الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الحج: [الآية 73]

سورة الحج
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُوا۟ لَهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُوا۟ ذُبَابًا وَلَوِ ٱجْتَمَعُوا۟ لَهُۥ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْـًٔا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ ﴿73﴾

تفسير الجلالين:

«يا أيها الناس» أي أهل مكة «ضُرب مثل فاستمعوا له» وهو «إن الذين تدعون» تعبدون «من دون الله» أي غيره وهم الأصنام «لن يخلقوا ذباباً» اسم جنس، واحده ذبابة يقع على المذكر والمؤنث «ولو اجتمعوا له» لخلقه «وإن يسلبهم الذباب شيئا» مما عليهم من الطيب والزعفران الملطخين به «لا يستنقذوه» لا يستردوه «منه» لعجزهم، فكيف يعبدون شركاء لله تعالى؟ هذا أمر مستغرب عبر عنه بضرب مثل «ضعف الطالب» العابد «والمطلوب» المعبود.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)

«وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ» الهاء من جهاده تعود على اللّه ، أي يتصفون بالجهاد ، أي في حال جهاده صفة الحق ، أي لا يرون مجاهدا إلا اللّه ، وذلك لأن الجهاد وقع فيه ، ولا يعلم أحد كيف الجهاد في اللّه إلا اللّه ، فإذا ردوا ذلك إلى اللّه وهو قوله : «حَقَّ جِهادِهِ» فنسب الجهاد إليه بإضافة الضمير ، فكان المجاهد لا هم ، أي لا يرون لأنفسهم عملا وإن كانوا محل ظهور الآثار . قال اللّه لموسى عليه السلام يا موسى اشكرني حق الشكر ، قال يا رب ومن يقدر على ذلك ، قال إذا رأيت النعمة مني فقد شكرتني حق الشكر - أخرجه


ابن ماجة في سننه - قال تعالى : «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ» فكل عمل أضفته إلى اللّه عن ذوق ومشاهدة ، لا عن اعتقاد وحال بل عن مقام وعلم صحيح فقد أعطيت ذلك العمل حقه حيث رأيته ممن هو له «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» تأمل هذه الآية

فإن لها وجهين كبيرين قريبين خلاف ما لها من الوجوه ، أي خففت عنكم في الحكم ، وما أنزلت عليكم ما يحرجكم ،

وينظر إلى هذا قوله تعالى : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها»

وقوله تعالى : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها»

وقوله عليه السلام : [ بعثت بالحنيفية السمحاء ]

وقوله عليه السلام : [ إن الدين يسر ]

فلا يكون الحق يراعي اليسر في الدين ورفع الحرج ويفتي المفتي بخلاف ذلك ، فإن النفوس أبت أن تقف عند الأحكام المنصوص عليها ، فأثبتت لها عللا وجعلتها مقصودة للشارع وطردتها ، وألحقت المسكوت عنه في الحكم بالمنطوق به بعلة جامعة اقتضاها نظر الجاعل المجتهد ، ولو لم يفعل لبقي المسكوت عنه على أصله من الإباحة والعافية ، فكثرت الأحكام بالتعليل وطرد العلة والقياس والرأي والاستحسان ،

وما كان ربك نسيا ، ولكن بحمد اللّه جعل اللّه في ذلك رحمة أخرى لنا ، لولا أن الفقهاء حجرت هذه الرحمة على العامة ، بإلزامهم إياها مذهب شخص معين لم يعينه اللّه ولا رسوله ، ولا دل عليه ظاهر كتاب ولا سنة صحيحة ولا ضعيفة ،

ومنعوه أن يطلب رخصة في نازلته في مذهب عالم آخر اقتضاه اجتهاده ، وشددوا في ذلك وقالوا هذا يفضي إلى التلاعب بالدين ، وتخيلوا أن ذلك دين ، وقد قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن اللّه تصدق عليكم فاقبلوا صدقته ]

