الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الحج: [الآية 36]

سورة الحج
وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَٱذْكُرُوا۟ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا۟ مِنْهَا وَأَطْعِمُوا۟ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَٰهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿36﴾

تفسير الجلالين:

«والبدن» جمع بدنة: وهي الإبل «جعلناها لكم من شعائر الله» أعلام دينه «لكم فيها خير» نفع في الدنيا كما تقدم، وأجر في العقبى «فاذكروا اسم الله عليها» عند نحرها «صوافَّ» قائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى «فإذا وجبت جنوبها» سقطت إلى الأرض بعد النحر: وهو وقت الأكل منها «فكلوا منها» إن شئتم «وأطعموا القانع» الذي يقنع بما يعطى ولا يسأل ولا يتعرّض «والمعترَّ» والسائل أو المتعرض «كذلك» أي مثل ذلك التسخير «سخرناها لكم» بأن تُنحر وتركب، وإلا لم تطق «لعلكم تشكرون» إنعامي عليكم.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)

«وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ» الهاء من جهاده تعود على اللّه ، أي يتصفون بالجهاد ، أي في حال جهاده صفة الحق ، أي لا يرون مجاهدا إلا اللّه ، وذلك لأن الجهاد وقع فيه ، ولا يعلم أحد كيف الجهاد في اللّه إلا اللّه ، فإذا ردوا ذلك إلى اللّه وهو قوله : «حَقَّ جِهادِهِ» فنسب الجهاد إليه بإضافة الضمير ، فكان المجاهد لا هم ، أي لا يرون لأنفسهم عملا وإن كانوا محل ظهور الآثار . قال اللّه لموسى عليه السلام يا موسى اشكرني حق الشكر ، قال يا رب ومن يقدر على ذلك ، قال إذا رأيت النعمة مني فقد شكرتني حق الشكر - أخرجه


ابن ماجة في سننه - قال تعالى : «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ» فكل عمل أضفته إلى اللّه عن ذوق ومشاهدة ، لا عن اعتقاد وحال بل عن مقام وعلم صحيح فقد أعطيت ذلك العمل حقه حيث رأيته ممن هو له «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» تأمل هذه الآية

فإن لها وجهين كبيرين قريبين خلاف ما لها من الوجوه ، أي خففت عنكم في الحكم ، وما أنزلت عليكم ما يحرجكم ،

وينظر إلى هذا قوله تعالى : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها»

وقوله تعالى : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها»

وقوله عليه السلام : [ بعثت بالحنيفية السمحاء ]

وقوله عليه السلام : [ إن الدين يسر ]

فلا يكون الحق يراعي اليسر في الدين ورفع الحرج ويفتي المفتي بخلاف ذلك ، فإن النفوس أبت أن تقف عند الأحكام المنصوص عليها ، فأثبتت لها عللا وجعلتها مقصودة للشارع وطردتها ، وألحقت المسكوت عنه في الحكم بالمنطوق به بعلة جامعة اقتضاها نظر الجاعل المجتهد ، ولو لم يفعل لبقي المسكوت عنه على أصله من الإباحة والعافية ، فكثرت الأحكام بالتعليل وطرد العلة والقياس والرأي والاستحسان ،

وما كان ربك نسيا ، ولكن بحمد اللّه جعل اللّه في ذلك رحمة أخرى لنا ، لولا أن الفقهاء حجرت هذه الرحمة على العامة ، بإلزامهم إياها مذهب شخص معين لم يعينه اللّه ولا رسوله ، ولا دل عليه ظاهر كتاب ولا سنة صحيحة ولا ضعيفة ،

ومنعوه أن يطلب رخصة في نازلته في مذهب عالم آخر اقتضاه اجتهاده ، وشددوا في ذلك وقالوا هذا يفضي إلى التلاعب بالدين ، وتخيلوا أن ذلك دين ، وقد قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن اللّه تصدق عليكم فاقبلوا صدقته ]

فالرخص مما تصدق اللّه بها على عباده ، وقد أجمعنا على تقرير حكم المجتهد وعلى تقليد العامي له في ذلك الحكم لأنه عنده عن دليل شرعي ، سواء كان صاحب قياس أو غير قائل به ، فتلك الرخصة التي رآها الشافعي في مذهبه على ما اقتضاه دليله ،

وقد قررها الشرع فيمنع المفتي من المالكية المالكي المذهب أن يأخذ برخصة الشافعي التي تعبده بها الشارع –

