الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب التاسع والخمسون وخمسمائة في معرفة أسرار وحقائق من منازل مختلفة]

(و قال) : من مال إلى الآمال اخترمته الآجال ليس بالمواتي من اشتغل بالماضي والآتي والحليم الأواه من كان مشتغلا باللّه ومن كان عبدا لغير اللّه فما عبد إلا هواه لأن العدو أخذ به عن طريق هداه. وقال: في قوله تعالى: حَتّٰى نَعْلَمَ [محمد: 31] ما علم الشيء قبل كونه فما علمه من حيث كونه العلم يتغير بتغير المعلوم ولا يتغير المعلوم إلا بالعلم فقولوا لنا: كيف الحكم هذه مسألة حارت فيها العقول وما ورد فيها منقول وقال: لا نقل نحن إياه لقوله: فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اَللّٰهِ [التوبة: 6] فأنت الترجمان، والمتكلم الرحمن فقيده كلام اللّه بالأمكنة بكونه في المصاحف والألسنة يقول القارئ قال اللّه. ثم إنه يتلو الحروف ظروف والصفة غير الموصوف عند أهل الكشف والشهود وهو عين المقصود فإذا نطقت فاشهد بمن تنطق التنزيه تحديد فلا تقل بالتجريد وقال في حديث: «شتمني ابن آدم من اشتكى إلى غير مشتكي فقد حال عن الطريق وعرج عن مناهج التحقيق ولو لا اقتدار العبد على دفع الأذى ما شكا الحق إليه ذا فالخلق مشتكي الحق والحق مشتكي الخلق ومن شكا إلى جنسه فما شكا إلا إلى نفسه. وقال من ذل للّه فقد أشبه الفروع ومن تكبر فقد أشبه الأصول فالرجوع إلى الفروع أولى من الوصول إلى الأصول. وقال: إذا أراد الحق تعالى بعبده أن يقطع أمله أشهده أجله وإذا بدل اللّه سيئات عبده حسنات يود أنه لو كان أتى بقراب الأرض خطاي وحمل ذنوب جميع البرايا لما يعاينه من حسن التحويل وجميع صور التبديل ففاز هذا في الدنيا باتباع الهوى وفي الآخرة بجنة المأوى وعلى هذا جزاء بعض المذنبين أعظم من جزاء بعض المحسنين فيبدو للمذنبين من الخير ما لم يكونوا يحتسبون وأكثر الناس في الدنيا بهذا لا يشعرون فحسنوا يا إخوتي ظنكم بربكم تفوزوا بقربكم. وقال: الأخذ بالعزائم نعت الرجل الجازم أولو العزم من الرسل هم الذين لقوا الشدائد في تمهيد السبل ما جمح إلى الرخص إلا من يقع في الغصص من سلك هنا ما توعر تيسر له في آخرته ما تعسر فما أثقل ظهرك سوى وزرك فهنا تحط الأثقال أثقال الأعمال والأقوال، فاحذر من الابتداع في حال الاتباع وقال: التخلق بالأسماء الإلهية على الإطلاق من أصعب الأخلاق لما فيها من الخلاف والوفاق، فإياك أن يظهر مثل هذا عنك قبل أن تشهد مشهد من قال: أعوذ بك منك فمن استعاذ وإلى من لاذا نظر.

