الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الطلاق: [الآية 4]

سورة الطلاق
وَٱلَّٰٓـِٔى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشْهُرٍ وَٱلَّٰٓـِٔى لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُو۟لَٰتُ ٱلْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مِنْ أَمْرِهِۦ يُسْرًا ﴿4﴾

تفسير الجلالين:

(واللائي) بهمزة وياء وبلا ياء في الموضعين (يئسن من المحيض) بمعنى الحيض (من نسائكم إن ارتبتم) شككتم في عدتهن (فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) لصغرهن فعدتهن ثلاثة أشهر والمسألتان في غير المتوفي عنهن أزواجهن أما هن فعدتهن ما في آية "" يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا "" (وأولات الأحمال أجلهن) انقضاء عدتهن مطلقات أو متوفى عنهن أزواجهن (أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) في الدنيا والآخرة.

تفسير الشيخ محي الدين:

لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7)


" لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها» من القوة على إقامة الدين ، فقد أعطاها اللّه أمرا وجوديا ، وهو التمكن الذي يجده الإنسان من نفسه ، وبذلك القدر صح أن يكون مكلفا ، فإن الشارع إنما يكلف العبد على حاله الذي يقدر عليه ، وخفف عليه أكثر من هذا بقوله تعالى «سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً»

متصلا بقوله تعالى «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها» وإن أعطاها وفعلته بمشقة هي عسر في حق المكلف ، فكان اليسر قوله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فما أشد رفقه بعباده! وإن اجتهد الإنسان وأخطأ بعد الاجتهاد فلا بأس عليه ، وهو غير مؤاخذ ، فإن اللّه ما كلف نفسا إلا ما آتاها ، فقد وفت بقسمها الذي أعطاها اللّه.

[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 إلى 12]

وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)

[ تنزل الأمر بين السماوات والأرضين: ]

فتق اللّه الأرض وجعلها سبعة أطباق كما فعل بالسماوات ، وجعل لكل أرض استعداد انفعال لأثر حركة فلك من أفلاك السماوات وشعاع كوكبها ، فالأرض الأولى التي نحن عليها للفلك الأول من هناك ، ثم تنزل إلى أن تنتهي إلى الأرض السابعة والسماء الدنيا ، وقوله


تعالى:" وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ " الظاهر يريد طباقا ، ثم قال"يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ "

أي بين السماوات والأراضين ، ولو كانت أرضا واحدة لقال بينهما ، هذا هو الظاهر ، والأمر النازل بينهن هو الذي أوحي في كل سماء ، وهذا الأمر الإلهي الذي يكون بين السماء الدنيا والأرض التي نحن عليها ينزل من السماء ثم يطلب أرضه ،

وهو قوله تعالى : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) فذلك الأمر هو الذي ينزل إلى أرضه بما أوحى اللّه فيه على عامر تلك الأرض من الصور والأرواح ؛ والأرض وإن كانت سبعة أطباق فقد يعسر في الحس الفصل بينهن ، مع علمنا بأن كل واحدة منهن لا تكون بحيث الأخرى ، كما لا يكون الجوهر بحيث جوهر آخر.

وفي هذا التنزل أسرار عظيمة ، وقد روي عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية :لو فسرتها لقلتم إني كافر ، وفي رواية لرجمتموني ؛ وإنها من أسرار آي القرآن .

واعلم أن للّه تعالى أرواحا من الملائكة الكرام مسخرة قد ولّاهم اللّه تعالى ، وجعل بأيديهم ما أوحى اللّه في السماوات من الأمور التي شاء سبحانه أن يجريها في عالم العناصر ، وأن اللّه جعل من السماء إلى الأرض معارج على عدد الخلائق ، وجعل سبحانه معارج الملائكة من الكرسي إلى السماوات ينزلون بالأوامر الإلهية المخصوصة بأهل السماوات ،

وهي أمور فرقانية ، وجعل من العرش إلى الكرسي معارج لملائكة ينزلون إلى الكرسي بالكلمة الواحدة غير منقسمة إلى الكرسي ،

فإذا وصلت الكلمة واحدة العين إلى الكرسي انفرقت فرقا على قدر ما أراد الرحمن أن يجري منها في عالم الخلق والأمر ، ومن النفس رقائق ممتدة إلى العرش منقسمة إلى فرقتين للقوتين اللتين النفس عليهما ، وهو اللوح المحفوظ وهو ذو وجهين ،