وإنما أضفناها إلى الشارع لأن الشرع قررها - بمنعه مما يقتضيه الدليل في الأخذ به بأمر لا يقتضيه الدليل الذي لا أصل له ، وهو ربط الرجل نفسه بمذهب خاص لا يعدل عنه إلى غيره ،

ويحجر عليه ما لم يحجر الشرع عليه ، وهذا من أعظم الطوام وأشق الكلف على عباد اللّه ،

فالذي وسع الشرع بتقرير حكم المجتهدين في هذه الأمة ضيقه عوام الفقهاء ،

وأما الأئمة مثل أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل والشافعي فحاشاهم من هذا ،


ما فعله واحد منهم قط ، ولا نقل عنهم أنهم قالوا لأحد اقتصر علينا ، ولا قلدني فيما أفتيك به ، بل المنقول عنهم خلاف هذا رضي اللّه عنهم ،

والوجه الآخر في قوله تعالى:" وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " رفع الحديث من النفس عند توجه الحكم بما لا يوافق الغرض وتمجه النفس ، فكأنه خاطب المؤمنين ومن وجد الحرج ليس بمؤمن ،

وهذا صعب جدا ، فإذا قال تعالى : «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» فللإنسان إذا توجه عليه حكم بفتيا عالم من العلماء تصعب عليه أن يبحث عند العلماء المجتهدين ،

هل له في تلك النازلة حكم من الشرع أهون من ذلك ، فإن وجده عمل به وارتفع الحرج ، وإن وجد الإجماع في تلك النازلة على ذلك الحكم الذي صعب عليه ، قبله إن كان مؤمنا طيب النفس ، وعادت حزونته سهولة ،

ودفعه له قبولا لما حكم عليه به اللّه ، فيصح بذلك عنده إيمانه ، وهي علامة له على ثبوت الإيمان عنده ، ولما كان هذا المقام شامخا عسيرا على النفوس نيله ،

أقسم بنفسه جل وتعالى عليه ، ولما لم يكن المحكوم عليهم يسمعون ذلك من اللّه وإنما حكم عليهم بذلك رسول اللّه الثابت صدقه ، النائب عن اللّه وخليفته في الأرض ،

لذلك أضاف الاسم إليه عناية به وشرفا له صلّى اللّه عليه وسلم ،

فقال : «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»

«مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ» ،

فإبراهيم عليه السلام هو أبونا في الإسلام وهو الذي سمانا مسلمين «وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» فنشهد نحن على الأمم بما أوحى اللّه تعالى به إلينا من قصص أنبيائه مع أممهم ، فالشهادة بالخبر الصادق كالشهادة بالعيان الذي لا ريب فيه ، مثل شهادة خزيمة ، بل الشهادة بالوحي أتم من الشهادة بالعين ، لأن خزيمة لو شهد شهادة عين لم تقم شهادته مقام اثنين ، «فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ» الاعتصام باللّه هو قوله صلّى اللّه عليه وسلم في الاستعاذة «وأعوذ بك منك»

فإنه لا يقاومه شيء من خلقه ، فلا يستعاذ به إلا منه «هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ".


(23) سورة المؤمنون مكيّة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

------------

(78) الفتوحات ج 2 / 148 - كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 1 / 620 - ج 2 / 685 - كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 3 / 50 - ج 4 / 85

تفسير ابن كثير:

يقول تعالى ممتنا على عباده فيما خلق لهم من البدن ، وجعلها من شعائره ، وهو أنه جعلها تهدى إلى بيته الحرام ، بل هي أفضل ما يهدى [ إلى بيته الحرام ] ، كما قال تعالى : ( لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد [ ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ] ) الآية : [ المائدة : 2 ] .

قال ابن جريج : قال عطاء في قوله : ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ) ، قال : البقرة ، والبعير . وكذا روي عن ابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري . وقال مجاهد : إنما البدن من الإبل .

قلت : أما إطلاق البدنة على البعير فمتفق عليه ، واختلفوا في صحة إطلاق البدنة على البقرة ، على قولين ، أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعا كما صح في الحديث .

ثم جمهور العلماء على أنه تجزئ البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ، كما ثبت به الحديث عند مسلم ، من رواية جابر بن عبد الله [ وغيره ] ، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الأضاحي ، البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة .

[ وقال إسحاق ابن راهويه وغيره : بل تجزئ البقرة عن سبعة ، والبعير عن عشرة ] . وقد ورد به حديث في مسند الإمام أحمد ، وسنن النسائي ، وغيرهما ، فالله أعلم .

وقوله : ( لكم فيها خير ) ، أي : ثواب في الدار الآخرة .

