الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«الحضرة الإلهية وهي الاسم الله»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[1] - «الحضرة الإلهية وهي الاسم الله»

الله الله الله الذي حكمت *** آياته أنه في كونه الله‏

سبحانه جل أن يحظى به أحد *** من العباد فلا إله إلا هو

اختص باسم فلم يشركه من أحد *** فيه وذلك قول القائل الله‏

وهي الحضرة الجامعة للحضرات كلها ولذلك ما عبد عابد لله إلا هي وبذا حكم تعالى في قوله وقَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وقوله أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله‏

فلله ما يخفى ولله ما بدا *** نعم بل هو الله الذي ليس إلا هو

[كل اسم إلهى له أثر في الكون‏]

واعلم أنه لما كان في قوة الاسم الله بالوضع الأول كل اسم إلهي بل كل اسم له أثر في الكون يكون عن مسماه ناب مناب كل اسم لله تعالى فإذا قال قائل يا الله فانظر في حالة القائل التي بعثته على هذا النداء وانظر أي اسم إلهي يختص بتلك الحال فذلك الاسم الخاص هو الذي يناديه هذا الداعي بقوله يا الله لأن الاسم الله بالوضع الأول إنما مسماه ذات الحق عينها التي بيدها مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ فلهذا ناب الاسم الدال عليها على الخصوص مناب كل اسم إلهي ثم إن لهذا المسمى من حيث رجوع الأمر كله إليه اسم كل مسمى يفتقر إليه من معدن ونبات وحيوان وإنسان وفلك وملك وأمثال ذلك مما ينطلق عليه اسم مخلوق أو مبدع فهو تعالى المسمى بكل اسم لمسمى في العالم مما له أثر في الكون وما ثم إلا من له أثر في الكون وأما تضمنه لأسماء التنزيه فمأخذ ذلك قريب جدا وإن كان كل اسم إلهي بهذه المثابة من حيث دلالته‏

