ما سمي به نفسه من كل اسم يطلبنا فلا بد منا فلذا لم يكن الغناء عنا إلا بنا إذ حكم الألوهية بالمألوه والربوبية بالمربوب والقادر بالمقدور فللربوبية سر لو ظهر لبطلت الربوبية كما إن للربوبية أيضا سرا لو ظهر لبطلت النبوة وهو ما يقتضيه النظر العقلي بأدلته في الإله إذا تجلى الحق فيه بطلت النبوة فيما أخبرت به عن الله مما لا تقبله العقول من حيث أدلتها وقد دلت على صدق المخبر فلها الرد والقبول فتقبل الخبر الوارد وترد الفهم فيه الذي يقع به المشاركة بين الله وبين خلقه وإذا رددت المفهوم الأول فقد بطلت النبوة في حقها التي ثبتت عند السوداء وأمثالها والنبوة لا تتبعض فإذا رد شي‏ء منها ردت كلها كما قال الله تعالى في حق من قال نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ونَكْفُرُ بِبَعْضٍ ويُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا فرجح جانب الكفر في الحكم على جانب الايمان وإنما رجح حكم الكفر لأحدية المخبر وصدقه عنده فيما أخبر به مطلقا من غير تقييد لاستحالة الكذب عليه فلا بد له من وجه صحيح فيما جاء به مما يرده العقل ولذلك المؤمن يتأول إذا كان صاحب نظر وإذا عجز علم إن له تأويلا يعجز عنه لا يعلمه إلا الله فيسلمه لله ولكن عن تأويل مجهول ما هو على مفهوم لفظه الظاهر وعند أهل الله كل الوجوه الداخلة تحت حيطة تلك الكلمة صحيحة صادقة ف هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وقد أعد الله للمؤمنين مَغْفِرَةً وأَجْراً عَظِيماً


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!