وعن سليمان بن يزيد الكعبي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من هراقة دم ، وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان ، قبل أن يقع على الأرض ، فطيبوا بها نفسا " . رواه ابن ماجه ، والترمذي وحسنه .

وقال سفيان الثوري : كان أبو حاتم يستدين ويسوق البدن ، فقيل له : تستدين وتسوق البدن؟ فقال : إني سمعت الله يقول : ( لكم فيها خير )

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد " . رواه الدارقطني في سننه .

وقال مجاهد : ( لكم فيها خير ) قال : أجر ومنافع .

وقال إبراهيم النخعي : يركبها ويحلبها إذا احتاج إليها .

وقوله : ( فاذكروا اسم الله عليها صواف ) وعن [ المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن ] جابر بن عبد الله قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى ، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه ، فقال : " بسم الله والله أكبر ، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي " .

رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي .

وقال محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن ابن عباس ، عن جابر قال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين في يوم عيد ، فقال حين وجههما : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له ، وبذلك أمرت ، وأنا أول المسلمين ، اللهم منك ولك ، وعن محمد وأمته " . ثم سمى الله وكبر وذبح .

وعن علي بن الحسين ، عن أبي رافع; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ، فإذا صلى وخطب الناس أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ، ثم يقول : " اللهم هذا عن أمتي جميعها ، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ " . ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ، ثم يقول : " هذا عن محمد وآل محمد " فيطعمها جميعا المساكين ، [ ويأكل ] هو وأهله منهما .

رواه أحمد ، وابن ماجه .

وقال الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس في قوله : ( فاذكروا اسم الله عليها صواف ) ، قال : قيام على ثلاث قوائم ، معقولة يدها اليسرى ، يقول : " بسم الله والله أكبر ، اللهم منك ولك " . وكذلك روى مجاهد ، وعلي بن أبي طلحة ، والعوفي ، عن ابن عباس ، نحو هذا .

وقال ليث . عن مجاهد : إذا عقلت رجلها اليسرى قامت على ثلاث . وروى ابن أبي نجيح ، عنه ، نحوه .

وقال الضحاك : تعقل رجل واحدة فتكون على ثلاث .

وفي الصحيحين عن ابن عمر : أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته وهو ينحرها ، فقال : ابعثها قياما مقيدة سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .

وعن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى ، قائمة على ما بقي من قوائمها . رواه أبو داود .

وقال ابن لهيعة : حدثني عطاء بن دينار ، أن سالم بن عبد الله قال لسليمان بن عبد الملك : قف من شقها الأيمن ، وانحر من شقها الأيسر .

وفي صحيح مسلم ، عن جابر ، في صفة حجة الوداع ، قال فيه : فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثا وستين بدنة ، جعل يطعنها بحربة في يده .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : في حرف ابن مسعود : " صوافن " ، أي : معقلة قياما .

وقال سفيان الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد : من قرأها " صوافن " قال : معقولة . ومن قرأها ( صواف ) قال : تصف بين يديها .

وقال طاوس ، والحسن ، وغيرهما : " فاذكروا اسم الله عليها صوافي " يعني : خالصة لله عز وجل . وكذا رواه مالك ، عن الزهري .

وقال عبد الرحمن بن زيد : " صوافي " : ليس فيها شرك كشرك الجاهلية لأصنامهم .

وقوله : ( فإذا وجبت جنوبها ) قال : ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يعني : سقطت إلى الأرض .

وهو رواية عن ابن عباس ، وكذا قال مقاتل بن حيان .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( فإذا وجبت جنوبها ) يعني : نحرت .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( فإذا وجبت جنوبها ) يعني : ماتت .

وهذا القول هو مراد ابن عباس ومجاهد ، فإنه لا يجوز الأكل من البدنة إذا نحرت حتى تموت وتبرد حركتها . وقد جاء في حديث مرفوع : " ولا تعجلوا النفوس أن تزهق " . وقد رواه الثوري في جامعه ، عن أيوب ، عن يحيى ابن أبي كثير ، عن فرافصة الحنفي ، عن عمر بن الخطاب; أنه قال ذلك ويؤيده حديث شداد بن أوس في صحيح مسلم : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته " .

وعن أبي واقد الليثي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما قطع من البهيمة وهي حية ، فهو ميتة " .

رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وصححه .

وقوله : ( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) قال بعض السلف : قوله : ( فكلوا منها ) أمر إباحة .

