الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


202. الموقف الثاني بعد المائتين

قال تعالى: في تعدد صفات السيد الكامل (صلى الله عليه وسلم) : ﴿وَسِرَاجاً مُّنِيراً﴾[الأحزاب: 33/ 46].

اعلم أن الإنارة لازمة للسراج، وكما يصح أن يكون منيراً صفة كاشفة يصح أن يكون بمعنى جعل الغير منيراً، فإنه ورد متعدياً ولازماً، فهو (* السراج المنير لكل سراج، أي يجعله سراجاً منيراً، وكما أنَّ السراج المحسوس، إذا أسرجت منه سُرُجٌ كثيرة، فلا شك أن ذلك السراج الواحد كان متضمناً لتلك السرج الكثيرة كلها، فكانت فيه بالقوة، ثم خرجت إلى الحسّ، وانفصلت عنه في الوهم، فهي هو في الحقيقة و العلم، وهي غيره في الوهم والحكم؛ فكذا الحقيقة المحمدّية هي المنيرة لكل سراج منير حسّاً ومعنى، من نبيّ وولي، وملك وشمس، وقمر ونجم، فإنها المظهر الأول و الحقيقة الكلية الجامعة، و السرج المنيرة كلها فيها بالقوة وتظهر بالفعل آناً بعد آن، أعني تظهر هي متعيّنة بتعيّن خاصّ، متميّزة بتميّز . فالسرج المنيرة غيرها بحسب التعين والتميز الاعتياديين ، وهي عينها، بحسب الحقيقة و العين، كالرجل الواحد برز في الملابس المتعددة المختلفة، فهو هو من حيث الحقيقة في كل لبسة، وهو غيره بحسب اختلاف الملابس وتعددها.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!