«وأقسموا» أي كفار مكة «بالله جهد أيمانهم» غاية اجتهادهم فيها «لئن جاءهم نذير» رسول «ليكوننَّ أهدى من إحدى الأمم» اليهود والنصارى وغيرهم، أي أيَّ واحدة منها لما رأوا من تكذيب بعضهم بعضا، إذ قالت اليهود: ليست النصارى على شيء، «فلما جاءهم نذير» محمد صلى الله عليه وسلم «ما زادهم» مجيئه «إلا نفورا» تباعدا عن الهدى.
قُلْ رَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً ( (40إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42)
«فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ» يعني دعاء الحق على لسان الرسول صلّى اللّه عليه وسلم «ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً» .
------------
(42) الفتوحات ج 3 /
226
يخبر تعالى عن قريش والعرب أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم ، قبل إرسال الرسول إليهم : ( لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ) أي : من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل . قاله الضحاك وغيره ، كقوله تعالى : ( أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها ) [ الأنعام : 156 ، 157 ] ، وكقوله تعالى : ( وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين فكفروا به فسوف يعلمون ) [ الصافات : 167 - 170 ] .
قال الله تعالى : ( فلما جاءهم نذير ) - وهو : محمد صلى الله عليه وسلم - بما أنزل معه من الكتاب العظيم ، وهو القرآن المبين ، ( ما زادهم إلا نفورا ) ، أي : ما ازدادوا إلا كفرا إلى كفرهم ، ثم بين ذلك بقوله :
قوله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير} هم قريش أقسموا قبل أن يبعث الله رسول محمدا صلى الله عليه وسلم، حين بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم، فلعنوا من كذب نبيه منهم، وأقسموا بالله جل اسمه {لئن جاءهم نذير} أي نبي {ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا} يعني ممن كذب الرسل من أهل الكتاب. وكانت العرب تتمنى أن يكون منهم رسول كما كانت الرسل من بني إسرائيل، فلما جاءهم ما تمنوه وهو النذير من أنفسهم، نفروا عنه ولم يؤمنوا به.{استكبارا} أي عتوا عن الإيمان {ومكر السيئ} أي مكر العمل السيئ وهو الكفر وخدع الضعفاء، وصدهم عن الإيمان ليكثر أتباعهم. وأنث "من إحدى الأمم" لتأنيث أمة؛ قاله الأخفش. وقرأ حمزة والأخفش: "ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ" فحذف الإعراب من الأول وأثبته في الثاني. قال الزجاج : وهو لحن؛ وإنما صار لحنا لأنه حذف الإعراب منه. وزعم المبرد أنه لا يجوز في كلام ولا في شعر؛ لأن حركات الإعراب لا يجوز حذفها، لأنها دخلت للفرق بين المعاني. وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش على جلالته ومحله يقرأ بهذا، قال : إنما كان يقف عليه، فغلط من أدى عنه، قال : والدليل على هذا أنه تمام الكلام، وأن الثاني لما لم يكن تمام الكلام أعرب باتفاق، والحركة في الثاني أثقل منها في الأول لأنها ضمة بين كسرتين. وقد احتج بعض النحويين لحمزة في هذا بقول سيبويه، وأنه أنشد هو وغيره : إذا اعوججن قلت صاحِبْ قَوِّم وقال الآخر : فاليوم أشربْ غير مستحقب ** إثما من الله ولا واغل وهذا لاحجة فيه؛ لأن سيبويه لم يجزه، وإنما حكاه عن بعض النحويين، والحديث إذا قيل فيه عن بعض العلماء لم يكن فيه حجة، فكيف وإنما جاء به على وجه الشذوذ ولضرورة الشعر وقد خولف فيه. وزعم الزجاج أن أبا العباس أنشده : إذا اعوججن قلت صاح قوم وأنه أنشد : فاليوم اشرب غير مستحقب بوصل الألف على الأمر؛ ذكر جميعه النحاس. الزمخشري : وقرأ حمزة: "ومكر السيئ" بسكون الهمزة، وذلك لاستثقاله الحركات، ولعله اختلس فظن سكونا، أو وقف وقفة خفيفة ثم ابتدأ {ولا يحيق}. وقرأ ابن مسعود: "ومكرا سيئا" وقال المهدوي : ومن سكن الهمزة من قوله: {ومكر السيئ} فهو على تقدير الوقف عليه، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، أو على أنه أسكن الهمزة لتوالي الكسرات والياءات، كما قال : فاليوم اشرب غير مستحقب قال القشيري : وقرأ حمزة: "ومكر السيئ" بسكون الهمزة، وخطأه أقوام. وقال قوم : لعله وقف عليه لأنه تمام الكلام، فغلط الراوي وروى ذلك عنه في الإدراج، وقد سبق الكلام في أمثال هذا، وقلنا : ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأه فلا بد من جوازه، ولا يجوز أن يقال : إنه لحن، ولعل مراد من صار إلى الخطة أن غيره أفصح منه، وإن كان هو فصيحا. {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} أي لا ينزل عاقبة الشرك إلا بمن أشرك. وقيل : هذا إشارة إلى قتلهم ببدر. وقال الشاعر : وقد دفعوا المنية فاستقلت ** ذراعا بعد ما كانت تحيق أي تنزل، وهذا قول قطرب. وقال الكلبى: "يحيق" بمعنى يحيط. والحوق الإحاطة، يقال : حاق به كذا أي أحاط به. وعن ابن عباس أن كعبا قال له : إني أجد في التوراة "من حفر لأخيه حفرة وقع فيها"؟ فقال ابن عباس : فاني أوجدك في القرآن ذلك. قال : وأين؟ قال : فاقرأ: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} ومن أمثال العرب "من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا" وروى الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تمكر ولا تعن ماكرا فإن الله تعالى يقول: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}، ولا تبغ ولا تعن باغيا فإن الله تعالى يقول: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} الفتح : 10] وقال تعالى: {إنما بغيكم على أنفسكم} يونس : 23] وقال بعض الحكماء : يا أيها الظالم في فعله ** والظلم مردود على من ظلم إلى متى أنت وحتى متى ** تحصي المصائب وتنسى النعم وفي الحديث (المكر والخديعة في النار). فقوله : (في النار) يعني في الآخرة تدخل أصحابها في النار؛ لأنها من أخلاق الكفار لا من أخلاق المؤمنين الأخيار؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في سياق هذا الحديث : (وليس من أخلاق المؤمن المكر والخديعة والخيانة). وفي هذا أبلغ تحذير عن التخلق بهذه الأخلاق الذميمة، والخروج عن أخلاق الإيمان الكريمة. قوله تعالى: {فهل ينظرون إلا سنة الأولين} أي إنما ينتظرون العذاب الذي نزل بالكفار الأولين. {فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا} أي أجرى الله العذاب على الكفار، وجعل ذلك سنة فيهم، فهو يعذب بمثله من استحقه، لا يقدر أحد أن يبدل ذلك، ولا أن يحول العذاب عن نفسه إلى غيره. والسنة الطريقة، والجمع سنن. وقد مضى في "آل عمران" وأضافها إلى الله عز وجل. وقال في موضع آخر: {سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا} فأضاف إلى القوم لتعلق الأمر بالجانبين؛ وهو كالأجل، تارة يضاف إلى الله، تارة إلى القوم؛ قال الله تعالى: {فإن أجل الله لآت} العنكبوت : 5] وقال: {فإذا جاء أجلهم}. [
النحل : 61].
وأقسم كفار قريش بالله أشد الأَيْمان: لئن جاءهم رسول من عند الله يخوِّفهم عقاب الله ليكونُنَّ أكثر استقامة واتباعًا للحق من اليهود والنصارى وغيرهم، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم ما زادهم ذلك إلا بُعْدًا عن الحق ونفورًا منه.
أي وأقسم هؤلاء، الذين كذبوك يا رسول اللّه، قسما اجتهدوا فيه بالأيمان الغليظة. { لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ } أي: أهدى من اليهود والنصارى [أهل الكتب]، فلم يفوا بتلك الإقسامات والعهود.
{ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ } لم يهتدوا، ولم يصيروا أهدى من إحدى الأمم، بل لم يدوموا على ضلالهم الذي كان، بل { مَا زَادَهُمْ } ذلك { إِلَّا نُفُورًا } وزيادة ضلال وبغي وعناد.
( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) يعني : كفار مكة لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا : لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم ، وأقسموا بالله وقالوا لو أتانا رسول لنكونن أهدى دينا منهم ، وذلك قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما بعث محمد كذبوه ، فأنزل الله - عز وجل - : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ) رسول ( ليكونن أهدى من إحدى الأمم ) يعني : من اليهود والنصارى ( فلما جاءهم نذير ) محمد - صلى الله عليه وسلم - ( ما زادهم إلا نفورا ) أي : ما زادهم مجيئه إلا تباعدا عن الهدى .
