المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة التغابن: [الآية 8]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة التغابن | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
أعظم البلايا والمحن وقوع الفتن ، وأي فتنة أعظم عند الرجال من فتنة الولد والمال ، الولد مجهلة مجبنة مبخلة ؛ والمال مالك ، وصاحبه بكل وجه وإن فاز هالك ، إن أمسكه أهلكه ، وإن جاد به تركه - راجع سورة الأنفال آية 28- .
[سورة التغابن (64) : آية 16]
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
«فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [ «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ . . .» الآية : ]
وإن كان المؤمنون قد تقدم ذكرهم فأعاد الضمير عليهم ، ولكن مثل هذا لا يسمى تصريحا ولا تعيينا ، فينزل عن درجة التعيين ، مثل قوله (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ) من كوننا مؤمنين ، فيحدث لذلك حكم آخر ، فقال «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ابتداء آية بفاء عطف وضمير جمع لمذكور متقدم قريب أو بعيد ، والمضمر صالح لكل معين ، لا يختص به واحد دون آخر فهو مطلق ، والمعين مقيد ، فالضمير الخطابي يعم كل مخاطب كائنا من كان ، من مؤمن وغير مؤمن وإنسان وغير إنسان ؛ واعلم أن الاستطاعة لو بذلها الإنسان وقع في الحرج ، لأنه يكون قد بذلها عن جهد ومشقة ، وقد رفع اللّه الحرج عن عباده في دينه ، فعلمنا أن المراد بالاستطاعة في مثل قوله تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» و (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) و (ما آتاها) أن حدها أول درجات الحرج ، فإذا أحس به أو استشرف عليه قبل الإحساس به فذلك حد الاستطاعة المأمور بها شرعا ، ليجمع بين قوله تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وبين قوله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (ودين اللّه يسر) و (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)
في قوله «مَا اسْتَطَعْتُمْ» ولما فهمت الصحابة من الاستطاعة ما ذكرناه لذلك كانت رخصة لعزمة قوله تعالى : (حَقَّ تُقاتِهِ (وتخيل الصحابة أن اللّه خفف عن عباده في قوله (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ) بقوله «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»
وما علموا أنهم انتقلوا إلى الأشد ، فإن تقوى اللّه بالاستطاعة أعظم في التكليف ، فإنه عزيز أن يبذل الإنسان في عمله جهد استطاعته ، لا بد من فضلة يبقيها ، وعلمنا أن اللّه أثبت العبد
في الاستطاعة ، فلا ينبغي أن ننفيه عن الموضع الذي أثبته الحق فيه ، ولولا ما ظهر العبد بالدعوى ما قيل له "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " بالقوة التي جعلتها لكم فيكم بين الضعفين ، فمن تنبه على أن قوته مجعولة ، وأنها لمن جعلها لم يدع فيها ، بل هي أمانة عنده ، لا يملكها ، والإنسان لا يكون غنيا إلا بما يملكه ، والأمانة عارية لا تملك ، مأمور من هي عنده بردها إلى أهلها ،
وهو قوله [ لا حول ولا قوة إلا باللّه ] أي القوة قائمة باللّه لا بنا ، فالمدعون في القوة يجعلون «مَا» في قوله «مَا اسْتَطَعْتُمْ» مصدرية ؛ وأهل التبري يجعلونها للنفي في الآية ، فنفى عندهم الاستطاعة في التقوى ، وأثبتها عند من جعلها مصدرية
- إشارة -لما فتح اللّه باب الرحمتين ،
وبان الصبح لذي عينين ، أوقف الحق من عباده من شاء بين يديه ، وخاطبه مخبرا بما له وعليه ، وقال له : إن لم تتق اللّه جهلته ، وإن اتقيته كنت به أجهل ، ولا بد لك من إحدى الخصلتين ، فلهذا خلقت لك الغفلة حتى تتعرى عن حكم الضدين ، وكذا النسيان ، لأنه بدون الغفلة يظهر حكم أحدهما ، فاشكر اللّه على الغفلة والنسيان .
«وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ» الشح في الحيوان من أثر الطبيعة ، وأوفره في الإنسان لما ركّبه اللّه عليه في نشأته من وفور العقل وتحكيم القوى الروحانية والحسية ، وقد جبله اللّه على الحرص والطمع أن يكون كل شيء له وتحت حكمه ، فالإنسان مجبول على العجز والبخل ، قال تعالى : (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) من نظر في هذا الأصل زكت نفسه وتطهر من الدعوى «فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»
- تحقيق -المخلوق ضعيف ، ولولا المصالح ما شرع التكليف ،
فخذ ما استطعت ، ولا يلزمك العمل بكل ما جمعت ، فإن اللّه ما كلف نفسا إلا ما آتاها ، وجعل لها بعد عسر يسرا لما تولاها ، وشرع في أحكامه المباح ، وجعله سببا للنفوس في السراح والاسترواح إلى الانفساح ، ما قال في الدين برفع الحرج ، إلا رحمة بالأعرج ، وعلى منهج الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم درج ، دين اللّه يسر ، فما يمازجه عسر ، بعث بالحنيفية السمحاء ، والسنة الفيحاء ، فمن ضيق على هذه الأمة ، حشر يوم القيامة مع أهل الظلمة .
------------
(15) الفتوحات ج 4 / 341تفسير ابن كثير:
ثم قال تعالى : ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا ) يعني : القرآن ، ( والله بما تعملون خبير ) أي : فلا تخفى عليه من أعمالكم خافية .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
لما ذكر تعالى إنكار من أنكر البعث، وأن ذلك [منهم] موجب كفرهم بالله وآياته، أمر بما يعصم من الهلكة والشقاء، وهو الإيمان بالله ورسوله وكتابه وسماه الله نورًا، فإن النور ضد الظلمة، وما في الكتاب الذي أنزله الله من الأحكام والشرائع والأخبار، أنوار يهتدى بها في ظلمات الجهل المدلهمة، ويمشى بها في حندس الليل البهيم، وما سوى الاهتداء بكتاب الله، فهي علوم ضررها أكثر من نفعها، وشرها أكثر من خيرها، بل لا خير فيها ولا نفع، إلا ما وافق ما جاءت به الرسل، والإيمان بالله ورسوله وكتابه، يقتضي الجزم التام، واليقين الصادق بها، والعمل بمقتضى ذلك التصديق، من امتثال الأوامر، واجتناب المناهي { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فيجازيكم بأعمالكم الصالحة والسيئة.
تفسير البغوي
( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا ) وهو القرآن ( والله بما تعملون خبير)
الإعراب:
(فَآمِنُوا) الفاء الفصيحة وأمر مبني على حذف النون والواو فاعله (بِاللَّهِ) متعلقان بالفعل والجملة جواب الشرط المقدر لا محل لها (وَرَسُولِهِ) معطوف على لفظ الجلالة (وَالنُّورِ) معطوف أيضا (الَّذِي) صفة النور (أَنْزَلْنا) ماض وفاعله والجملة صلة.
(وَاللَّهُ) الواو حرف استئناف ولفظ الجلالة مبتدأ (بِما) متعلقان بخبير (تَعْمَلُونَ) مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة الفعلية صلة (خَبِيرٌ) خبر المبتدأ والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها.