فصوص الحكم وخصوص الكلم
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
مع تعليقات الدكتور أبو العلا عفيفي
![]() |
![]() |
فيعلم بذلك ما وفق إليه موسى من غير «1» علم منه. إذ لو كان على «2» علم ما أنكر مثل ذلك على الخضر الذي قد شهد الله له عند موسى وزكاه وعدَّله «3». ومع هذا غفل موسى عن تزكية االله «4» وعما شرطه «5» عليه في اتباعه، رحمة بنا إذا نسينا أمر الله. ولو كان موسى عالماً بذلك لما قال له الخضر «ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً» أي إني على علم لم يحصل لك عن ذوق كما أنت على علم لا أعلمه أنا «15». فأنْصَفَ. وأما حكمة فراقه فلأن الرسول يقول الله فيه «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا». فوقف العلماء بالله الذين يعرفون قدر الرسالة والرسول عند هذا القول. وقد علم الخضر أن موسى رسول الله فأخذ يرقب ما يكون منه ليوفي الأدب حقه مع الرسول «6»: فقال له «إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي» فنهاه عن صحبته. فلما وقعت منه الثالثة قال: «هذا فِراقُ بَيْنِي وبَيْنِكَ». ولم يقل له موسى لا تفعل ولا طلب صحبته لعلمه بقدر الرتبة التي هو فيها التي نطقته بالنهي عن أن يصحبه. فسكت موسى ووقع الفراق. فانظر إلى كمال هذين الرجلين في العلم وتوفيقة الأدب الإلهي حقه وإنصاف الخضر فيما اعترف به عند موسى عليه السلام حيث قال له «أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا». فكان هذا الإعلام في الخضر لموسى دواء لما جرحه به في قوله «وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً» مع علمه بعلو رتبته بالرسالة، وليست تلك الرتبة للخضر. وظهر ذلك في الأمة المحمدية في حديث إبَار النخل، فقال عليه السلام لأصحابه «أنتم أعلم بمصالح دنياكم».
ولا شك أن العلم بالشيء خير من الجهل به: ولهذا «7» مدح الله نفسه بأنه بكل
(1) ب: ساقطة
(2) ب: عن
(3) عدله أي زكاه
(4) ب: الله له
(5) ا: شرطه
(6) ن: الرسل
(7) ا: وبهذا.
![]() |
![]() |
البحث في نص الكتاب
البحث في فصوص الحكم
يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!





