«الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام» أولها الأحد وآخرها الجمعة «ثم استوى على العرش» هو في اللغة سرير الملك استواءً يليق به «مالكم» يا كفار مكة «من دونه» أي: غيره «من وليٍّ» اسم ما بزيادة من، أَي: ناصر «ولا شفيع» يدفع عذابه عنكم «أفلا تتذكرون» هذا فتؤمنون.
وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ فَلا يُبْصِرُونَ (27)
[ جميع الحواس لا تخطئ أبدا ]
إن العين لا تخطئ أبدا ، لا هي ولا جميع الحواس ، فإن إدراك الحواس إدراك ذاتي ، ولا تؤثر العلل الظاهرة العارضة في الذاتيات ، وإدراك العقل على قسمين : إدراك ذاتي هو فيه كالحواس لا يخطئ ، وإدراك غير ذاتي ، وهو ما يدركه بالآلة التي هي الفكر وبالآلة التي هي الحس ، فالخيال يقلد الحس فيما يعطيه ، والفكر ينظر في الخيال فيجد الأمور مفردات فيحب أن ينشئ منها صورة يحفظها العقل ، فينسب بعض المفردات إلى بعض ، فقد يخطئ في النسبة الأمر على ما هو عليه وقد يصيب ، فيحكم العقل على ذلك الحد فيخطئ ، فالعقل مقلد ، ولهذا اتصف بالخطإ ، وقد حصرت الآيات في السمع والبصر ، فإما شهود وإما خبر .
------------
(27) الفتوحات ج 2 /
628 - ج 3 /
351
يخبر تعالى أنه الخالق للأشياء ، فخلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم استوى على العرش . وقد تقدم الكلام على ذلك .
( ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ) أي : بل هو المالك لأزمة الأمور ، الخالق لكل شيء ، المدبر لكل شيء ، القادر على كل شيء ، فلا ولي لخلقه سواه ، ولا شفيع إلا من بعد إذنه .
( أفلا تتذكرون ) يعني : أيها العابدون غيره ، المتوكلون على من عداه - تعالى وتقدس وتنزه أن يكون له نظير أو شريك أو نديد ، أو وزير أو عديل ، لا إله إلا هو ولا رب سواه .
وقد أورد النسائي هاهنا حديثا فقال : حدثنا إبراهيم بن يعقوب ، حدثني محمد بن الصباح ، حدثنا أبو عبيدة الحداد ، حدثنا الأخضر بن عجلان ، عن أبي جريج المكي ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي فقال : " إن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم استوى على العرش في اليوم السابع ، فخلق التربة يوم السبت ، والجبال يوم الأحد ، والشجر يوم الاثنين ، والمكروه يوم الثلاثاء ، والنور يوم الأربعاء ، والدواب يوم الخميس ، وآدم يوم الجمعة في آخر ساعة من النهار بعد العصر ، وخلقه من أديم الأرض ، بأحمرها وأسودها ، وطيبها وخبيثها ، من أجل ذلك جعل الله من بني آدم الطيب والخبيث " .
هكذا أورد هذا الحديث إسنادا ومتنا ، وقد أخرج مسلم والنسائي أيضا من حديث الحجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من هذا السياق .
وقد علله البخاري في كتاب " التاريخ الكبير " فقال : " وقال بعضهم : أبو هريرة عن كعب الأحبار وهو أصح " ، وكذا علله غير واحد من الحفاظ ، والله أعلم .
قوله تعالى: {الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام} عرفهم كمال قدرته ليسمعوا القرآن ويتأملوه. ومعنى {خلق} أبدع وأوجد بعد العدم وبعد أن لم تكن شيئا. {في ستة أيام} من يوم الأحد إلى آخر يوم الجمعة. قال الحسن : من أيام الدنيا. وقال ابن عباس : إن اليوم من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض مقداره ألف سنة من سني الدنيا. وقال الضحاك : في ستة آلاف سنة؛ أي في مدة ستة أيام من أيام الآخرة. {ثم استوى على العرش} تقدم. وذكرنا أقوال العلماء في ذلك مستوفى في (الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى). وليست "ثم" للترتيب وإنما هي بمعنى الواو. {ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع} أي ما للكافرين من ولي يمنع من عذابهم ولا شفيع. ويجوز الرفع على الموضع. {أفلا تتذكرون} في قدرته ومخلوقاته.
الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام لحكمة يعلمها، وهو قادر أن يخلقها بكلمة "كن" فتكون، ثم استوى سبحانه وتعالى -أي علا وارتفع- على عرشه استواء يليق بجلاله، لا يكيَّف، ولا يشبَّه باستواء المخلوقين. ليس لكم -أيها الناس- من وليٍّ يلي أموركم، أو شفيع يشفع لكم عند الله؛ لتنجوا من عذابه، أفلا تتعظون وتتفكرون -أيها الناس-، فتُفردوا الله بالألوهية وتُخلصوا له العبادة؟
يخبر تعالى عن كمال قدرته بخلق { السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أولها، يوم الأحد، وآخرها الجمعة، مع قدرته على خلقها بلحظة، ولكنه تعالى رفيق حكيم.