وتلك الرقائق التي بين اللوح والعرش بمنزلة المعارج للملائكة ، والمعاني النازلة في تلك الرقائق كالملائكة ، وينزل الأمر الإلهي من الكرسي على معراجه إلى السدرة إن كان لعالم السماوات القصد ، وإن كان لعالم الجنان لم ينزل من ذلك الموضع وظهر سلطانه في الجنان بحسب ما نزل إليه ؛

ثم إن الأمر الإلهي يتفرع من السدرة كما تتفرع أغصان الشجرة ، ويظهر فيه صور الثمرات بحسب ما يمده من العالم الذي ينزل إليه وقد انصبغ بصورة السدرة ، فينزل على المعراج إلى السماء الأولى فيتلقاه أهلها بالترحيب وحسن القبول والفرح ،

ويتلقاه من أرواح الأنبياء والخلق الذين قبضت أرواحهم بالموت وكان مقرها هنالك ، وتجد هنالك نهر الحياة يمشي إلى الجنة ، فإن كان له عنده أمانة ولا بد منها في كل أمر إلهي

- فإن الأمر الإلهي يعم جميع الموجودات - فيلقيه


في ذلك النهر مثل ما أعطى السدرة ، فيجري به النهر إلى الجنان . وفي كل نهر يجده هنالك مما يمشي إلى الجنة ،

وهنالك يجد النيل والفرات فيلقي إليهما ما أودع اللّه عنده من الأمانة التي ينبغي أن تكون لهما ، فتنزل تلك البركة في النهرين إلى الأرض فإنهما من أنهار الأرض ،

ويأخذ أرواح الأنبياء وعمار السماء الأولى منه ما بيده مما نزل به إليهم ، ويدخل البيت المعمور فيبتهج به وتسطع الأنوار في جوانبه وتأتي الملائكة السبعون ألفا الذين يدخلونه كل يوم ولا يعودون إليه أبدا .

ثم ينصب المعراج من السماء الأولى إلى السماء الثانية فينزل فيه الأمر الإلهي وهو على صورة السماء الأولى ، فينصبغ بصورة المعراج الذي ينزل فيه ،

ومعه الملائكة الموكلون به من السماء الأولى ومعه أرواح البروج والكواكب الثابتة كلها ، وينزل معه ملك من قوة كيوان لا بد من ذلك ،

فإذا وصل إلى السماء الثانية تلقته ملائكتها وما فيها من أرواح الخلائق وقوة بهرام في السماء الثانية فيعطيهم ما بيده لهم ،

وينزل إلى الثالثة وهو على صورة الثانية فينصبغ بصورة السلم الذي ينزل فيه ، والحال الحال مثل ما ذكرنا إلى أن ينتهي إلى السماء السابعة وهي السماء الدنيا ، فإذا أدّى إليهم ما بيده لهم ومعه قوة صاحب كل سماء فتحت أبواب السماء لنزوله ،

ونزلت معه قوى جميع الكواكب الثوابت والسيارة ، وقوى الأفلاك وقوى الحركات الفلكية كلها ، وكل صورة انتقل عنها مبطونة فيه ؛ فكل أمر إلهي ينزل فهو اسم إلهي عقلي نفسي عرشي كرسي ، فهو مجموع صور كل ما مر عليه في طريقه ،

فيخترق الكور ويؤثر في كل كرة بحسب ما تقبله طبيعتها إلى أن ينتهي إلى الأرض ، فيتجلى لقلوب الخلق فتقبله بحسب استعدادها وقبولها متنوع ، وذلك هو الخواطر التي تجدها الناس في قلوبهم ، فبها يسعون ، وبها يشتهون ، وبها يتحركون ،

طاعة كانت تلك الحركة أو معصية أو مباحة ، فجميع حركات العالم من معدن ونبات وحيوان وإنسان وملك أرضي وسماوي فمن ذلك التجلي ، الذي يكون من هذا الأمر الإلهي النازل إلى الأرض ، فيجد الناس في قلوبهم خواطر لا يعرفون أصلها وهذا هو أصلها ، ورسله إلى جميع ما في العالم الذي نزل إليه ما نزل معه من قوى الكواكب وحركات الأفلاك ، فهؤلاء هم رسل هذا الأمر الإلهي إلى حقائق هؤلاء العالم ، فتنمو به الناميات ، وتحيي به أمور ، وتموت به أمور ، ويظهر التأثيرات العلوية والسفلية في كل عالم بتلك الرسل التي يرسلها في العالم هذا الأمر الإلهي ، فإنه كالملك فيهم ، ولا يزال يعقبه أمر آخر ، ويعقب الآخر