وقال مالك : يستحب ذلك . وقال غيره : يجب . وهو وجه لبعض الشافعية . واختلف في المراد بالقانع والمعتر ، فقال العوفي ، عن ابن عباس : القانع : المستغني بما أعطيته ، وهو في بيته . والمعتر : الذي يتعرض لك ، ويلم بك أن تعطيه من اللحم ، ولا يسأل . وكذا قال مجاهد ، ومحمد بن كعب القرظي .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : القانع : المتعفف . والمعتر : السائل . وهذا قول قتادة ، وإبراهيم النخعي ، ومجاهد في رواية عنه .

وقال ابن عباس ، وزيد بن أسلم وعكرمة ، والحسن البصري ، وابن الكلبي ، ومقاتل بن حيان ، ومالك بن أنس : القانع : هو الذي يقنع إليك ويسألك . والمعتر : الذي يعتريك ، يتضرع ولا يسألك . وهذا لفظ الحسن .

وقال سعيد بن جبير : القانع : هو السائل ، ثم قال : أما سمعت قول الشماخ .

لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره ، أعف من القنوع

قال : يعني من السؤال ، وبه قال ابن زيد .

وقال زيد بن أسلم : القانع : المسكين الذي يطوف . والمعتر : الصديق والضعيف الذي يزور . وهو رواية عن عبد الله بن زيد أيضا .

وعن مجاهد أيضا : القانع : جارك الغني [ الذي يبصر ما يدخل بيتك ] والمعتر : الذي يعتريك من الناس .

وعنه : أن القانع : هو الطامع . والمعتر : هو الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير .

وعن عكرمة نحوه ، وعنه القانع : أهل مكة .

واختار ابن جرير أن القانع : هو السائل; لأنه من أقنع بيده إذا رفعها للسؤال ، والمعتر من الاعترار ، وهو : الذي يتعرض لأكل اللحم .

وقد احتج بهذه الآية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الأضحية تجزأ ثلاثة أجزاء : فثلث لصاحبها يأكله [ منها ] ، وثلث يهديه لأصحابه ، وثلث يتصدق به على الفقراء; لأنه تعالى قال : ( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) . وفي الحديث الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس : " إني كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، فكلوا وادخروا ما بدا لكم " وفي رواية : " فكلوا وادخروا وتصدقو ا " . وفي رواية : " فكلوا وأطعموا وتصدقو ا " .

والقول الثاني : إن المضحي يأكل النصف ويتصدق بالنصف ، لقوله في الآية المتقدمة : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) [ الحج : 28 ] ، ولقوله في الحديث : " فكلوا وادخروا وتصدقوا " .

فإن أكل الكل فقيل : لا يضمن شيئا . وبه قال ابن سريج من الشافعية .

وقال بعضهم : يضمنها كلها بمثلها أو قيمتها . وقيل : يضمن نصفها . وقيل : ثلثها . وقيل : أدنى جزء منها . وهو المشهور من مذهب الشافعي .

وأما الجلود ، ففي مسند أحمد عن قتادة بن النعمان في حديث الأضاحي : " فكلوا وتصدقوا ، واستمتعوا بجلودها ، ولا تبيعوها " .

ومن العلماء من رخص [ في ذلك ] ، ومنهم من قال : يقاسم الفقراء ثمنها ، والله أعلم .

[ مسألة ] .

عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ، ثم نرجع فننحر . فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم [ عجله ] لأهله ، ليس من النسك في شيء " أخرجاه .

فلهذا قال الشافعي وجماعة من العلماء : إن أول وقت الأضحى إذا طلعت الشمس يوم النحر ، ومضى قدر صلاة العيد والخطبتين . زاد أحمد : وأن يذبح الإمام بعد ذلك ، لما جاء في صحيح مسلم : وألا تذبحوا حتى يذبح الإمام " .

وقال أبو حنيفة : أما أهل السواد من القرى ونحوهم ، فلهم أن يذبحوا بعد طلوع الفجر ، إذ لا صلاة عيد عنده لهم . وأما أهل الأمصار فلا يذبحوا حتى يصلي الإمام ، والله أعلم .

ثم قيل : لا يشرع الذبح إلا يوم النحر وحده . وقيل : يوم النحر لأهل الأمصار ، لتيسر الأضاحي عندهم ، وأما أهل القرى فيوم النحر وأيام التشريق بعده ، وبه قال سعيد بن جبير . وقيل : يوم النحر ، ويوم بعده للجميع . وقيل : ويومان بعده ، وبه قال أحمد . وقيل : يوم النحر وثلاثة أيام التشريق بعده ، وبه قال الشافعي; لحديث جبير بن مطعم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " وأيام التشريق كلها ذبح " . رواه أحمد وابن حبان .

