«طعام الأثيم» أبي جهل وأصحابه ذوي الإثم الكبير.
فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)
قال عليّ رضي اللّه عنه : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ؛ فمن رجع إلى اللّه هذا الرجوع سعد ، وما أحسّ بالرجوع المحتوم الاضطراري ، فإنه ما جاءه إلا وهو هناك عند اللّه ، فغاية ما يكون الموت المعلوم في حقه ، أن نفسه التي هي عند اللّه يحال بينها وبين تدبير هذا الجسم الذي كانت تدبره ، فتبقى مع الحق على حالها ، وينقلب هذا الجسد إلى أصله وهو التراب الذي منه نشأت ذاته ، فكأن دارا رحل عنها ساكنها ، فأنزله الملك في مقعد صدق عنده إلى يوم يبعثون ، ويكون حاله في بعثه كذلك لا يتغير عليه حال ، من كونه مع الحق لا من حيث ما يعطيه الحق مع الأنفاس ، وهكذا في الحشر العام وفي الجنان التي هي مقره ومسكنه .
------------
(57) الفتوحات ج 3 /
223
( طعام الأثيم ) والأثيم أي : في قوله وفعله ، وهو الكافر . وذكر غير واحد أنه أبو جهل ، ولا شك في دخوله في هذه الآية ، ولكن ليست خاصة به .
قال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن الأعمش ، عن إبراهيم عن همام بن الحارث ، أن أبا الدرداء كان يقرئ رجلا ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) فقال : طعام اليتيم فقال أبو الدرداء قل : إن شجرة الزقوم طعام الفاجر . أي : ليس له طعام غيرها .
قال مجاهد : ولو وقعت منها قطرة في الأرض لأفسدت على أهل الأرض معايشهم . وقد تقدم نحوه مرفوعا .
قوله تعالى: {إن شجرة الزقوم} كل ما في كتاب الله تعالى من ذكر الشجرة فالوقف عليه بالهاء؛ إلا حرفا واحدا في صورة الدخان {إن شجرة الزقوم. طعام الأثيم}؛ قاله ابن الأنباري. {الأثيم} الفاجر؛ قاله أبو الدرداء. وكذلك قرأ هو وابن مسعود. وقال همام بن الحارث : كان أبو الدرداء يقرئ رجلا {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم} والرجل يقول : طعام اليتيم، فلما لم يفهم قال له: {طعام الفاجر}. قال أبو بكر الأنباري : حدثني أبي قال حدثنا نصر قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا نعيم بن حماد عن عبدالعزيز بن محمد عن ابن عجلان عن عون بن عبدالله بن عتبة بن مسعود قال : علم عبدالله بن مسعود رجلا {أن شجرة الزقوم. طعام الأثيم} فقال الرجل : طعام اليتيم، فأعاد عليه عبدالله الصواب وأعاد الرجل الخطأ، فلما رأى عبدالله أن لسان الرجل لا يستقيم على الصواب قال له : أما تحسن أن تقول طعام الفاجر ؟ قال بلى، قال فافعل. ولا حجة في هذا للجهال من أهل الزيغ، أنه يجوز إبدال الحرف من القرآن بغيره، لأن ذلك إنما كان من عبدالله تقريبا للمتعلم، وتوطئة منه له للرجوع إلى الصواب، واستعمال الحق والتكلم بالحرف على إنزال الله وحكاية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الزمخشري: {وبهذا يستدل على أن إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها. ومنه أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسية على شريطة، وهي أن يؤدي القارئ المعاني على كمالها من غير أن يخرم منها شيئا. قالوا : وهذه الشريطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة؛ لأن في كلام العرب خصوصا في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه، من لطائف المعاني والأغراض ما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها، وما كان أبو حنيفة رحمه الله يحسن الفارسية، فلم يكن ذلك منه عن تحقق وتبصر. وروى علي بن الجعد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل قول صاحبيه في إنكار القراءة بالفارسية}. وشجرة الزقوم : الشجرة التي خلقها الله في جهنم وسماها الشجرة الملعونة، فإذا جاع أهل النار التجئوا إليها فأكلوا منها، فغليت في بطونهم كما يغلي الماء الحار. وشبه ما يصير منها إلى بطونهم بالمهل، وهو النحاس المذاب. وقراءة العامة: {تغلي} بالتاء حملا على الشجرة. وقرأ ابن كثير وحفص وابن محيصن ورويس عن يعقوب {يغلي} بالياء حملا على الطعام؛ وهو في معنى الشجرة. ولا يحمل على المهل لأنه ذكر للتشبيه. و{الأثيم}الآثم؛ من أثم يأثم إثما؛ قاله القشيري وابن عيسى. وقيل هو المشرك المكتسب للإثم؛ قاله يحيى بن سلام. وفي الصحاح : قد أثم الرجل بالكسر إثما ومأثما إذا وقع في الإثم، فهو آثم وأثيم وأثوم أيضا. فمعنى {طعام الأثيم} أي ذي الإثم الفاجر، وهو أبو جهل. وذلك أنه قال : يعدنا محمد أن في جهنم الزقوم، وإنما هو الثريد بالزبد والتمر، فبين الله خلاف ما قاله. وحكى النقاش عن مجاهد أن شجرة الزقوم أبو جهل. قلت : وهذا لا يصح عن مجاهد. وهو مردود بما ذكرناه في هذه الشجرة في سورة {الصافات والإسراء} أيضا.
إن شجرة الزقوم التي تخرج في أصل الجحيم، ثمرها طعام صاحب الآثام الكثيرة، وأكبر الآثام الشرك بالله.
( طعام الأثيم ) [ أي ذي الإثم ] وهو أبو جهل .
(طَعامُ) خبر إن (الْأَثِيمِ) مضاف إليه
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الدخان (Ad-Dukhan - The Smoke) |
ترتيبها |
44 |
عدد آياتها |
59 |
عدد كلماتها |
346 |
عدد حروفها |
1439 |
معنى اسمها |
(دُخَانُ) النَّارِ مَعْرُوفٌ، وَجَمْعُهُ (دَوَاخِنُ)، وَهُوَ عَلامَةٌ عَلَى الشَّرِّ وَالعَذَابِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ آيَةِ الْعَذَابِ بِالدُّخَانِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الْاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الدُّخَان)، وتُسَمَّى سُورَةَ (حَمْ الدُّخَانْ) |
مقاصدها |
إِنْذَارُ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ كَفَّارٍ، وَتَخْوِيفُهُمْ بِعَذَابِ اللهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُقْرِئَهُ القُرْآنَ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد).
مِنَ النَّظَائِرِ التِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّوِيْلِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقرَأُ النَّظائِرَ؛ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ (... والدُّخَانَ، وِإذَا الشَّمْسُ كوِّرَتْ) في رَكعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الدُّخَانِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ ارْتِقَابِ سُنَّةِ اللهِ فِي المُكَذِّبِينَ، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ ١٠﴾، وَقَالَ فِي آخِرِ آيَةٍ مِنْهَا: ﴿فَٱرۡتَقِبۡ إِنَّهُم مُّرۡتَقِبُونَ ٥٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الدُّخَانِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الزُّخْرُفِ): وَصَفَ سُبْحَانَهُ أَهْلَ البَاطِلِ بِاللَّهْوِ فِي أَوَاخِرِ (الزُّخْرُفِ) فَقَالَ: ﴿فَذَرۡهُمۡ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ ...٨٣﴾، وَوَصَفَهُم فِي أَوَّلِ (الدُّخَانِ) فَقَالَ: ﴿بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ يَلْعَبُونَ ٩﴾. |