{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } الذي هو سقف المخلوقات، استواء يليق بجلاله.
{ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ } يتولاكم، في أموركم، فينفعكم { وَلَا شَفِيع } يشفع لكم، إن توجه عليكم العقاب.
{ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } فتعلمون أن خالق الأرض والسماوات، المستوي على العرش العظيم، الذي انفرد بتدبيركم، وتوليكم، وله الشفاعة كلها، هو المستحق لجميع أنواع العبادة.
"الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون".
(اللَّهُ الَّذِي) لفظ الجلالة مبتدأ واسم الموصول خبره والجملة مستأنفة لا محل لها (خَلَقَ) ماض فاعله مستتر (السَّماواتِ) مفعول به (وَالْأَرْضَ) معطوف على السموات والجملة صلة.
(وَ) الواو حرف عطف (ما) معطوف على السموات والأرض (بَيْنَهُما) ظرف مكان (فِي سِتَّةِ) متعلقان بخلق (أَيَّامٍ) مضاف إليه (ثُمَّ) حرف عطف (اسْتَوى) ماض فاعله مستتر (عَلَى الْعَرْشِ) متعلقان بالفعل والجملة معطوفة على ما قبلها. و(ما) نافية (لَكُمْ) خبر مقدم (مِنْ دُونِهِ) حال (مِنْ) حرف جر زائد (وَلِيٍّ) اسم مجرور لفظا مرفوع محلا مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة لا محل لها (وَ) الواو حرف عطف (لا) نافية (شَفِيعٍ) معطوف على ولي (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) الهمزة حرف استفهام وتوبيخ والفاء حرف استئناف ولا نافية ومضارع مرفوع والواو فاعله والجملة مستأنفة لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Allahu allathee khalaqa alssamawati waalarda wama baynahuma fee sittati ayyamin thumma istawa AAala alAAarshi ma lakum min doonihi min waliyyin wala shafeeAAin afala tatathakkaroona
Allah it is Who created the heavens and the earth, and that which is between them, in six Days. Then He mounted the Throne. Ye have not, beside Him, a protecting friend or mediator. Will ye not then remember?
Öyle bir Allah'tır ki gökleri ve yeryüzünü ve ikisinin arasında ne varsa hepsini altı günde yaratmıştır da sonra arşa hakim olmuştur; ondan başka ne bir dost ve yardımcı var size, ne bir şefaatçi; hala mı düşünüp öğüt almazsınız?
Allah qui a créé en six jours les cieux et la terre, et ce qui est entre eux. Ensuite Il S'est établi «Istawâ» sur le Trône. Vous n'avez, en dehors de Lui, ni allié ni intercesseur. Ne vous rappelez-vous donc pas?
ALLAH ist Derjenige, Der die Himmel, die Erde und das, was zwischen ihnen ist, in sechs Ay-yam erschuf, dann wandte ER Sich Al'ahrsch zu. Für euch gibt es anstelle von Ihm weder Wali noch Fürbittenden. Wollt ihr euch etwa nicht entsinnen?!
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة السجدة (As-Sajda - The Prostration) |
ترتيبها |
32 |
عدد آياتها |
30 |
عدد كلماتها |
374 |
عدد حروفها |
1523 |
معنى اسمها |
سَجَدَ: خَضَعَ، ومِنْهُ سُجُودُ الصَّلاةِ، وَالمُرَادُ (بِالسَّجْدَةِ): سَجْدَةُ التِّلاوَةِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (السَّجْدَةِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ﴾ السَّجْدَةِ، وَسُورَةَ (المَضَاجِعِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى فِي الكَونِ وفِي الخَلْقِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
تُسَنُّ قِراءَتُها فَجْرَ الجُمُعَةِ، فَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ يَومَ الجُمُعَةِ ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ﴾ السَّجْدَةَ و ﴿هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ ...١﴾». (رَوَاهُ البُخارِيّ وَمُسْلِم).
تُستَحَبُّ قِراءَتُهَا كُلَّ لَيلَةٍ قَبلَ النَّومِ، فعَنْ جَابِـرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «كَانَ لاَ يَنَامُ حَتَى يَقرَأَ: ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ﴾ السَّجْدَةَ وَ ﴿تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ ...١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (السَّجْدَةِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن شُبْهَةِ اخْتِلاقِ القُرْآنِ وَتَوْجِيهُ النَّبِيِّ ﷺ تِجَاهِهَا، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۚ بَلۡ هُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ ...٣﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَٱنتَظِرۡ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ ٣٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (السَّجْدَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (لُقْمَانَ): لَمَّا خَتَمَ سُبْحَانَهُ سُورَةَ (لُقْمَانٍ) بِذِكْرِ مَفَاتِيحِ الْغَيبِ الخَمسَةِ مُجْمَلَة؛ جَاءَ بَيَانُها فِي (السَّجْدَةِ). |