آخر في كل نفس بتقدير العزيز العليم ، فإذا نفذ فيهم أمره وأراد الرجوع ، جاءته رسله من كل موجود بما ظهر من كل من بعثوا إليه صورا قائمة ، فيلبسها ذلك الأمر الإلهي من قبيح وحسن ، ويرجع على معراجه من حيث جاء إلى أن يقف بين يدي ربه اسما إليها ظاهرا بكل صورة ، فيقبل الحق ما شاء ويرد منها ما شاء على صاحبها من صور تناسبها ، فجعل مقر تلك الصور حيث شاء من علمه ،

فلا يزال تتابع الرسل إلى الأرض على هذه المعارج كما ذكرنا ، والأمر الإلهي ينزل من السماء الدنيا إلى الأرض في ثلاث سنين ، فكل شيء يظهر في كل شيء في الأرض فعند انقضاء ثلاث سنين من نزوله من السماء في كل زمان فرد ،

فالآثار في الأرض هي الأمر الإلهي الذي يتنزل بين السماء والأرض ، وهو في كل ما يتولد بينهما بين السماء بما ينزل منها وبين الأرض بما تقبل من هذا النزول للتكوين ، يدل على ذلك قوله تعالى «لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

إشارة إلى الصفة العملية فيهما ، فإن القدرة ما لها تعلق إلا بالإيجاد ، فعلمنا أن المقصود بهذا التنزل إنما هو التكوين ،

ثم تمم في الإخبار فقال : «وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً» إشارة إلى الصفة العلمية فيهما أي في القوتين العملية والعلمية ، فإن القدرة للإيجاد وهو العمل ، وهو العليم سبحانه بما يوجد ، القدير على إيجاد ما يريد إيجاده ، لا مانع له ، فجعل الأمر يتنزل بين السماء والأرض كالولد يظهر بين الأبوين ، وأحاط اللّه بكل شيء علما عند من رزقه اللّه فهما ،

فلا تعم الإحاطة كل شيء إلا إذا كانت معنى ، ولا يعلم الشيء من جميع وجوهه إلا اللّه عزّ وجل الذي أحاط بكل شيء علما ، سواء كان الشيء ثابتا أو موجودا أو متناهيا أو غير متناه ، فالمعلوم لا يزال محصورا في العلم ، لهذا كان المعلوم محاطا به

فقال تعالى : «أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً» من الواجبات والجائزات والمستحيلات ، وهو تعلق أعم من تعلق قوله تعالى : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً)

وإن كان بعض العلماء لا يسمي شيئا إلا الموجود ، فلا نبالي فإن اللّه قد أحاط بكل شيء علما ، وقد علم المحال ، ولو خصص صاحب هذا الاصطلاح العلم المحيط في هذه الآية بالموجودات ، فليس له دليل على ذلك إلا كونه اصطلح على أنه لا يسمي شيئا إلا الموجود ، فالإحاطة هنا على بابها في العموم ، والإحاطة عبارة عن تعلق العلم بالمعلومات الغير المتناهية هنا ، فيحيط بالمحال العلم أي معنى ، لعلمه من جميع الوجوه .


(66) سورة التحريم مدنيّة

------------

(7) الفتوحات ج 3 / 359 - ج 1 / 340 ، 475 - ج 3 / 229

تفسير ابن كثير:

يقول تعالى مبينا لعدة الآيسة - وهي التي قد انقطع عنها الحيض لكبرها - : أنها ثلاثة أشهر ، عوضا عن الثلاثة قروء في حق من تحيض ، كما دلت على ذلك آية " البقرة " وكذا الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض أن عدتهن كعدة الآيسة ثلاثة أشهر ; ولهذا قال : ( واللائي لم يحضن )

وقوله : ( إن ارتبتم ) فيه قولان :

أحدهما - وهو قول طائفة من السلف كمجاهد ، والزهري ، وابن زيد - : أي إن رأين دما وشككتم في كونه حيضا ، أو استحاضة ، وارتبتم فيه .