(وَأَقْسَمُوا) الواو عاطفة وماض وفاعله والجملة معطوفة (بِاللَّهِ) لفظ الجلالة مجرور بالباء ومتعلقان بأقسموا (جَهْدَ) في محل نصب حال (أَيْمانِهِمْ) مضاف إليه والهاء مضاف إليه (لَئِنْ) اللام موطئة للقسم وإن شرطية (جاءَهُمْ نَذِيرٌ) ماض ومفعوله وفاعله المؤخر والجملة جواب القسم لا محل لها (لَيَكُونُنَّ) اللام واقعة في جواب القسم المحذوف ويكونن مضارع ناقص مرفوع بثبوت النون المحذوفة لكراهة توالي الأمثال والواو المحذوفة اسمها (أَهْدى) خبر منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر وجملة القسم لا محل لها (مِنْ إِحْدَى) متعلقان بفعل أهدى (الْأُمَمِ) مضاف إليه والمراد بقوله أقسموا هم كفار مكة وقالوا إن بعث اللّه فيهم نبيا ليكونن أهدى من اليهود والنصارى ولكنهم أعرضوا حينما جاءهم (فَلَمَّا) الفاء عاطفة ولما ظرف زمان بمعنى حين في محل نصب على الظرفية (جاءَهُمْ نَذِيرٌ) ماض ونذير فاعله المؤخر والهاء مفعوله المقدم والجملة في محل جر مضاف إليه (ما) نافية (زادَهُمْ) ماض ومفعوله والفاعل مستتر والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (إِلَّا) أداة حصر (نُفُوراً) مفعول به ثان لزادهم
Traslation and Transliteration:
Waaqsamoo biAllahi jahda aymanihim lain jaahum natheerun layakoonunna ahda min ihda alomami falamma jaahum natheerun ma zadahum illa nufooran
And they swore by Allah, their most binding oath, that if a warner came unto them they would be more tractable than any of the nations; yet, when a warner came unto them it aroused in them naught save repugnance,
Ve bütün kuvvetleriyle adamakıllı ant içtiler Allah adına, onlara bir korkutucu gelirse ümmetler arasında doğru yolu bulan en mükemmel bir ümmet olacağız diye; fakat onlara korkutucu gelince de bu, ancak onların uzaklaşmalarını sağladı.
Et ils ont juré solennellement par Allah, que si un avertisseur leur venait, ils seraient certes mieux guidés que n'importe quelle autre communauté. Puis, quand un avertisseur (Muhammad) leur est venu, cela n'a fait qu'accroître leur répulsion,
Und sie schworen bei ALLAH ihre Eide mit Nachdruck, daß, wenn zu ihnen ein Warner käme, sie doch rechtgeleiteter als eine der Umam sein würden." Und als zu ihnen der Warner kam, dies mehrte sie an Nichts außer an Abneigung.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة فاطر (Fatir - Originator) |
ترتيبها |
35 |
عدد آياتها |
45 |
عدد كلماتها |
780 |
عدد حروفها |
3159 |
معنى اسمها |
الفَطْرُ: الشَّقُّ، وَفَطَرَ اللهُ الخَلْق؛ أَيْ: خَلَقَهُم، وَابْتَدَأَ صَنْعَةَ الأَشْيَاءِ، وَالمُرَادُ (بِفَاطِرٍ): اللهُ خَالِقُ السّمَاوَاتِ والأَرْضِ |
سبب تسميتها |
ذَكَرَتِ السُّورَةُ نِعَمًا كَثِيرَةً، كَانَ مِن أَعْظَمِهَا خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ؛ لِذَلِكَ سُمِّيَت بِـ(فَاطِرٍ) |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (فَاطِرٍ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (المَلائِكَة) |
مقاصدها |
التَّذْكِيرُ بِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى، وَانْقِسَامِ النَّاسِ بَينَ مُؤْمِنٍ بِالخَالِقِ المُنْعِمِ أَو كَافِرٍ بِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَم يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (فَاطِرٍ) بِآخِرِهَا: التّأَكِيدُ عَلَى سَعَةِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ...١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿... وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ ...٤٤﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (فَاطِرٍ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (سَبَأ): اختُتِمَتْ (سَبَأٌ) بِسُوءِ خُلُقِ الكَافِرِيْنَ، فَقَالَ: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ فِي شَكّٖ مُّرِيبِۭ ٥٤﴾، وَافْتُتِحَتْ (فَاطِرٌ) بِذِكْرِ سُوءِ خُلُقِهِم، فَقَالَ: ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ٤﴾. |