وقيل : إن وقت الذبح يمتد إلى آخر ذي الحجة ، وبه قال إبراهيم النخعي ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن . وهو قول غريب .

وقوله : ( كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ) : يقول تعالى : من أجل هذا ( سخرناها لكم ) أي : ذللناها لكم ، أي : جعلناها منقادة لكم خاضعة ، إن شئتم ركبتم ، وإن شئتم حلبتم ، وإن شئتم ذبحتم ، كما قال تعالى : ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون . وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون . ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون ) [ يس : 71 73 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : ( كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون )


تفسير الطبري :

فيها عشر مسائل: الأولى: قوله تعالى{والبُدْن} وقرأ ابن أبي إسحاق {والبُدُن} لغتان، واحدتها بَدَنَة. كما يقال : ثمرة وثُمُر وثُمْر، وخشبة وخشُب وخشْب. وفي التنزيل {وكان له ثمر} وقرئ {ثمر} لغتان. وسميت بدنة لأنها تبدن، والبدانة السمن. وقيل : إن هذا الاسم خاص بالإبل. وقيل : البدن جمع {بدن} بفتح الباء والدال. ويقال : بدن الرجل (بضم الدال) إذا سمن. وبدن (بتشديدها) إذا كبر وأسن. وفي الحديث (إني قد بدنت) أي كبرت وأسننت. وروي (بدنت) وليس له معنى؛ لأنه خلاف صفته صلى الله عليه وسلم، ومعناه كثرة اللحم. يقال : بدن الرجل يبدُن بدنا وبدانة فهو بادن؛ أي ضخم. الثانية: اختلف العلماء في البدن هل تطلق على غير الإبل من البقر أم لا؛ فقال ابن مسعود وعطاء والشافعي : لا. وقال مالك وأبو حنيفة : نعم. وفائدة الخلاف فيمن نذر بدنة فلم يجد البدنة أو لم يقدر عليها وقدر على البقرة؛ فهل تجزيه أم لا؛ فعلى مذهب الشافعي وعطاء لا تجزيه. وعلى مذهب مالك تجزيه. والصحيح ما ذهب إليه الشافعي وعطاء؛ لقوله عليه السلام في الحديث الصحيح في يوم الجمعة : (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة) الحديث. فتفريقه عليه السلام بين البقرة والبدنة يدل على أن البقرة لا يقال عليها بدنة؛ والله أعلم. وأيضا قوله تعالى{فإذا وجبت جنوبها} يدل على ذلك؛ فإن الوصف خاص بالإبل. والبقر يضجع ويذبح كالغنم؛ على ما يأتي. ودليلنا أن البدنة مأخوذة من البدانة وهو الضخامة، والضخامة توجد فيهما جميعا. وأيضا فإن البقرة في التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدم بمنزلة الإبل؛ حتى تجوز البقرة في الضحايا على سبعة كالإبل. وهذا حجة لأبي حنيفة حيث وافقه الشافعي على ذلك، وليس ذلك في مذهبنا. وحكى ابن شجرة أنه يقال في الغنم بدنة، وهو قول شاذ. والبدن هي الإبل التي تهدى إلى الكعبة. والهدي عام في الإبل والبقر والغنم. الثالثة: قوله تعالى{من شعائر الله} نص في أنها بعض الشعائر. وقوله{لكم فيها خير} يريد به المنافع التي تقدم ذكرها. والصواب عمومه في خير الدنيا والآخرة. الرابعة: قوله تعالى {فاذكروا اسم الله عليها صواف} أي انحروها على اسم الله. و{صواف} أي قد صفت قوائمها. والإبل تنحر قياما معقولة. وأصل هذا الوصف في الخيل؛ يقال : صفن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلاثة قوائم وثنى سنبك الرابعة؛ والسنبك طرف الحافر. والبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه فيقوم على ثلاث قوائم. وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد وزيد بن أسلم وأبو موسى الأشعري {صوافي} أي خوالص لله عز وجل لا يشركون به في التسمية على نحرها أحدا. وعن الحسن أيضا {صواف} بكسر الفاء وتنوينها مخففة، وهي بمعنى التي قبلها، لكن حذفت الياء تخفيفا على غير قياس و{صواف} قراءة الجمهور بفتح الفاء وشدها؛ من صف يصف. وواحد صواف صافة، وواحد صوافي صافية. وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبو جعفر محمد بن علي {صوافن} بالنون جمع صافنة. ولا يكون واحدها صافنا؛ لأن فاعلا لا يجمع على فواعل إلا في حروف مختصة لا يقاس عليها؛ وهي فارس وفوارس، وهالك وهوالك، وخالف وخوالف. والصافنة هي التي قد رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب. ومنه قوله تعالى{الصافنات الجياد}[ص : 31]. وقال عمرو بن كلثوم : تركنا الخيل عاكفة عليه ** مقلدة أعنتها صفونا ويروي : تظل جياده نوحا عليه ** مقلدة أعنتها صفونا وقال آخر : ألف الصفون فما يزال كأنه ** مما يقوم