على ذات الحق جل جلاله وعز في سلطانه لكن لما كان ما عدا الاسم الله من الأسماء مع دلالته على ذات الحق يدل على معنى آخر من سلب أو إثبات بما فيه من الاشتقاق لم يقو في أحدية الدلالة على الذات قوة هذا الاسم كالرحمن وغيره من الأسماء الإلهية الحسنى وإن كان قد ورد قوله تعالى آمرا نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فالضمير في له يعود على المدعو به تعالى فإن المسمى الأصلي الزائد على الاشتقاق ليس إلا عينا واحدة ثم إن الله تعالى قد عصم هذا الاسم العلم أن يسمى به أحد غير ذات الحق جل جلاله ولهذا قال الله عز وجل في معرض الحجة على من نسب الألوهة إلى غير هذا المسمى قُلْ سَمُّوهُمْ فبهت الذي قيل له ذلك فإنه لو سماه سماه بغير الاسم الله وأما ما فيها من الجمعية فإن مدلولات الأسماء الزائدة على مفهوم الذات مختلفة كثيرة وما بأيدينا اسم مخلص علم للذات سوى هذا الاسم الله فالاسم الله يدل على الذات بحكم المطابقة كالاسماء الأعلام على مسمياتها وثم أسماء تدل على تنزيه وثم أسماء تدل على إثبات أعيان صفات وإن لم تقبل ذات الحق قيام الأعداد وهي الأسماء التي تعطي أعيان الصفات الثبوتية الذاتية كالعالم والقادر والمريد والسميع والبصير والحي والمجيب والشكور وأمثال ذلك وأسماء تعطي النعوت فلا يفهم منها في الإطلاق إلا النسب والإضافات كالأول والآخر والظاهر والباطن وأمثال ذلك وأسماء تعطي الأفعال كالخالق والرازق والبارئ والمصور وأمثال ذلك من الأسماء وانحصر الأمر وجميع الأسماء الإلهية بلغت ما بلغت لا بد أن ترجع إلى واحد من هذه الأقسام أو إلى أكثر من واحد مع ثبوت دلالة كل اسم منها على الذات لا بد من ذلك فهي حضرة تتضمن جميع الحضرات فمن عرف الله عرف كل شي‏ء ولا يعرف الله من لا يعرف شيئا واحدا أي مسمى كان من الممكنات وحكم الواحد منها حكم الكل في الدلالة على العلم بالله من حيث ما هو إله للعالم خاصة ثم إذا وقع لك الكشف بالعمل المشروع رأيت أنك ما علمته إلا به فكان عين الدليل هو عين المدلول عليه بذلك الدليل والدال وهذه الحضرة وإن كانت جامعة للحقائق كلها فأخص ما يختص بها من الأحوال الحيرة والعبادة والتنزيه فأما التنزيه وهو رفعته عن التشبيه بخلقه فهو يؤدي إلى الحيرة فيه وكذلك العبادة فأعطانا قوة الفكر لننظر بها فيما يعرفنا بأنفسنا وبه فاقتضى حكم هذه القوة أن لا مماثلة بيننا وبينه سبحانه وتعالى من وجه من الوجوه إلا استنادنا إليه في إيجاد أعياننا خاصة وغاية ما أعطى التنزيه إثبات النسب له بكسر النون بنا لما نطلبه من لوازم وجود أعياننا وهي المسمى بالصفات فإن قلنا إن تلك النسب أمور زائدة على ذاته وإنها وجودية ولا كمال له إلا بها وإن لم تكن كان ناقصا بالذات كاملا بالزائد الوجودي وإن قلنا ما هي هو ولا هي غيره كان خلفا من الكلام وقولا لا روح فيه يدل على نقص عقل قائله وقصوره في نظره أكثر من دلالته على تنزيهه وإن قلت ما هي هو ولا وجود لها وإنما هي نسب والنسب أمور عدمية جعلنا العدم له أثر في الوجود وتكثرت النسب لتكثر الأحكام التي أعطتها أعيان الممكنات وإن لم نقل شيئا من هذا كله عطلنا حكم هذه القوة النظرية وإن قلنا إن الأمور كلها لا حقيقة لها وإنما هي أوهام وسفسطة لا تحوي على طائل ولا ثقة لأحد بشي‏ء منها لا من طريق حسي ولا فكري عقلي فإن كان هذا القول صحيحا فقد علم فما هذا الدليل الذي أوصلنا إليه وإن لم يكن صحيحا فبأي شي‏ء علمنا أنه ليس بصحيح فإذا عجز العقل عن الوصول إلى العلم بشي‏ء من هذه الفصول رجعنا إلى الشرع ولا نقبله إلا بالعقل والشرع فرع عن أصل علمنا بالشارع وبأي صفة وصل إلينا وجود هذا الشرع وقد عجزنا عن معرفة الأصل فنحن عن الفرع وثبوته أعجز فإن تعامينا وقبلنا قوله إيمانا لأمر ضروري في نفوسنا لا نقدر على دفعه سمعناه ينسب إلى الله أمورا تقدح فيها الأدلة النظرية وبأي شي‏ء منها تمسكنا قابلة

الآخر فإن تأولنا ما جاء به لنرده إلى النظر العقلي فنكون قد عبدنا عقولنا وحملنا وجوده تعالى على وجودنا وهو لا يدرك بالقياس فأدانا تنزيهنا إلهنا إلى الحيرة فإن الطرق كلها قد تشوشت فصارت الحيرة مركز إليها ينتهي النظر العقلي والشرعي وأما العبادة فمن حيث هي ذاتية فليست سوى افتقار الممكن إلى المرجح وإنما أعني بالعبادة التكليف والتكليف لا يكون إلا لمن له الاقتدار على ما كلف به من الأفعال أو مسك النفس في المنهيات عن ارتكابها فمن وجه ننفي الأفعال عن المخلوق ونردها إلى المكلف‏

والشي‏ء لا يكلف نفسه فلا بد من محل يقبل الخطاب ليصح ومن وجه نثبت الأفعال للمخلوق بما تطلبه حكمة التكليف والنفي يقابل الإثبات فرمانا هذا النظر في الحيرة كما رمانا التنزيه والحيرة لا تعطي شيئا فالنظر العقلي يؤدي إلى الحيرة والتجلي يؤدي إلى الحيرة فما ثم إلا حائرة وما ثم حاكم إلا الحيرة وما ثم إلا الله كان بعضهم إذا تقابلت عنده هذه الأحكام في سره يقول يا حيرة يا دهشة يا حرقا لا يتقرى وما هذا الحكم لحضرة أخرى غير هذه الحضرة الإلهية


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!