الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


210. الموقف العاشر بعد المائتين

قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾[محمد: 47/ 19].

متعلق الأمر بالعلم إنما هو المرتبة الألوهية، فإنها كالخلافة للخليفة، فهي التي تعلم ولا تشهد من كل وجه، والعلم المأمور به، العلم الزائد على مافي الفطرة، لأن الأمر بتحصيل الحاصل محال، إذا ما جهلها أحد من كل وجه، وقال تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ﴾[آل عمران: 3/ 28]، [آل عمران: 3/ 30].

متعلق النهي والتحذير، إنما هو الذات، فإنها التي لا تعلم ولكن تشهد، فإذ علمت فلا تقل إنك شهدت. فما كل معلوم يشهد، وإذا شهدت فلا تقل إنك علمت، إذ العلم يقتضي الإحاطة، والإحاطة محال، فالعلم محال، وكل حقيقة، العلم بها غير الجهل بها، إلاَّ هذه، فإن الجهل بها عين العلم بها، فهي النكرة التي لا تتعرّف، والمعرفة التي ل تتخلف، إنما تنكر لو كان هناك شيء سواها ولا يكون. وإنما تعرف لو عرف مبدؤه ومنتهاها ولا يكون. ياللحيرة العمياء، والداهية الدهياء، والمهلكة الفيحاء!! الصفات هي المدركة لأنها الظاهرة بآثارها، فليس المدرك المشهود إلاَّ الصفات ل الذات، بل الذات هي المدركة المشهودة لا الصفات، إذ الذات هي المقومة للصفات، عندم أراد العقل أن يطير في هذا الفضاء الواسع المظلم، قيل له: الزم مكانك واعرف مقامك، فإنه لا رسم ثمّة ولا أَثر، ولا حديث ولا خبر، فعصى وطار فما وجد أثراً ولا عين، ول من ولا إلى ولا أين، فرجع مكسور الجناحين، مكفوف العينين، بخفيّ حنين، فقيل له: قد قيل لك من قبل: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ﴾[آل عمران: 3/ 28]، [آل عمران: 3/ 30]

فما حذّرك إلاَّ رأفة ورحمة بك، فعصيت وأبيت، وزعمت وتمنيت، فارجع إلى طريق غير طريقك، وأصحب فريقاً غير فريقك، فما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!