«وثمودا» بالصرف اسم للأب وبلا صرف للقبيلة وهو معطوف على عادا «فما أبقى» منهم أحدا.
فَغَشَّاها ما غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (55) هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58) فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)
«فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ» يعني من القرآن ، فيما وعظهم به منهم وتوعدهم ووعدهم «تَعْجَبُونَ» تكثرون العجب ، كيف جاء به مثل هذا ؟ وما أنزل على عظمائكم كما قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) .
[سورة النجم (53) : آية 60]
وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (60)
«وَتَضْحَكُونَ» أي تهزءون منه إذا أتى به ، لأنهم لا يعرفون الحق إلا بالرجال «وَلا تَبْكُونَ» فإن في القرآن ما يبكي من الوعيد ، وما يضحك ويتعجب فيه من الفرح باتساع رحمة اللّه ولطفه بعباده ، وفي القرآن من الوعيد والمخاوف ما يبكي بدل الدموع دما لمن دبر آياته.
------------
(59 - 62) الفتوحات ج 1 /
514
وقوله : ( وثمود فما أبقى ) ، أي : دمرهم فلم يبق منهم أحدا
قوله تعالى {وأن عليه النشأة الأخرى} أي إعادة الأرواح في الأشباح للبعث. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {النشأة} بفتح الشين والمد؛ أي وعد ذلك ووعده صدق. {وأنه هو أغنى وأقنى} قال ابن زيد : أغنى من شاء وأفقر من شاء ثم قرأ {يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له} [سبأ : 39] وقرأ {يقبض ويبسط} [
البقرة : 245] واختاره الطبري. وعن ابن زيد أيضا ومجاهد وقتادة والحسن {أغنى} مول {وأقنى} أخدم. وقيل {أقنى} جعل لكم قنية تقتنونها، وهو معنى أخدم أيضا. وقيل : معناه أرضى بما أعطى أي أغناه ثم رضاه بما أعطاه؛ قاله ابن عباس. وقال الجوهري : قَنِيَ الرجل يَقْنَى قِنَىً؛ مثل غني يغنى غنى، وأقناه الله أي أعطاه الله ما يقتنى من القِنْية والنشب. وأقناه الله أيضا أي رضاه. والقنى الرضا، عن أبي زيد؛ قال وتقول العرب : من أُعطى مائة من المعز فقد أعطي القنى، ومن أعطى مائة من الضأن فقد أعطي الغنى، ومن أعطى مائة من الإبل فقد أعطي المنى. ويقال : أغناه الله وأقناه أي أعطاه ما يسكن إليه. وقيل {أغنى وأقنى}أي أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه؛ قال سليمان التيمي. وقال سفيان : أغنى بالقناعة وأقنى بالرضا. وقال الأخفش : أقنى أفقر. قال ابن كيسان : أولد. وهذا راجع لما تقدم. {وأنه هو رب الشعرى} {الشعرى} الكوكب المضيء الذي يطلع بعد الجوزاء، وطلوعه في شدة الحر، وهما الشعريان العبور التي في الجوزاء والشعرى الغميصاء التي في الذراع؛ وتزعم العرب أنهما أختا سهيل. وإنما ذكر أنه رب الشعرى وإن كان ربا لغيره؛ لأن العرب كانت تعبده؛ فأعلمهم الله جل وعز أن الشعرى مربوب ليس برب. واختلف فيمن كان يعبده؛ فقال السدي : كانت تعبده حمير وخزاعة. وقال غيره : أول من عبده أبو كبشة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أمهاته، ولذلك كان مشركو قريش يسمون النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي كبشة حين دعا إلى الله وخالف أديانهم؛ وقالوا : ما لقينا من ابن أبي كبشة! وقال أبو سفيان يوم الفتح وقد وقف في بعض المضايق وعساكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر عليه : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة. وقد كان من لا يعبد الشعرى من العرب يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم، قال الشاعر : مضى أيلول وارتفع الحرور ** وأخبت نارها الشعرى العبور وقيل : إن العرب تقول في خرافاتها : إن سهيلا والشعرى كانا زوجين، فانحدر سهيل فصار يمانيا، فاتبعته الشعرى العبور فعبرت المجرة فسميت العبور، وأقامت الغميصاء فبكت لفقد سهيل حتى غمصت عيناها فسميت غميصاء لأنها أخفى من الأخرى. {وأنه أهلك عادا الأولى} سماها الأولى لأنهم كانوا من قبل ثمود. وقيل : إن ثمود من قبل عاد. وقال ابن زيد : قيل لها عاد الأولى لأنها أول أمة أهلكت بعد نوح عليه السلام. وقال ابن إسحاق : هما عادان فالأولى أهلكت بالريح الصرصر، ثم كانت الأخرى فأهلكت بالصيحة. وقيل : عاد الأولى هو عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح، وعاد الثانية من ولد عاد الأولى؛ والمعنى متقارب. وقيل : إن عاد الآخرة الجبارون وهم قوم هود. وقراءة العامة {عادا الأولى} ببيان التنوين والهمز. وقرأ نافع وابن محيصن وأبو عمرو {عادا الأولى} بنقل حركة الهمزة إلى اللام وإدغام التنوين فيها، إلا أن قالون والسوسي يظهران الهمزة الساكنة. وقلبها الباقون واوا على أصلها؛ والعرب تقلب هذا القلب فتقول : قم الان عنا وضمَّ لِثنين أي قم الآن وضم الاثنين. {وثمود فما أبقى} ثمود هم قوم صالح أهلكوا بالصيحة. قرئ {ثمودا} [