(و قال) : موافقة الأمثال من شأن الرجال ومن ألزم نفسه بحال فهو شديد المحال فإن الرباط ملازمة والملازمة في الإلهيات مقاومة. وقال: جنة النعيم لأصحاب العلوم وجنة الفردوس لأصحاب الفهوم وجنة المأوى لأهل التقوى وجنة عدن للقائمين بالوزن وجنة الخلد للمقيمين على الود وجنة المقامة لأهل الكرامة. وقال: الاعتدال وبال لا يكون مع الاعتدال إلا دوام الحال انظر في وجود الخلق تجده عن إرادة الحق والإرادة انحراف بلا خلاف فأين الاعتدال والأصل ميال فما ثم إلا ميل عن ميل لطلب النيل لو كان ثم اعتدال ما هوى إنسان ولا مال التنزيه ميل والتشبيه ميل والاعتدال هو ما بين هذين وهذا لا يصح في العين لو كان ثم اعتدال لكان في الوقفة ولم يكن يميل من الميزان كفة من قال بالاستواء والزوال. قال: بالانحراف والاعتدال ولَهُ مٰا سَكَنَ فِي اَللَّيْلِ واَلنَّهٰارِ [الأنعام: 13] وما ثم ساكن في الأغيار لا في البصائر ولا في الأبصار لا تراه جعله عبرة لأولي الأبصار فانظر واعتبر. وقال الحق في الاعتدال: فمن جار وعدل فقد مال، لكن إن مال لك فقد أفضل وإن مال عليك فقد أبخس 7 . وقال: إنما اشترك الزوجان في الالتحام لأنه نظام التوالد فإن لم وإلا فالأولى التباعد إذ التباعد فيه التنزيه، والانتظام فيه التشبيه، وإنما حمدناه فيمن تولد عنه به وقربناه من قال إنه وحد فقد ألحد إذ الأحدية للّه لا تكون بتوحيد أحد ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) [الإخلاص:4] عجبا في تنزيهه عن الصاحبة والولد حتى لا يكون معه أحد وعنه وجد ما وجد من العالم من ذي روح، وجسم وجسد، ثم إن ولادة البراهين الصحاح عن نكاح عقول، وشرائع ما فيه جناح، وأما ما تولد عن نكاح الشبه في العقول والأشباح فهو سفاح وهذا الباب مقفل وقد رميت إليك بالمفتاح. وقال: لما دعا اللّه تعالى الأرواح من هياكلها بمشاكلها حنت إلى ذلك الدعاء وهان عليها مفارقة الوعاء فكان لها الانفساخ بالسراح من هذه الأشباح ثم إذا وقعت الإعادة عادت إلى ما كانت عليه روحا وجسما هذا معنى الرجوع. وقال اسوداد الوجوه من الحق المكروه وكالغيبة والنميمة وإفشاء السر فهو مذموم وإن كان صدقا فلذلك قال اللّه تعالى: لِيَسْئَلَ اَلصّٰادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ [الأحزاب: 8] أي هل أذن لهم في إفشائه أم لا فما كل صدق حق واعلم أنه لو كان نسبتنا إليه حقا ما ذم أحد خلقا ولو ذمه لكفر ولو كان ما استتر فهو تعالى المعروف بأنه غير معروف والحق الذي يقال: ما قبح وذم فمنا، وما حسن وحمد فمما خرج عنا. وقال العارف مسود الوجه في الدنيا والآخرة، لكن اسوداد السيادة لما كان عليه من العبادة فإن وجه الشيء كونه وذاته وعينه وقال في قوله: وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: 114] الإنسان مجبول على الطمع فلا يقال فيه يوما إنه قنع فإن قنع فقد جهل وأساء الأدب ومن هنا كان العارف لا يزهد قط في الطلب وما أراد منك بذلك إلا دوام الافتقار في الليل والنهار فَإِذٰا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ( 7 ) وإِلىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ ( 8 ) [الشرح: 7 - 8] ولا يتقبل الحق من العباد إلا بما به عليهم جاد فمنه بدأ الجود وإليه يعود فيا من يطلب القديم أنت عديم فقل لربك إنما نحن بك ولك خلقتنا لنعبدك وفي عبادتنا نشهدك ثم على قدر ما سألناك من الشهادة تنقصنا من العبادة.