والقول الثاني : إن ارتبتم في حكم عدتهن ، ولم تعرفوه فهو ثلاث أشهر . وهذا مروي ، عن سعيد بن جبير . وهو اختيار ابن جرير وهو أظهر في المعنى ، واحتج عليه بما رواه عن أبي كريب ، وأبي السائب قالا : حدثنا ابن إدريس ، أخبرنا مطرف ، عن عمرو بن سالم قال : قال أبي بن كعب : يا رسول الله ، إن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب : الصغار ، والكبار ، وأولات الأحمال ، قال : فأنزل الله عز وجل : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن )

ورواه ابن أبي حاتم بأبسط من هذا السياق فقال : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، أخبرنا جرير ، عن مطرف ، عن عمر بن سالم ، عن أبي بن كعب ، قال : قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن ناسا من أهل المدينة لما أنزلت هذه الآية التي في " البقرة " في عدة النساء قالوا : لقد بقي من عدة النساء عدد لم يذكرن في القرآن : الصغار ، والكبار اللائي قد انقطع عنهن الحيض ، وذوات الحمل . قال : فأنزلت التي في النساء القصرى : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن )

وقوله : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) يقول تعالى : ومن كانت حاملا فعدتها بوضعه ، ولو كان بعد الطلاق أو الموت بفواق ناقة في قول جمهور العلماء من السلف والخلف ، كما هو نص هذه الآية الكريمة ، وكما وردت به السنة النبوية . وقد روي عن علي ، وابن عباس رضي الله عنهم أنهما ذهبا في المتوفى عنها زوجها أنها تعتد بأبعد الأجلين من الوضع أو الأشهر ، عملا بهذه الآية الكريمة ، والتي في سورة " البقرة " . وقد قال البخاري :

حدثنا سعد بن حفص ، حدثنا شيبان ، عن يحيى ، قال : أخبرني أبو سلمة قال : جاء رجل إلى ابن عباس ، - وأبو هريرة جالس - فقال : أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة . فقال : ابن عباس آخر الأجلين . قلت أنا : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) قال أبو هريرة : أنا مع ابن أخي - يعني أبا سلمة - فأرسل ابن عباس غلامه كريبا إلى أم سلمة يسألها ، فقالت : قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى ، فوضعت بعد موته بأربعين ليلة ، فخطبت ، فأنكحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو السنابل فيمن خطبها

هكذا أورد البخاري هذا الحديث ها هنا مختصرا . وقد رواه هو ، ومسلم ، وأصحاب الكتب مطولا من وجوه أخر ، وقال الإمام أحمد :

حدثنا حماد بن أسامة ، أخبرنا هشام ، عن أبيه ، عن المسور بن مخرمة ; أن سبيعة الأسلمية توفي عنها زوجها وهي حامل ، فلم تمكث إلا ليالي حتى وضعت ، فلما تعلت من نفاسها خطبت ، فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النكاح ، فأذن لها أن تنكح فنكحت .

ورواه البخاري في صحيحه ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق عنها كما قال مسلم بن الحجاج :

حدثني أبو الطاهر ، أخبرنا ابن وهب ، حدثني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها ، وعما قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استفتته . فكتب عمر بن عبد الله يخبره أن سبيعة أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة - وكان ممن شهد بدرا - فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال لها : مالي أراك متجملة ؟ لعلك ترجين النكاح ، إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر . قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي .

هذا لفظ مسلم . ورواه البخاري مختصرا ، ثم قال البخاري بعد ذلك ، أي : بعد رواية الحديث الأول عند هذه الآية :

وقال سليمان بن حرب ، وأبو النعمان : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن محمد - هو ابن سيرين - قال : كنت في حلقة فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله ، وكان أصحابه يعظمونه ، فذكر آخر الأجلين ، فحدثت بحديث سبيعة بنت الحارث ، عن عبد الله بن عتبة قال : فضمزلي بعض أصحابه ، وقال محمد : ففطنت له فقلت : له إني لجريء أن أكذب على عبد الله وهو في ناحية الكوفة . قال : فاستحيا وقال : لكن عمه لم يقل ذلك . فلقيت أبا عطية مالك بن عامر فسألته ، فذهب يحدثني بحديث سبيعة فقلت : هل سمعت عن عبد الله شيئا ؟ فقال : كنا عند عبد الله ، فقال : أتجعلون عليها التغليظ ، ولا تجعلون عليها الرخصة ؟ نزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن )

ورواه ابن جرير من طريق سفيان بن عيينة وإسماعيل بن علية ، عن أيوب به مختصرا ، ورواه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الأعلى ، عن خالد بن الحارث ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين فذكره