التوبة : 70] وقد تقدم. وانتصب على العطف على عاد. {وقوم نوح من قبل} أي وأهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود {إنهم كانوا هم أظلم وأطغى} وذلك لطول مدة نوح فيهم، حتى كان الرجل فيهم يأخذ بيد ابنه فينطلق إلى نوح عليه السلام فيقول : احذر هذا فإنه كذاب، وإن أبي قد مشى بي إلى هذا وقال لي مثل ما قلت لك؛ فيموت الكبير على الكفر، وينشأ الصغير على وصية أبيه. وقيل : إن الكناية ترجع لى كل من ذكر من عاد وثمود وقوم نوح؛ أي كانوا أكفر من مشركي العرب وأطغى. فيكون فيه تسلية وتعزية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فكأنه يقول له : فاصبر أنت أيضا فالعاقبة الحميدة لك. {والمؤتفكة أهوى} يعني مدائن قوم لوط عليه السلام ائتفكت بهم، أي انقلبت وصار عاليها سافلها. يقال : أفكته أي قلبته وصرفته. {أهوى} أي خسف بهم بعد رفعها إلى السماء؛ رفعها جبريل ثم أهوى بها إلى الأرض. وقال المبرد : جعلها تهوي. ويقال : هوى بالفتح يهوي هويا أي سقط و {أهوى} أي أسقط. {فغشاها ما غشى} أي ألبسها ما ألبسها من الحجارة؛ قال الله تعالى {فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل} [
الحجر : 74] وقيل : إن الكناية ترجع إلى جميع هذه الأمم؛ أي غشاها من العذاب ما غشاهم، وأبهم لأن كلا منهم أهلك بضرب غير ما أهلك به الآخر. وقيل : هذا تعظيم الأمر. {فبأي آلاء ربك تتمارى} أي فبأي نعم ربك تشك. والمخاطبة للإنسان المكذب. والآلاء النعم واحدها أَلىً وإِلًى وإِلْيٌ. وقرأ يعقوب {تمارى} بإدغام إحدى التاءين في الأخرى والتشديد.
وأنه سبحانه وتعالى أهلك عادًا الأولى، وهم قوم هود، وأهلك ثمود، وهم قوم صالح، فلم يُبْقِ منهم أحدًا، وأهلك قوم نوح قبلُ. هؤلاء كانوا أشد تمردًا وأعظم كفرًا من الذين جاؤوا من بعدهم. ومدائن قوم لوط قلبها الله عليهم، وجعل عاليها سافلها، فألبسها ما ألبسها من الحجارة.
{ وَثَمُودَ } قوم صالح عليه السلام، أرسله الله إلى ثمود فكذبوه، فبعث الله إليهم الناقة آية، فعقروها وكذبوه، فأهلكهم الله تعالى، { فَمَا أَبْقَى } منهم أحدا، بل أهلكهم الله عن آخرهم
" وثمود "، وهم قوم صالح أهلكهم الله بالصيحة، " فما أبقى "، منهم أحداً.
(وَثَمُودَ) معطوف على عاد (فَما أَبْقى) الفاء حرف عطف وما نافية وماض فاعله مستتر والجملة الفعلية معطوفة على أهلك.
Traslation and Transliteration:
Wathamooda fama abqa
And (the tribe of) Thamud He spared not;
Ve Semud'u da bırakmayan.
ainsi que les Thamûd, et Il fit que rien n'en subsistât,
sowie Thamud, dann nichts übrigließ,
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النجم (An-Najm - The Star) |
ترتيبها |
53 |
عدد آياتها |
62 |
عدد كلماتها |
359 |
عدد حروفها |
1405 |
معنى اسمها |
(النَّجْمُ): مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَحَدُ الأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ المُضِيئَةِ بِذَاتِهَا |
سبب تسميتها |
أَقْسَمَ اللهُ بِالنَّجْمِ لِأَهَمِّيَتِهِ وَمُنَاسَبَتِهِ لِقِصَّةِ مِعْرَاجِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى السَّمَاءِ؛ فَسُمِّيَتِ السُّورَةُ بِهِ |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعْرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (النَّجْمِ) |
مقاصدها |
إِثْبَاتُ الْوَحْيِ مِنَ اللهِ تعَالَى، وَإِبْطَالُ عَقِيدَةِ الشِّرْكِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ، فَعَن عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: قَالَ: «أوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ (وَالنَّجْمِ)، قَالَ: فَسَجَدَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ وسَجَدَ مَن خَلْفَهُ إلَّا رَجُلًا...». (رَوَاهُ البُخارِيّ).
مِنَ النَّظَائِرِ التِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَوِيْلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظائِرَ؛ السُّورَتَيْنِ في رَكْعَةٍ، ... (الرَّحْمَنُ وَالنَّجمِ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النَّجْمِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ الْوَحْيِ وَمَوقِفِ الْمُكَذِّبِينَ مِنْهُ، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ٤﴾، وَرَدَّ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ فِي أَوَاخِرِهَا، فَقَالَ: ﴿أَفَمِنۡ هَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ تَعۡجَبُونَ ٥٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النَّجْمِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الطُّورِ): خُتِمَتِ (الطُّورُ) بِكَلِمَةِ النُّجُومِ فِي قوله: ﴿وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَإِدۡبَٰرَ ٱلنُّجُومِ ٤٩﴾، وَافْتُتِحَتِ (النَّجْمُ) بِكَلِمَةِ النَّجْمِ فِي قَولِهِ: ﴿وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ ١﴾. |