على الثلاث كسيرا وقال أبو عمرو الجرمي : الصافن عرق في مقدم الرجل، فإذا ضرب على الفرس رفع رجله. وقال الأعشى : وكل كميت كجذع السحو ** ق يرنو القناء إذا ما صفن الخامسة: قال ابن وهب : أخبرني ابن أبي ذئب أنه سأل ابن شهاب عن الصواف فقال : تقيدها ثم تصفها. وقال لي مالك بن أنس مثله. وكافة العلماء على استحباب ذلك؛ إلا أبا حنيفة والثوري فإنهما أجازا أن تنحر باركة وقياما. وشذ عطاء فخالف واستحب نحرها باركة. والصحيح ما عليه الجمهور؛ لقوله تعالى{فإذا وجبت جنوبها} معناه سقطت بعد نحرها؛ ومنه وجبت الشمس. وفي صحيح مسلم عن زياد بن جبير أن ابن عمر أتى على رجل وهو ينحر بدنته باركة فقال : ابعثها قائمة مقيدة سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم. وروى أبو داود عن أبي الزبير عن جابر، وأخبرني عبدالرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها. السادسة: قال مالك : فإن ضعف إنسان أو تخوف أن تنفلت بدنته فلا أرى بأسا أن ينحرها معقولة. والاختيار أن تنحر الإبل قائمة غير معقولة؛ إلا أن يتعذر ذلك فتعقل ولا تعرقب إلا أن يخاف أن يضعف عنها ولا يقوى عليها. ونحرها باركة أفضل من أن تعرقب. وكان ابن عمر يأخذ الحربة بيده في عنفوان أيده فينحرها في صدرها ويخرجها على سنامها، فلما أسن كان ينحرها باركة لضعفه، ويمسك معه الحربة رجل آخر، وآخر بخطامها. وتضجع البقر والغنم. السابعة: ولا يجوز النحر قبل الفجر من يوم النحر بإجماع. وكذلك الأضحية لا تجوز قبل الفجر. فإذا طلع الفجر حل النحر بمنى، وليس عليهم انتظار نحر إمامهم؛ بخلاف الأضحية في سائر البلاد. والمنحر منى لكل حاج، ومكة لكل معتمر. ولو نحر الحاج بمكة والمعتمر بمنى لم يحرج واحد منهما، إن شاء الله تعالى. الثامنة: قوله تعالى{فإذا وجبت جنوبها} يقال : وجبت الشمس إذا سقطت، ووجب الحائط إذا سقط. قال قيس بن الخطيم : أطاعت بنو عوف أميرا نهاهم ** عن السلم حتى كان أول واجب وقال أوس بن حجر : ألم تكسف الشمس والبدر وال ** واكب للجبل الواجب فقوله تعالى{فإذا وجبت جنوبها} يريد إذا سقطت على جنوبها ميتة. كنى عن الموت بالسقوط على الجنب كما كنى عن النحر والذبح بقوله تعالى{فاذكروا اسم الله عليها} والكنايات في أكثر المواضع أبلغ من التصريح. قال الشاعر : فتركته جزر السباع ينشنه ** ما بين قلة رأسه والمعصم وقال عنترة : وضربت قرني كبشها فتجدلا أي سقط مقتولا إلى الجدالة، وهي الأرض؛ ومثله كثير. والوجوب للجنب بعد النحر علامة نزف الدم وخروج الروح منها، وهو وقت الأكل، أي وقت قرب الأكل؛ لأنها إنما تبتدأ بالسلخ وقطع شيء من الذبيحة ثم يطبخ. ولا تسلخ حتى تبرد لأن ذلك من باب التعذيب؛ ولهذا قال عمر رضي الله عنه : لا تعجلوا الأنفس أن تزهق. التاسعة: قوله تعالى{فكلوا منها} أمر معناه الندب. وكل العلماء يستحب أن يأكل الإنسان من هدية وفيه أجر وامتثال؛ إذا كان أهل الجاهلية لا يأكلون من هديهم كما تقدم. وقال أبو العباس بن شريح : الأكل والإطعام مستحبان، وله الاقتصار على أيهما شاء. وقال الشافعي : الأكل مستحب والإطعام واجب، فإن أطعم جميعها أجزاه وإن أكل جميعها لم يجزه، وهذا فيما كان تطوعا؛ فأما واجبات الدماء فلا يجوز أن يأكل منها شيئا حسبما تقدم بيانه. {وأطعموا القانع والمعتر} قال مجاهد وإبراهيم والطبري : قوله {وأطعموا} أمر إباحة. و{القانع} السائل. يقال : قنع الرجل يقنع قنوعا إذا سأل، بفتح النون في الماضي وكسرها في المستقبل، يقنع قناعة فهو قنع، إذا تعفف واستغنى ببلغته ولم يسأل؛ مثل حمد يحمد، قناعة وقنعا وقنعانا؛ قاله الخليل. ومن الأول قول الشماخ : لمال المرء يصلحه فيغني ** مفاقره أعف من القنوع وقال ابن السكيت : من العرب من ذكر القنوع بمعنى القناعة، وهي الرضا والتعفف وترك المسألة. وروي عن أبى رجاء أنه قرأ {وأطعموا القنع} ومعنى هذا مخالف للأول. يقال : قنع الرجل فهو قنع إذا رضي. وأما المعتر فهو الذي يطيف بك يطلب ما عندك، سائلا كان أو ساكنا. وقال محمد بن كعب القرظي ومجاهد وإبراهيم والكلبي والحسن بن أبي الحسن : المعتر المعترض من غير سؤال. قال زهير : على مكثريهم رزق من يعتريهم ** وعند المقلين السماحة والبذل وقال مالك : أحسن ما سمعت أن القانع الفقير، والعتر الزائر. وروي عن الحسن أنه قرأ {والمعتري} ومعناه كمعنى المعتر. يقال : اعتره واعتراه وعره وعراه إذا تعرض لما عنده أو طلبه؛ ذكره النحاس.