وقال ابن جرير : حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثني ابن شبرمة الكوفي ، عن إبراهيم ، عن علقمة بن قيس أن عبد الله بن مسعود ، قال : من شاء لاعنته ، ما نزلت : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها . قال : وإذا وضعت المتوفى عنها زوجها فقد حلت . يريد بآية المتوفى عنها زوجها ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) [ البقرة : 234 ]

وقد رواه النسائي من حديث سعيد بن أبي مريم به ، ثم قال ابن جرير :

حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : ذكر عند ابن مسعود آخر الأجلين ، فقال : من شاء قاسمته بالله إن هذه الآية التي في النساء القصرى نزلت بعد الأربعة الأشهر والعشر ، ثم قال : أجل الحامل أن تضع ما في بطنها .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : بلغ ابن مسعود أن عليا رضي الله عنه ، يقول : آخر الأجلين . فقال : من شاء لاعنته ، إن التي في النساء القصرى نزلت بعد البقرة : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن )

ورواه أبو داود ، وابن ماجه من حديث أبي معاوية ، عن الأعمش

وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي ، أخبرنا عبد الوهاب الثقفي ، حدثنا المثنى ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، عن أبي بن كعب قال : قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) المطلقة ثلاثا أو المتوفى عنها ؟ فقال : " هي المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها "

هذا حديث غريب جدا ، بل منكر ; لأن في إسناده المثنى بن الصباح وهو متروك الحديث بمرة ، ولكن رواه ابن أبي حاتم بسند آخر ، فقال :

حدثنا محمد بن داود السمناني ، حدثنا عمرو بن خالد - يعني : الحراني - حدثنا ابن لهيعة ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي بن كعب أنه لما نزلت هذه الآية قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا أدري أمشتركة أم مبهمة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أية آية ؟ " . قال : ( أجلهن أن يضعن حملهن ) المتوفى عنها والمطلقة ؟ قال : " نعم " .

وكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن موسى بن داود ، عن ابن لهيعة به . ثم رواه عن أبي كريب أيضا ، عن مالك بن إسماعيل ، عن ابن عيينة ، عن عبد الكريم بن أبي المخارق أنه حدث عن أبي بن كعب ، قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) قال : " أجل كل حامل أن تضع ما في بطنها "

عبد الكريم هذا ضعيف ، ولم يدرك أبيا .

وقوله : ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) أي : يسهل له أمره ، وييسره عليه ، ويجعل له فرجا قريبا ومخرجا عاجلا .


تفسير الطبري :