فالرخص مما تصدق اللّه بها على عباده ، وقد أجمعنا على تقرير حكم المجتهد وعلى تقليد العامي له في ذلك الحكم لأنه عنده عن دليل شرعي ، سواء كان صاحب قياس أو غير قائل به ، فتلك الرخصة التي رآها الشافعي في مذهبه على ما اقتضاه دليله ،

وقد قررها الشرع فيمنع المفتي من المالكية المالكي المذهب أن يأخذ برخصة الشافعي التي تعبده بها الشارع –

وإنما أضفناها إلى الشارع لأن الشرع قررها - بمنعه مما يقتضيه الدليل في الأخذ به بأمر لا يقتضيه الدليل الذي لا أصل له ، وهو ربط الرجل نفسه بمذهب خاص لا يعدل عنه إلى غيره ،

ويحجر عليه ما لم يحجر الشرع عليه ، وهذا من أعظم الطوام وأشق الكلف على عباد اللّه ،

فالذي وسع الشرع بتقرير حكم المجتهدين في هذه الأمة ضيقه عوام الفقهاء ،

وأما الأئمة مثل أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل والشافعي فحاشاهم من هذا ،


ما فعله واحد منهم قط ، ولا نقل عنهم أنهم قالوا لأحد اقتصر علينا ، ولا قلدني فيما أفتيك به ، بل المنقول عنهم خلاف هذا رضي اللّه عنهم ،

والوجه الآخر في قوله تعالى:" وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " رفع الحديث من النفس عند توجه الحكم بما لا يوافق الغرض وتمجه النفس ، فكأنه خاطب المؤمنين ومن وجد الحرج ليس بمؤمن ،

وهذا صعب جدا ، فإذا قال تعالى : «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» فللإنسان إذا توجه عليه حكم بفتيا عالم من العلماء تصعب عليه أن يبحث عند العلماء المجتهدين ،

هل له في تلك النازلة حكم من الشرع أهون من ذلك ، فإن وجده عمل به وارتفع الحرج ، وإن وجد الإجماع في تلك النازلة على ذلك الحكم الذي صعب عليه ، قبله إن كان مؤمنا طيب النفس ، وعادت حزونته سهولة ،

ودفعه له قبولا لما حكم عليه به اللّه ، فيصح بذلك عنده إيمانه ، وهي علامة له على ثبوت الإيمان عنده ، ولما كان هذا المقام شامخا عسيرا على النفوس نيله ،

أقسم بنفسه جل وتعالى عليه ، ولما لم يكن المحكوم عليهم يسمعون ذلك من اللّه وإنما حكم عليهم بذلك رسول اللّه الثابت صدقه ، النائب عن اللّه وخليفته في الأرض ،

لذلك أضاف الاسم إليه عناية به وشرفا له صلّى اللّه عليه وسلم ،

فقال : «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»

«مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ» ،

فإبراهيم عليه السلام هو أبونا في الإسلام وهو الذي سمانا مسلمين «وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» فنشهد نحن على الأمم بما أوحى اللّه تعالى به إلينا من قصص أنبيائه مع أممهم ، فالشهادة بالخبر الصادق كالشهادة بالعيان الذي لا ريب فيه ، مثل شهادة خزيمة ، بل الشهادة بالوحي أتم من الشهادة بالعين ، لأن خزيمة لو شهد شهادة عين لم تقم شهادته مقام اثنين ، «فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ» الاعتصام باللّه هو قوله صلّى اللّه عليه وسلم في الاستعاذة «وأعوذ بك منك»

فإنه لا يقاومه شيء من خلقه ، فلا يستعاذ به إلا منه «هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ".


(23) سورة المؤمنون مكيّة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

------------

(78) الفتوحات ج 2 / 148 - كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 1 / 620 - ج 2 / 685 - كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 3 / 50 - ج 4 / 85

تفسير ابن كثير:

يقول تعالى منبها على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها : ( يا أيها الناس ضرب مثل ) أي : لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به ، ( فاستمعوا له ) أي : أنصتوا وتفهموا ، ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ) أي : لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك . كما قال الإمام أحمد .

حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا شريك ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة رفع الحديث قال : " ومن أظلم ممن خلق [ خلقا ] كخلقي؟ فليخلقوا مثل خلقي ذرة ، أو ذبابة ، أو حبة " .

وأخرجه صاحبا الصحيح ، من طريق عمارة ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : " ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة ، فليخلقوا شعيرة " .

ثم قال تعالى أيضا : ( وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ) أي : هم عاجزون عن خلق ذباب واحد ، بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه ، لو سلبها شيئا من الذي عليها من الطيب ، ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك . هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها ولهذا [ قال : ( ضعف الطالب والمطلوب ) ] .

قال ابن عباس : الطالب : الصنم ، والمطلوب : الذباب . واختاره ابن جرير ، وهو ظاهر السياق . وقال السدي وغيره : الطالب : العابد ، والمطلوب : الصنم .


تفسير الطبري :

قوله تعالى{يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له} هذا متصل بقوله{ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا}. وإنما قال {ضرب مثل} لأن حجج الله تعالى عليهم بضرب الأمثال أقرب إلى أفهامهم. فإن قيل : فأين المثل المضروب؛ ففيه وجهان : الأول : قال الأخفش : ليس ثم مثل، وإنما المعنى ضربوا لي مثلا فاستمعوا قولهم؛ يعني أن الكفار جعلوا لله مثلا بعبادتهم غيره؛ فكأنه قال جعلوا لي شبيها في عبادتي فاستمعوا خبر هذا الشبه. الثاني : قول القتبي : وأن المعنى يا أيها الناس، مثل من عبد آلهة لم تستطع أن تخلق ذبابا وإن سلبها الذباب شيئا لم تستطع أن تستنقذه منه. وقال النحاس : المعنى ضرب الله عز وجل ما يعبد من دونه مثلا، قال : وهذا من أحسن ما قيل فيه؛ أي بين الله لكم شبها ولمعبودكم. {إن الذين تدعون من دون الله} قراءة العامة {تدعون} بالتاء. وقرأ السلمي وأبو العالية ويعقوب {يدعون} بالياء على الخبر. والمراد الأوثان الذين عبدوهم من دون الله، وكانت حول الكعبة، وهي ثلاثمائة وستون صنما. وقيل : السادة الذين صرفوهم عن طاعة الله عز وجل. وقيل : الشياطين الذين حملوهم على معصية الله تعالى؛ والأول أصوب. {لن يخلقوا ذبابا} الذباب اسم واحد للذكر والأنثى، والجمع القليل أذبة والكثير ذبان؛ على مثل غراب وأغربة وغربان؛ وسمي به لكثرة حركته. الجوهري : والذباب معروف الواحدة ذبابة، ولا تقل ذبانة. والمذبة ما يذب به الذباب. وذباب أسنان الإبل حدها. وذباب السيف طرفه الذي يضرب به. وذباب العين إنسانها. والذبابة البقية من الدين. وذبب النهار إذا لم يبق منه إلا بقية. والتذبذب التحرك. والذبذبة نوس الشيء المعلق في الهواء. والذبذب الذكر لتردده. وفي الحديث (من وقي شر ذبذبه). وهذا مما لم يذكره - أعني - قوله : وفي الحديث. {وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه} الاستنقاذ والإنقاذ التخليص. قال ابن عباس : (كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران فتجف فيأتي فيختلسه). وقال السدي : كانوا يجعلون للأصنام طعاما فيقع عليه الذباب فيأكله. {ضعف الطالب والمطلوب} قيل : الطالب الآلهة والمطلوب الذباب. وقيل بالعكس. وقيل : الطالب عابد الصنم والمطلوب الصنم؛ فالطالب يطلب إلى هذا الصنم بالتقرب إليه، والصنم المطلوب إليه. وقد قيل{وإن يسلبهم الذباب شيئا} راجع إلى ألمه في قرص أبدانهم حتى يسلبهم الصبر لها والوقار معها. وخص الذباب لأربعة أمور تخصه : لمهانته وضعفه ولاستقذاره وكثرته؛ فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله عز وجل على خلق مثله ودفع أذيته فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين وأربابا مطاعين. وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان.