التفسير الميسّر:

وجعلنا لكم نَحْرَ البُدْن من شعائر الدين وأعلامه؛ لتتقربوا بها إلى الله، لكم فيها- أيها المتقربون -خير في منافعها من الأكل والصدقة والثواب والأجر، فقولوا عند ذبحها: بسم الله. وتُنْحَر الإبل واقفة قد صُفَّتْ ثلاث من قوائمها وقُيِّدت الرابعة، فإذا سقطت على الأرض جنوبها فقد حلَّ أكلها، فليأكل منها مقربوها تعبدًا ويُطْعِمُوا منها القانع -وهو الفقير الذي لم يسأل تعففًا- والمعترَّ الذي يسأل لحاجته، هكذا سخَّر الله البُدْن لكم، لعلكم تشكرون الله على تسخيرها لكم.

تفسير السعدي

هذا دليل على أن الشعائر عام في جميع أعلام الدين الظاهرة. وتقدم أن الله أخبر أن من عظم شعائره، فإن ذلك من تقوى القلوب، وهنا أخبر أن من جملة شعائره، البدن، أي: الإبل، والبقر، على أحد القولين، فتعظم وتستسمن، وتستحسن، { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } أي: المهدي وغيره، من الأكل، والصدقة، والانتفاع، والثواب، والأجر، { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا } أي: عند ذبحها قولوا " بسم الله " واذبحوها، { صَوَافَّ } أي: قائمات، بأن تقام على قوائمها الأربع، ثم تعقل يدها اليسرى، ثم تنحر.

{ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } أي: سقطت في الأرض جنوبها، حين تسلخ، ثم يسقط الجزار جنوبها على الأرض، فحينئذ قد استعدت لأن يؤكل منها، { فَكُلُوا مِنْهَا } وهذا خطاب للمهدي، فيجوز له الأكل من هديه، { وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } أي: الفقير الذي لا يسأل، تقنعا، وتعففا، والفقير الذي يسأل، فكل منهما له حق فيهما.

{ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ } أي: البدن { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله على تسخيرها، فإنه لولا تسخيره لها، لم يكن لكم بها طاقة، ولكنه ذللها لكم وسخرها، رحمة بكم وإحسانا إليكم، فاحمدوه.