قوله تعالى {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر} فيه سبع مسائل: الأولى: قوله تعالى {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم} لما بين أمر الطلاق والرجعة في التي تحيض، وكانوا قد عرفوا عدة ذوات الأقراء، عرفهم في هذه السورة عدة التي لا ترى الدم وقال أبو عثمان عمر بن سالم : لما نزلت عدة النساء في سورة البقرة في المطلقة والمتوفى عنها زوجها قال أبي بن كعب : يا رسول الله، إن ناسا يقولون قد بقي من النساء من لم يذكر فيهن شيء : الصغار وذوات الحمل، فنزلت {واللائي يئسن} الآية. وقال مقاتل : لما ذكر قوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة : 228] قال خلاد بن النعمان : يا رسول الله، فما عدة التي لم تحض، وعدة التي انقطع حيضها، وعدة الحبلى؟ فنزلت {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم} يعني قعدن عن المحيض. وقيل : إن معاذ بن جبل سأل عن عدة الكبيرة التي يئست؛ فنزلت الآية. والله أعلم. وقال مجاهد : الآية واردة في المستحاضة لا تدري دم حيض هو أو دم علة. الثانية: قوله تعالى {إن ارتبتم} أي شككتم، وقيل تيقنتم. وهو من الأضداد؛ يكون شكا ويقينا كالظن. واختيار الطبري أن يكون المعنى : إن شككتم فلم تدروا ما الحكم فيهن. وقال الزجاج : إن ارتبتم في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن يحيض مثلها. القشيري : وفي هذا نظر؛ لأنا إذا شككنا هل بلغت سن اليأس لم نقل عدتها ثلاثة أشهر. والمعتبر في سن اليأس في قولٍ؛ أقصى عادة امرأة في العالم، وفي قوله : غالب نساء عشيرة المرأة. وقال مجاهد : قوله {إن ارتبتم} للمخاطبين؛ يعني إن لم تعلموا كم عدة اليائسة والتي لم تحض فالعدة هذه. وقيل : المعنى إن ارتبتم أن الدم الذي يظهر منها من أجل كبر أو من الحيض المعهود أو من الاستحاضة فالعدة ثلاثة أشهر. وقال عكرمة وقتادة : من الريبة المرأة المستحاضة التي لا يستقيم لها الحيض؛ تحيض في أول الشهر مرارا وفي الأشهر مرة. وقيل : إنه متصل بأول السورة. والمعنى : لا تخرجوهن من بيوتهن إن ارتبتم في انقضاء العدة. وهو أصح ما قيل فيه. الثالثة: المرتابة في عدتها لا تنكح حتى تستبرئ نفسها من ريبتها ولا تخرج من العدة إلا بارتفاع الريبة. وقد قيل في المرتابة التي ترفعها حيضتها وهي لا تدري ما ترفعها : إنها تنتظر سنة من يوم طلقها زوجها؛ منها تسعة أشهر استبراء، وثلاثة عدة. فإن طلقها فحاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفع عنها بغير يأس منها انتظرت تسعة أشهر، ثم ثلاثة من يوم طهرت من حيضتها ثم حلت للأزواج. وهذا قاله الشافعي بالعراق. فعلى قياس هذا القول تقيم الحرة المتوفى عنها زوجها المستبرأة بعد التسعة أشهر أربعة أشهر وعشرا، والأمة شهرين وخمس ليال بعد التسعة الأشهر. وروي عن الشافعي أيضا أن أقراءها على ما كانت حتى تبلغ سن اليائسات. وهو قول النخعي والثوري وغيرهما، وحكاه أبو عبيد عن أهل العراق. فإن كانت المرأة شابة وهي: المسألة الرابعة: استؤني بها هل هي حامل أم لا؛ فإن استبان حملها فإن أجلها وضعه. وإن لم يستبن فقال مالك : عدة التي ارتفع حيضها وهي شابة سنة. وبه قال أحمد وإسحاق ورووه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره. وأهل العراق يرون أن عدتها ثلاث حيض بعد ما كانت حاضت مرة واحدة في عمرها، وإن مكثت عشرين سنة، إلا أن تبلغ من الكبر مبلغا تيأس فيه من الحيض فتكون عدتها بعد الإياس ثلاثة أشهر. قال الثعلبي : وهذا الأصح من مذهب الشافعي وعليه جمهور العلماء. وروي ذلك عن ابن مسعود وأصحابه. قال الكيا: وهو الحق؛ لأن الله تعالى جعل عدة الآيسة ثلاثة أشهر؛ والمرتابة ليست آيسة. الخامسة: وأما من تأخر حيضها لمرض؛ فقال مالك وابن القاسم وعبدالله بن أصبغ : تعتد تسعة أشهر ثم ثلاثة. وقال أشهب : هي كالمرضع بعد الفطام بالحيض أو بالسنة. وقد طلق حبان بن منقذ امرأته وهي ترضع؛ فمكثت سنة لا تحيض لأجل الرضاع، ثم مرض حبان فخاف أن ترثه فخاصمها إلى عثمان وعنده علي وزيد، فقالا : نرى أن ترثه؛ لأنها ليست من القواعد ولا من الصغار؛ فمات حبان فورثته واعتدت عدة الوفاة. السادسة: ولو تأخر الحيض لغير مرض ولا رضاع فإنها تنتظر سنة لا حيض فيها، تسعة أشهر ثم ثلاثة؛ على ما ذكرناه. فتحل ما لم ترتب بحمل؛ فإن ارتابت بحمل أقامت أربعة أعوام، أو خمسة، أو سبعة؛ على اختلاف الروايات عن علمائنا. ومشهورها خمسة أعوام؛ فإن تجاوزتها حلت. وقال أشهب : لا تحل أبدا حتى تنقطع عنها الريبة. قال ابن العربي : وهو الصحيح؛ لأنه إذا جاز أن يبقى الولد في بطنها خمسة أعوام جاز أن يبقى عشرة وأكثر من ذلك. وقد روي عن مالك مثله. السابعة: وأما التي جهل حيضها بالاستحاضة ففيها ثلاثة أقوال : قال ابن المسيب : تعتد سنة. وهو قول الليث. قال الليث : عدة المطلقة وعدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت مستحاضة سنه. وهو مشهور قول علمائنا؛ سواء علمت دم حيضها من دم استحاضتها، وميزت ذلك أو لم تميزه، عدتها في ذلك كله عند مالك في تحصيل مذهبه سنة؛ منها تسعة أشهر استبراء وثلاثة عدة. وقال الشافعي في أحد أقواله : عدتها ثلاثة أشهر. وهو قول جماعة من التابعين والمتأخرين من القرويين. ابن العربي : وهو الصحيح عندي. وقال أبو عمر : المستحاضة إذا كان دمها ينفصل فعلمت إقبال حيضتها أو إدبارها اعتدت ثلاثة قروء. وهذا أصح في النظر، وأثبت في القياس والأثر. قوله تعالى {واللائي لم يحضن} يعني الصغيرة فعدتهن ثلاثة أشهر؛ فأضمر الخبر. وإنما كانت عدتها بالأشهر لعدم الأقراء فيها عادة، والأحكام إنما أجراها الله تعالى على العادات؛ فهي تعتد بالأشهر. فإذا رأت الدم في زمن احتماله عند النساء انتقلت إلى الدم لوجود الأصل، وإذا وجد الأصل لم يبق للبدل حكم؛ كما أن المسنة إذا اعتدت بالدم ثم ارتفع عادت إلى الأشهر. وهذا إجماع. قوله تعالى {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى {وأولات الأحمال أجلهن} وضع الحمل، وإن كان ظاهرا في المطلقة لأنه عليها عطف وإليها رجع عقب الكلام؛ فإنه في المتوفى عنها زوجها كذلك؛ لعموم الآية وحديث سبعة. وقد مضى في البقرة القول فيه مستوفى. الثانية: إذا وضعت المرأة ما وضعت من علقة أو مضغة حلت. وقال الشافعي وأبو حنيفة : لا تحل إلا بما يكون ولدا. وقد مضى القول فيه في سورة البقرة وسورة الرعد والحمد لله. قوله تعالى {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} قال الضحاك : أي من يتقه في طلاق السنة يجعل له من أمره يسرا في الرجعة. مقاتل : ومن يتق الله في اجتناب معاصيه يجعل له من أمره يسرا في توفيقه للطاعة. {ذلك أمر الله} أي الذي ذكر من الأحكام أمر الله أنزله إليكم وبينه لكم. {ومن يتق الله} أي يعمل بطاعته. {يكفر عنه سيئاته} من الصلاة إلى الصلاة، ومن الجمعة إلى الجمعة. {ويعظم له أجرا} أي في الآخرة.