التفسير الميسّر:

يا أيها الناس ضُرِب مثل فاستمعوا له وتدبروه: إن الأصنام والأنداد التي تعبدونها من دون الله لن تقدر مجتمعة على خَلْق ذبابة واحدة، فكيف بخلق ما هو أكبر؟ ولا تقدر أن تستخلص ما يسلبه الذباب منها، فهل بعد ذلك مِن عَجْز؟ فهما ضعيفان معًا: ضَعُفَ الطالب الذي هو المعبود من دون الله أن يستنقذ ما أخذه الذباب منه، وضَعُفَ المطلوب الذي هو الذباب، فكيف تُتَّخذ هذه الأصنام والأنداد آلهة، وهي بهذا الهوان؟

تفسير السعدي

هذا مثل ضربه الله لقبح عبادة الأوثان، وبيان نقصان عقول من عبدها، وضعف الجميع، فقال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } هذا خطاب للمؤمنين والكفار، المؤمنون يزدادون علما وبصيرة، والكافرون تقوم عليهم الحجة، { ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ } أي: ألقوا إليه أسماعكم، وتفهموا ما احتوى عليه، ولا يصادف منكم قلوبا لاهية، وأسماعا معرضة، بل ألقوا إليه القلوب والأسماع، وهو هذا: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } شمل كل ما يدعى من دون الله، { لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا } الذي هو من أحقر المخلوقات وأخسها، فليس في قدرتهم خلق هذا المخلوق الضعيف، فما فوقه من باب أولى، { وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ } بل أبلغ من ذلك لو { يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ } وهذا غاية ما يصير من العجز.{ ضَعُفَ الطَّالِبُ } الذي هو المعبود من دون الله { وَالْمَطْلُوبُ } الذي هو الذباب، فكل منهما ضعيف، وأضعف منهما، من يتعلق بهذا الضعيف، وينزله منزلة رب العالمين.


تفسير البغوي

( يا أيها الناس ضرب مثل ) معنى ضرب : جعل ، كقولهم : ضرب السلطان البعث على الناس ، وضرب الجزية على أهل الذمة ، أي : جعل ذلك عليهم . ومعنى الآية : جعل لي شبه ، وشبه بي الأوثان ، أي : جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها ومعنى ( فاستمعوا له ) أي : فاستمعوا حالها وصفتها . ثم بين ذلك فقال :

( إن الذين تدعون من دون الله ) يعني : الأصنام ، قرأ يعقوب بالياء والباقون بالتاء ( لن يخلقوا ذبابا ) واحدا في صغره وقلته لأنها لا تقدر عليه . والذباب : واحد وجمعه القليل : أذبة ، والكثير : ذبان ، مثل غراب وأغربة ، وغربان ، ( ولو اجتمعوا له ) أي : لخلقه ، ( وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ) قال ابن عباس : كانوا يطلون الأصنام بالزعفران ، فإذا جف جاء الذباب فاستلب منه .

وقال السدي : كانوا يضعون الطعام بين يدي الأصنام فتقع الذباب عليه فيأكلن منه .

وقال ابن زيد : كانوا يحلون الأصنام باليواقيت واللآلئ وأنواع الجواهر ، ويطيبونها بألوان الطيب فربما تسقط منها واحدة فيأخذها طائر أو ذباب فلا تقدر الآلهة على استردادها ، فذلك قوله : ( وإن يسلبهم الذباب شيئا ) أي : وإن يسلب الذباب الأصنام شيئا مما عليها لا يقدرون أن يستنقذوه منه ، ( ضعف الطالب والمطلوب ) قال ابن عباس : " الطالب " : الذباب يطلب ما يسلب من الطيب من الصنم ، و " المطلوب " : الصنم يطلب الذباب منه السلب . وقيل : على العكس : " الطالب " : الصنم و " المطلوب " : الذباب . وقال الضحاك : " الطالب " : العابد و " المطلوب " : المعبود .


