Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


204. الموقف الرابع بعد المائتين

قال تعالى: ﴿ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾[المائدة: 5/ 32].

اعلم أنَّ لكلّ إنسان نفسين: نفس مدبّرة، وهي النفس الروحانية الربّانية العلوية، ونفس مدبّرة (اسم مفعول) وهي النفس الطبيعية العنصرية السفلية الحيوانية، وحقيقتها كيفيّة تعرض بين النفس الروحانية الكلية وبين الجسم. فهي مثلاً كالصورة في المرآة عند المقابلة، بواسطتها يصل تدبير النفس الروحانية للجسم. وباختلاف القوابل لتجلي النفس المقبول تعددت النفوس، وتميّزت وصح الإطلاق على المقبول الواحد بالتعدّد فمن قال: زوال الصورة الحاصلة في المرآة مثلاً هو الموت، قال: الموت أمر وجودي. ومن قال: عدم التجلّي هو الموت، قال: الموت أمر عدمي أي عدم الحياة. فتقابل الموت والحياة إمَّا تقابل عدم وملكة، وإمَّا تقابل تضاد، عند بعض سادات القوم. ولما كانت النفس واحدة للعالم جميعه، والقوابل تقبل بحسب استعداداته من ذلك التجلّي كان: ﴿ مَن قَتَلَ نَفْساً﴾[المائدة: 5/ 32].

أي من كان سبباً في إبطال تصرف النفس الكلّية في الجسم "بغير نفس" أي بغير إذن شرعي. وإنما وقع النص على النفس والفساد في الأرض لأنه الغالب: ﴿ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾[المائدة: 5/ 32].

ودخل في الناس جميعاً نفس القاتل، فكان قاتل نفسه؛ بمعنى كان عليه وزر من قتل جميع الناس، وقتل نفسه، وذلك لوحدة النفس الكلّية. وهذا معنى قوله في سورة البقرة: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾[البقرة: 2/ 84].

إلى أن قال: ﴿ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾[البقرة: 2/ 85].

وما قتلوا أنفسهم في الحس، وإنما قتلوا أعداءهم ب الظلمة و الحميّة الجاهلية. ولشرف الإنسان خصّه الحق تعالى بهذا، وإلاَّ فالقياس أن يكون الحكم عاماً في كلّ من كان سبباً في منع تجلّي النفس على جسم من الأجسام، بغير إذن شرعي، من جماد ونبات وحيوان وإنسان، إذ لكل منها نفس تليق به، تظهر آثار النفس المدبّرة فيه بحسب استعداده.

﴿ومَنْ أَحْيَاهَا﴾ أي كان سبباً في إبقاء وصول تجلّي النفس على الجسم الإنساني، بمعنى دفع الهلاك المتوجه على إنسان، بحيث أنه لولا هو في بادئ الرأي لهلك ذلك الإنسان، كإطعامه في مسغبة، وسقيه عند عدم الماء، وتخليصه من حيوان مفترس أو دفع ظالم يريد قتله، كأنما أحيا الناس جميعاً، فيكون له أجر من أحيا جميع الناس، لما تقدم من وحدة النفس.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!