التفسير الميسّر:

والنساء المطلقات اللاتي انقطع عنهنَّ دم الحيض؛ لكبر سنهنَّ، إن شككتم فلم تدروا ما الحكم فيهنَّ؟ فعدَّتهنَّ ثلاثة أشهر، والصغيرات اللاتي لم يحضن، فعدتهن ثلاثة أشهر كذلك. وذوات الحَمْل من النساء عدتهن أن يضعن حَمْلهن. ومن يَخَفِ الله، فينفذ أحكامه، يجعل له من أمره يسرًا في الدنيا والآخرة.

تفسير السعدي

لما ذكر تعالى أن الطلاق المأمور به يكون لعدة النساء، ذكر تعالى العدة، فقال:

{ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْْ } بأن كن يحضن، ثم ارتفع حيضهن، لكبر أو غيره، ولم يرج رجوعه، فإن عدتها ثلاثة أشهر، جعل لكل شهر، مقابلة حيضة.

{ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } أي: الصغار، اللائي لم يأتهن الحيض بعد، و البالغات اللاتي لم يأتهن حيض بالكلية، فإنهن كالآيسات، عدتهن ثلاثة أشهر، وأما اللائي يحضن، فذكر الله عدتهن في قوله: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } [وقوله:] { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ } أي: عدتهن { أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } أي: جميع ما في بطونهن، من واحد، ومتعدد، ولا عبرة حينئذ، بالأشهر ولا غيرها، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } أي: من اتقى الله تعالى، يسر له الأمور، وسهل عليه كل عسير.


تفسير البغوي

قوله - عز وجل - ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ) فلا ترجون أن يحضن ( إن ارتبتم ) أي شككتم فلم تدروا ما عدتهن ( فعدتهن ثلاثة أشهر )

قال مقاتل : لما نزلت : " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " ( البقرة - 228 ) قال خلاد بن النعمان بن قيس الأنصاري : يا رسول الله فما عدة من لا تحيض والتي لم تحض وعدة الحبلى ؟ فأنزل الله : " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم " يعني القواعد اللائي قعدن عن الحيض " إن ارتبتم " شككتم في حكمها " فعدتهن ثلاثة أشهر " .