(و قال) : لا يؤثر الحرص في القدر إلا إذا كان من القدر وكم من حريص لم يحصل على طائل لعدم الأمر من القائل من قصرت همته في طلب المزيد فليس من كمل العبيد لا تستكثر ما وهبك فإنه لو وهبك كل ما دخل في الوجود لكان قليلا بالنظر إلى ما دخل في خزائن الجود فإياك والزهد في المواهب فإنه سوء أدب مع الواهب فإنه ما وهبك إلا ما خلق لك. وقال: لما علم الأكابر أن الأمور كلها في يديه اعتمدوا منه عليه فعلموا أن الحق للّه وضل عنهم ما كانوا يفترون ولو ارتفعت الحاجات، وزالت الفاقات لبطلت الحكمة، وتراكمت الظلمة ولاحت الأسرار وزال كل شيء عنده بمقدار فذهب الاعتبار وهذا لا يرتفع فلا بد من الاعتماد في العباد لأن العبودية تطلب بذاتها الربوبية حقيقة وخليقة. وقال: ما حجب الرجال إلا وجود الأمثال ولهذا نفى الحق المثلية عن نفسه تنزيها لقدسه وكل ما تصورته ومثلته وخيلته فهو هالك واللّه تعالى بخلاف ذلك هذا عقد الجماعة إلى قيام الساعة. وقال: كيف يصح المزيد بالتحميد والتمجيد واللّه تعالى قد أعطى كل شيء خلقه ووفاه حقه فعين الشكر هو عين النعم والناس في غفلة معرضون وأكثرهم لا يشكرون. (و قال) : الدنيا متاع قليل وكل من فيها أبناء سبيل فما من جيل ولا قبيل إلا وهو مملوك للقطمير، والنقير، والفتيل. فأكثر الناس تائه، ولهذا قنعوا بالتافه ليس في الكثرة زيادة إلا في عالم الشهادة وأما في عالم الغيب فما في التساوي ريب من رضي بالقليل عاش في ظل ظليل وكل ما في الوجود قليل ومن لم يأته غرضه طال في الدنيا مرضه قال تعالى: رَضِيَ اَللّٰهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ [البينة: 8] فالرضا منا ومنه وقال: لا يرضى بالقليل إلا من لا يعرف دبيرا من قبيل اعتناء الحق بالنقير يدل على أنه كبير لا يخفى على ذوي عينين أن للّه عناية بكل ما في الكونين وإخراج الشيء من العدم إلى الوجود برهان على أنه في منازل السعود من طلب من الحق الوفاء فقد ناط به تعالى الجفاء وليس برب جاف بلا خلاف وإذا كان الكل منه فما معنى رَضِيَ اَللّٰهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ [البينة:8] كل ما في العالم لديه وحاضر بين يديه لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول وما كل فريضة تقتضي العول كما لا ينكح الأمة إلا من لم يجد الطول. (و قال) : ما حال بينك وبين حقك إلا عجلتك بنطقك، فإن الرزق مقسوم، ولا ينقص، ولا يزيد بسؤال أحد من العبيد مع أن طلب المزيد مركوز في الجبلة في كل نحلة وملة، وما جعل القضاء يتأخر إلا القضاء المقدر لو كانت العلة في الأزل لكان المعلول لم يزل فلا معلول ولا علة وقد تظهر الشبه في صورة الأدلة البراهين لا تحظى فإنها قوية السلطان وإنما الخطأ راجع إلى المبرهن وإذا كان الدليل لا يعرف إلا بالدليل فما إلى علمه من سبيل من علمت به معلوما وما جهلته فما علمته لأنك أعلمته به فانتبه. (و قال) : الموت للمؤمن تحفة، والنعش له محفة لأنه ينقله من الدنيا إلى محل لا فتنة فيه ولا بلوى فليس بخاسر، ولا مغبون من كان أمله المنون فاز فيه اللقاء الإلهي، والبقاء الكوني.

قال: الحصاد في القبر والبيدر في الحشر والاختزان في الدار الحيوان ذبح الموت، وإن كان حسرة ففيه بشرى بانقطاع الكرة أين الرد في الحافرة من قوله: ونُنْشِئَكُمْ فِي مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ [الواقعة: 61] ذبح الموت علامة للخلود في النحوس، والسعود وفي ذبحه ثبوت عزله وانتقاض غزله. وقال: إن للّه تعالى رجالا يساقون إلى الجنة بالسلاسل لعناية سبقت وكلمة حقت وصدقت فدخلوا الجنة بلا تعب ولا نصب ولا جدال ولا شغب. وقال: من أعجب ما في البلاء من الفتن قوله تعالى: ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ [محمد: 31] وهو العالم بما يكون منهم فافهم. وإذا فهمت فاكتم وإن سئلت فقل: اللّه أعلم العالم في أوقات يتجاهل وعن الجاهل يتغافل واللّه ليس بغافل وهو معكم في جميع المحافل فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين.