الإعراب:

(يا) أداة نداء (أَيُّهَا) منادى نكرة مقصودة في محل نصب مفعول به لأدعو المقدرة والها حرف تنبيه لا محل لها (النَّاسُ) بدل أو عطف بيان والجملة مستأنفة (ضُرِبَ مَثَلٌ) ماض مبني للمجهول ونائب فاعل والجملة ابتدائية (فَاسْتَمِعُوا) الفاء الفصيحة وأمر مبني على حذف النون والواو فاعله (لَهُ) متعلقان باستمعوا والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (إِنَّ) حرف مشبه بالفعل (الَّذِينَ) موصول في محل نصب اسم إن وجملة إن الذين تفسيرية لا محل لها (تَدْعُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة صلة (مِنْ دُونِ) متعلقان بمحذوف حال (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (لَنْ يَخْلُقُوا) مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون (ذُباباً) مفعول به والجملة خبر إن (وَلَوِ) الواو عاطفة ولو حرف شرط غير جازم (اجْتَمَعُوا) ماض وفاعله (لَهُ) متعلقان باجتمعوا والجملة معطوفة وجملة اجتمعوا جملة الشرط ابتدائية لا محل لها وجواب لو محذوف تقديره لا يقدرون (وَإِنْ) الواو استئنافية وإن شرطية (يَسْلُبْهُمُ) مضارع مجزوم فعل الشرط والهاء مفعول به (الذُّبابُ) فاعل (شَيْئاً) مفعول به ثان والجملة ابتدائية لا محل لها (لا يَسْتَنْقِذُوهُ) لا نافية ومضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل والهاء مفعول به (مِنْهُ) متعلقان بالفعل قبله والجملة لا محل لها لأنها لم تقترن بالفاء الرابطة (ضَعُفَ الطَّالِبُ) ماض وفاعله (وَالْمَطْلُوبُ) معطوف على الطالب والجملة مستأنفة

---

Traslation and Transliteration:

Ya ayyuha alnnasu duriba mathalun faistamiAAoo lahu inna allatheena tadAAoona min dooni Allahi lan yakhluqoo thubaban walawi ijtamaAAoo lahu wain yaslubuhumu alththubabu shayan la yastanqithoohu minhu daAAufa alttalibu waalmatloobu

بيانات السورة

اسم السورة سورة الحج (Al-Hajj - The Pilgrimage)
ترتيبها 22
عدد آياتها 78
عدد كلماتها 1279
عدد حروفها 5196
معنى اسمها (الحَجُّ): مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ، فُرِضَ علَى الْمُسْلِمِ المُكَلَّفِ مَرَّةً فِي العُمُرِ لِمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا
سبب تسميتها ذِكْرُ أَصْلِ فَرِيضَةِ (الحَجِّ) عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام
أسماؤها الأخرى لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الحَجِّ)
مقاصدها تَعْظِيمُ اللهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُ شَعَائِرَهِ وَأَحْكَامِهِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَين، سَأَلَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ رضي الله عنه رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ. (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الحَجِّ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ السَّاعَةِ وَمَشَاهِدِهَا، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ ١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا ...٧٨﴾، وَذَلِكَ يَومُ القِيَامَةِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الحَجِّ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الأَنْبِيَاءِ عليه السلام): لَمَّا خَتَمَ اللهُ تعَالَى سُورَةَ (الأَنْبِيَاءِ) بِتَوبِيخِ الكُفَّارِ بِقَولِهِ: ﴿وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ١١٢﴾ نَاسَبَ ذَلِكَ افْتِتَاحَ (الحَجِّ) بِالأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ؛ فَقَالَ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ ١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!