( واللائي لم يحضن ) يعني الصغار اللائي لم يحضن فعدتهن أيضا ثلاثة أشهر . أما الشابة التي كانت تحيض فارتفع حيضها قبل بلوغها سن الآيسات : فذهب أكثر أهل العلم إلى أن عدتها لا تنقضي حتى يعاودها الدم فتعتد بثلاثة أقراء أو تبلغ سن الآيسات فتعتد بثلاثة أشهر . وهو قول عثمان وعلي وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وبه قال عطاء وإليه ذهب الشافعي وأصحاب الرأي .

وحكي عن عمر : أنها تتربص تسعة أشهر فإن لم تحض تعتد بثلاثة أشهر [ وهو قول مالك .

وقال الحسن : تتربص سنة فإن لم تحض تعتد بثلاثة أشهر ] . وهذا كله في عدة الطلاق .

أما المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرا سواء كانت ممن تحيض أو لا تحيض .

أما الحامل فعدتها بوضع الحمل سواء طلقها زوجها أو مات عنها لقوله تعالى : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن )

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله [ بن عبد الله ] عن أبيه : أن سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بليال فمر بها أبو السنابل بن بعكك [ فقال ] قد تصنعت للأزواج إنها أربعة أشهر وعشر فذكرت ذلك سبيعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " كذب أبو السنابل - أو : ليس كما قال أبو السنابل - قد حللت فتزوجي " .

( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) يسهل عليه أمر الدنيا والآخرة .


الإعراب:

(وَاللَّائِي) الواو حرف استئناف واسم الموصول مبتدأ (يَئِسْنَ) مضارع وفاعله والجملة صلة (مِنَ الْمَحِيضِ) متعلقان بالفعل (مِنْ نِسائِكُمْ) متعلقان بمحذوف حال (إِنِ ارْتَبْتُمْ) إن حرف شرط جازم وماض وفاعله والجملة ابتدائية لا محل لها (فَعِدَّتُهُنَّ) الفاء رابطة (عدتهن ثَلاثَةُ) مبتدأ وخبره (أَشْهُرٍ) مضاف إليه والجملة في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ اللائي وجملة اللائي.. استئنافية لا محل لها (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) مبتدأ ومضارع مجزوم بلم والنون فاعله والجملة صلة وخبر المبتدأ محذوف والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، (وَ) الواو حرف استئناف (أُولاتُ) مبتدأ (الْأَحْمالِ) مضاف إليه (أَجَلُهُنَّ) مبتدأ (أَنْ يَضَعْنَ) مضارع مبني على السكون في محل نصب بأن ونون النسوة فاعله (حَمْلَهُنَّ) مفعول به والمصدر المؤول من أن والفعل في محل رفع خبر أجلهن والجملة الاسمية أجلهن..

خبر أولات.

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً): سبق إعرابها.

---

Traslation and Transliteration:

Waallaee yaisna mina almaheedi min nisaikum ini irtabtum faAAiddatuhunna thalathatu ashhurin waallaee lam yahidna waolatu alahmali ajaluhunna an yadaAAna hamlahunna waman yattaqi Allaha yajAAal lahu min amrihi yusran

بيانات السورة

اسم السورة سورة الطلاق (At-Talaq - The Divorce)
ترتيبها 65
عدد آياتها 12
عدد كلماتها 279
عدد حروفها 1170
معنى اسمها الطَّلْقُ: التَّبَاعُدُ وَالتَّخْلِيَةُ، وَالمُرَادُ (بِالطَّلاقِ): حَلُّ قَيدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الطَّلاقِ وَنَحْوِهِ
سبب تسميتها دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الطَّلاقِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (النِّسَاءِ القُصْوَى)
مقاصدها الحِفَاظُ عَلَى اسْتِقْرَارِ العَلاقَاتِ الزَّوجِيَّةِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا
فضلها لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَة سِوَى أَنَّهَا مِنْ طِوَالِ المُفَصَّل
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الطَّلاقِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ فِي الآيَةِ الأُولَى: ﴿لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا ١﴾، وَقَالَ فِي خِتَامِ الآيَةِ الأَخِيرَةِ: ﴿وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا ١٢﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الطَّلاقِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (التَّغَابُنِ):أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِتَقْوَى اللهِ فِي آخِرِ (التَّغَابُنِ) فَقَالَ: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ ...١٦﴾، وَأَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ فِي مُفْتَتَحِ (الطَّلاقِ) فَقَالَ: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ ...١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!