(و قال) : إذا ربط تعالى مشيئته بلو فهو لو شاء اللّه كذا وما يشاء ولو نشاء لصح المشاء ولو حرف امتناع لامتناع فكيف يستطاع ما لا يستطاع إذا تنوع الواحد فليس بواحد ولا بد من أمر زائد وليس العجب عند العليم إلا تنوع إرادة القديم. وقال: دليل العقول قد يخالف ما صح عندها من المعقول إياك واتباع المتشابه أيها الواله فما يتبعه إلا الزائغ وما يترك تأويله إلا العاقل البالغ فإن جاءه من ربه في ذلك الشفا فهو المعبر عنه المصطفى. وقال: لو راقب الناس مولاهم في دنياهم لأمنوه في أخراهم، ومن ارتفع في هذه الدار سقط وهنا وقع الغلط. وقال: ذبح النفوس أعظم في الألم من الذبح المحسوس، ومخالفة الآراء أعظم في الشدة من مقابلة الأعداء ومجانبة الأعراض غاية الأمراض ومن فاز بمخالفة نفسه سكن حضرة قدسه. وقال: السيد خادم فهو في طاعة عبده قائم السيد أحق باسم الخادم من الغير لأن بيده جميع الخير يحكم في عبده لعبده فهو يحكم عبده لو حكم لنفسه لبقي في قدسه لا تكن من الملوك لأن الملك مملوك من صحت سيادته صح تعبه وكبر واللّه نصبه هم لازم وغم دائم فإنه لو ترك خدمة عبده انعزل، وكان ممن عصى المرتبة فزل كلكم راع ومسؤول عن رعيته. وقال: إذا مزجت فقلل، ولا تعلل، ومازح العجوز وذا النغير ولا تقل إلا الخير كما قال الشارع: «يا أبا عمير ما فعل النغير» وقال: «العجوز لا تدخل الجنة» لرده تعالى عليها شبابها وإن لم يكن المزح هكذا فهو أذى والإذاية من الكريم محال، ولو لا صلابة الدين ما كان من المازحين لأنه يذهب بالهيبة، والوقار عند المطموسين الأبصار ألا تنظر إلى رب العباد في قصة هناد حين أخرجه واستدرجه إلى أن قال له: أتهزأ بي وأنت رب العالمين فاضحكه هذا القول كان المقصود من اللّه به ولهذا ما أهلكه بل أعطاه وخوله وملكه، فسرت هذه الحقيقة في كل طريقة ولو لم يصح بها النعيم ما اتصف بها النبي الكريم.

(و قال) : لا تفرط في الرخاوة تكن غشاوة وهي مذمومة كالقساوة مع أن الرخاوة في الدين من الدين ولهذا امتن اللّه تعالى على نبيه بجعله من أهل اللين في قوله: فَبِمٰا رَحْمَةٍ مِنَ اَللّٰهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: 159] ولهذا فضلهم ولو كان فظا في فعله وقوله «لانفضوا من حوله» وإذا كانوا مع العفو واللين لا يقبلون، فكيف مع الشدة والفظاظة لا ينفرون. الأفعى يتقى ضيرها مع أنه يرجى خيرها إذ هي من حملة عقاقير الترياق الذي يرد النفس إذا بلغت التراق ومع ذلك فما قام خيرها بشرها فاعتبروا يا أولي الأبصار وقال: ومن استحيا أمات، وأحيا من لا يكون إلا ما يريد لا يستحي من العبيد وإن استحيا في حال ما فلطلب الاسم المسمى لو لا التكليف ما ظهر فضل العفيف وإذا كانت القوة مخصوصة باللطيف فكيف يحجبه الكثيف. وقال: الرفيق رقيق، وصحبة الرفيق الأعلى أولى، وقد اختار هذا الرفيق من أبان الطريق فإنه خير فاختار ورحل عنا ومار وذلك ليلحق بالمتقدم السابق، ويلتحق به المتأخر اللاحق ولعلمه أنه لا بد من الاجتماع اختيار الخروج من الضيق إلى الاتساع ألا ترى يونس لما نادى ربه نجّاه من الغم وكان في بطن الحوت فقذفه على ساحل اليم وأثبت عليه اليقطين لنعومته، ونفرة الذباب عن حومته، فهذا الغزل الدقيق من إشفاق الرقيق. وقال: الحادث لا يخلو عن الحوادث لو حل بالحادث الذكر القديم لصح قول أهل التجسيم القديم لا يحل ولا يكون محلا ذكر القرآن أمان وبه يجب الإيمان أنه كلام الرحمن مع تقطع حروفه في اللسان ونظمها فيم رقمه باليراع البيان فحدثت الألواح والأقلام، وما حدث الكلام وحكمت على العقول الأوهام بما عجزت عن إدراكه الأحلام. وقال: الذكر القديم هو ذكر الحق وإن نطق به الخلق كما أن الذكر الحادث ما نطق به لسان الحق وإن كان هو كلام الخلق إذا كان الحق تعالى لسان العبد فالذكر قديم ومزاجه بالعبد من تسنيم إن اللّه تعالى قال على لسان عبده: سمع اللّه لمن حمده فافهم.

