الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


312. الموقف الثاني عشر بعد الثلاثمائة

قا ل تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء﴾[التوبة: 9/60].

اعلم أنَّ كل طالب شيئاً ضرورياً له، بحيث لا وجود له بدونه، أو ل بقاء لوجوده بدونه، أو لا ظهور له بدو نه، طلب حال أو طلب مقال، فهو فقير من حيث ذلك الشيء. ومعطيه إياه إن كان الحق تعالى فهو منعم متفضل، وإن كان المخلوق فهو متصدّق، من الصدق، وهو الشدّة. فإنَّ الإنسان لا يتصدّق ولا يعطي إلاَّ بشدّة، فإنه كما قال تعالى: ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ﴾[النساء: 4/128].

وقال: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾[الحشر: 59/9].

وفي الصحيح: ((مثل المنفق وا لبخيل، مثل رجلين عليهما جبتان، أو جنتان من حديد، قد اضطرت أيديهما على تراقيهما....)) الحديث بطوله.

فأنعم الله تعالى على الجوهر بإيجاد العرض، فإنه لا وجود له بدونه. وأنعم عليه العرض بإيجاد الجوهر، فإنه لا قيام له بدونه. وأنعم على الأسماء الإلهيّة بإيجاد العالم، فإنه لا ظهور لها إلاَّ به، ولا تأثير لها إلاَّ فيه. والمتصدقون طوائف: طائفة تعطي المتصدّق عليه رحمة به، مع رجاء ما وعد الله به المتصدّقين، وهؤلاء يفرقون في صدقاتهم بين المؤمن والكافر والمطيع والعاصي، نظرهم إلى ما ورد من الأمر باختيار الإنسان لصدقته. وطائفة أعلى منها، تعطي المتصدّق عليه لبقاء صورته مسّبحة لله تعالى ذاكرة له، وهؤلاء لا يفرقون بين مؤمن وكافر، ولا بين حيوان ناطق وصامت، بل ولا بين حيوان ونبات؛ نظرهم إلى أن كلّ صورة، كانت ماكانت مسبحّة لله تعالى مادامت باقية. وطائفة وهي أعلى الجميع، وقليل ماهم، تعطي المتصدّق عليه لبقاء ظهور آثار الأسماء الإلهية، فإنه لا ظهور له إلاَّ بالصور، وكلّ اسم انهد مناره خبت آثاره.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!