الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


80. الموقف الثمانون

ورد في الصحيح: ((لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ))

يريد (عليه السلام) بطريق الإشارة أنه لا يصح ولا يستقيم لمن فتح الله عين بصيرته، وأراه سريان الأحدية بلا سريان، وقيام القيومية على كل ذّرة من ذرات الوجود، ورؤية الوجود الحق تعالى في كل شيء من غير حلول ولا اتحاد، أن يهجر شيئاً من المخلوقات، بأن يحتقره ويزدريه ويجعله كالشيء اللقى. فإن هذا لا يصحّ من عارف مشاهد، كان من كان ذلك المخلوق، حيواناً أو غيره وعلى أي دين كان، وعلى أية ملّة ونحلة حصل، فإنها كلّها شعائر الله، ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[الحج: 22/ 32]، أي من يعظم مخلوقات الله التي هي شعائر، فإن ذلك التعظيم من تقوى أهل القلوب، وهم أهل الشهود، روي أن عيسى (عليه السلام) مرَّ عليه خنزير، فقال له: عم صباحاً!! وما قال تعالى ـ فإنها من تقوى أهل العقول، ولا من التقوى. ولكن مع هذا الشهود وعدم الهجرة لشيء والاحتقار له والإعراض عنه، لابدَّ من الجهاد والنية، أي المجاهدة والقصد، أي الجمع بين شهود الحقيقة، وإجراء أحكام الشارع، من قتال مخالفي دين الإسلام، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وتغيير المنكر شرعاً، وتحسين ما حسنه الشرع، وتقبيح ما قبحه حكمة وعدلاً، لأنه تعالى قال لهذا العارف المشاهد، على لسان الرسول (صلى الله عليه وسلم): «إذا وجدتني متلبساً بأحوال أهل الكفر فاضرب عنقي، وإذ رأيتني متلبساً بأحوال أهل العصيان فازجرني، وأقم الحدود عليَّ، مع الشهود والمعرفة».

وهذا أصعب شيء يكابده العارفون.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!