(و قال) : لو لا الحواس ما ثبت القياس ولا شك أن الأمور كلها معلولة، والكيفية من اللّه مجهولة انفرد بعلم العلل فأصله الأبد من الأزل حلت المثلات بأهل التفكر في المحدثات لأنه لا بد من وجه جامع بين الدليل والمدلول في قضايا العقول، والحق لا يدرك بالدليل فليس إلى معرفته سبيل وقد دعانا إلى معرفته وما دعانا إلا لصفته فلا بد من صفة تتعلق بها المعرفة وما تم في العقل إلا صفة تنزيه والنقل ضم معها صفة التشبيه فعلى ما هو المعول الآخر والأول.

وقال الفتى: لا يقول قط متى بل يبادر الوقت خوف المقت لا فتى إلا عليّ لأنه الوصي، والولي الفتى من كان على قدم حذيفة في علم السر. وقال ما فتى من زعم أنه فتى، الفتى هو الكليم، ولكن أين رتبة كلام الحق له من اتباعه الخضر طلبا للتعليم؟ الفتى من لا يزال طالبا ومن الجهل هاربا. وقال: الغيور سريع النفور فيخطئ أكثر مما يصيب والحق أغير منه فكيف لا تأخذ عنه فرق تعالى بين النكاح والسفاح حتى تتميز الأرواح والزنا لا بد في الوجود منه وقد قال لصاحبه: استتر منه وصنه، هذا مع أنه يعلم به ويراد وقدره وأمضاه ثم مع ذلك نهاه فهو وإن استتر عن أبناء جنسه فما تستر عمن هو أقرب إليه من نفسه. وقال: الأمر بين قرنين ومٰا جَعَلَ اَللّٰهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب: 4] لكن جعل لكل قلب وجهين لأنه تعالى خلق مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ [هود:40] فبنى الجمع على الشفع وما ثم إلا وتر به الحق وهذه أسرار ما عليها غبار وإن عميت عنها الأبصار وإليها الإشارة بنعم عقبى الدار وأنت الدار وعليك المدار. وقال: القرآن أحق بالتعظيم من السلطان لأن القرآن لا يجور والسلطان قد يجور، فلا يحجبك عما قلناه إن اللّه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن فإن ذلك إنما هو من حيث أن السلطان ناطق، والقرآن صامت فاعلم الفرقان تفهم القرآن. وقال: الإخبار يعرب عن الإسرار والإخبار كما يشهد للمؤمن بالإيمان كذلك يشهد عليه بالبهتان والدليل على ذلك خبر الهدهد فيما أخبر به سليمان: قٰالَ سَنَنْظُرُ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ اَلْكٰاذِبِينَ ( 27 ) [النمل: 27] فإن شهد له العيان والضرورة من الجنان وقع الإيمان وإلا لحق بالبهتان لو كان مطلق الإيمان يعطي السعادة لكان المؤمن بالباطل في أكبر عبادة ومن آمن بالباطل أنه باطل فحاله غير عاطل. وقال: قسم الشارع سبله إلى ثلاثة أقسام: إسلام، وإيمان، وإحسان، فبدأ بالإسلام وقرن به عمل الأجسام من تلفظ شهادتين وصلاة وزكاة وحج وصيام وثنى بالإيمان وهو ما يشهد به الجنان من الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره حلوه ومره والبعث الآخر إلى الدار الحيوان وثلث بالإحسان وهو إنزال المعنى منزلة المحسوس في العيان وليس إلا عالم الخيال. وقال: التروك وإن كانت عدما فهي نعوت فالزم السكوت الأمر بالشيء نهي عن ضده فهو ترك وهذا شرك لا يترك الأغيار إلا الأغيار ولو ترك الحق تعالى الخلق من كان يحفظه ويقوم به ويلحظه، فمن كمال التخلق بأسماء الحق الاشتغال باللّه وبالخلق لو تركت الأغيار لتركت التكاليف التي جاءت بها الأخبار ولو أنك تركت التكاليف لكنت معاندا عاصي وجاحدا. وقال: نصرة القوي محال فكيف الحال في قوله: إِنْ تَنْصُرُوا اَللّٰهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد: 7] وإن لم تنصروه يخذلكم وإذا خذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده فنصرته من جملة ما أخذ عليكم في عهده فيا أهل العهود أوفوا بالعقود ما أمركم اللّه بنصره إلا وأعطاكم الاشتراك في أمره فمن قال: لا قدرة لي ويعني الاقتدار فقد رد الأخبار وكان ممن نكث وألحق تكليف الحق بالعبث.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!