تفسير البغوي

قوله عز وجل : ( والبدن ) جمع بدنة سميت بدنة لعظمها وضخامتها ، يريد : الإبل العظام الصحاح الأجسام ، يقال بدن الرجل بدنا وبدانة إذا ضخم ، فأما إذا أسن واسترخى يقال بدن تبدينا . قال عطاء والسدي : البدن : الإبل والبقر أما الغنم فلا تسمى بدنة . ( جعلناها لكم من شعائر الله ) من أعلام دينه ، سميت شعائر لأنها تشعر ، وهو أن تطعن بحديدة في سنامها فيعلم أنها هدي ، ( لكم فيها خير ) النفع في الدنيا والأجر في العقبى ، ( فاذكروا اسم الله عليها ) عند نحرها ، ( صواف ) أي : قياما على ثلاث قوائم قد صفت رجليها وإحدى يديها ، ويدها اليسرى معقولة فينحرها كذلك .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الله بن مسلمة ، أخبرنا يزيد بن زريع ، عن يونس ، عن زياد بن جبير قال : رأيت ابن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها ، قال : ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال مجاهد : الصواف إذا عقلت رجلها اليسرى وقامت على ثلاث قوائم .

وقرأ ابن مسعود : " صوافن " وهي أن تعقل منها يد وتنحر على ثلاث ، وهو مثل صواف . وقرأ أبي والحسن ومجاهد : " صوافي " بالياء أي : صافية خالصة لله لا شريك له فيها .

( فإذا وجبت جنوبها ) أي : سقطت بعد النحر فوقعت جنوبها على الأرض . وأصل الوجوب : الوقوع . يقال : وجبت الشمس إذا سقطت للمغيب ، ( فكلوا منها ) أمر إباحة ، ( وأطعموا القانع والمعتر ) اختلفوا في معناهما : .

فقال عكرمة وإبراهيم وقتادة : " القانع " الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ولا يسأل ، و " المعتر " الذي يسأل .

وروى العوفي عن ابن عباس : " القانع " الذي لا يعترض ولا يسأل ، و " المعتر " الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل ، فعلى هذين التأويلين يكون " القانع " : من القناعة ، يقال : قنع قناعة إذا رضي بما قسم له .

وقال سعيد بن جبير والحسن والكلبي : " القانع " : الذي يسأل ، " والمعتر " : الذي يتعرض ولا يسأل ، فيكون " القانع " من قنع يقنع قنوعا إذا سأل .

وقرأ الحسن : " والمعتري " وهو مثل المعتر ، يقال : عره واعتره وعراه واعتراه إذا أتاه يطلب معروفه ، إما سؤالا أو تعرضا .

وقال ابن زيد : " القانع " : المسكين ، " والمعتر " : الذي ليس بمسكين ، ولا يكون له ذبيحة يجيء إلى القوم فيتعرض لهم لأجل لحمهم .

( كذلك ) أي : مثل ما وصفنا من نحرها قياما ، ( سخرناها لكم ) نعمة منا لتتمكنوا من نحرها ، ( لعلكم تشكرون ) لكي تشكروا إنعام الله عليكم .


الإعراب:

(وَالْبُدْنَ) الواو استئنافية والبدن مفعول به لفعل محذوف تقديره جعلنا والجملة مستأنفة وقرئ البدن بالرفع مبتدأ (جَعَلْناها) ماض وفاعله ومفعوله والجملة مفسرة أو خبر على الوجه الثاني (لَكُمْ) متعلقان بجعلناها (مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ) متعلقان بجعلناها ولفظ الجلالة مضاف إليه (لَكُمْ) متعلقان بخبر مقدم (فِيها) متعلقان بالخبر المقدم (خَيْرٌ) مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة (فَاذْكُرُوا اسْمَ) الفاء الفصيحة أفصحت عن شرط محذوف وفعل أمر وفاعله ومفعوله (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (عَلَيْها) متعلقان باذكروا (صَوافَّ) أي بعضها إلى بعض قائمة معقولة إحدى القوائم وهي حال غير مصروف لأنه على صيغة منتهى الجموع وقرئ صوافن أي على رجل واحدة وصواف وصافى أي خالصة للّه تعالى.

(فَإِذا) الفاء حرف عطف وظرف شرطي (وَجَبَتْ) ماض والتاء للتأنيث (جُنُوبُها) فاعل والجملة في محل جر بالإضافة (فَكُلُوا) الفاء واقعة في جواب إذا وأمر وفاعله (مِنْها) متعلقان بكلوا والجملة جواب إذا لا محل لها (وَأَطْعِمُوا) الواو عاطفة وماض وفاعله والجملة معطوفة (الْقانِعَ) مفعول به ومعناها المتعفف (وَالْمُعْتَرَّ) معطوف على القانع (كَذلِكَ) الكاف جارة وذا مجرور ومتعلقان بصفة لمصدر محذوف (سَخَّرْناها) ماض وفاعله ومفعوله والجملة حال أي حال كونها مسخرة (لَكُمْ) متعلقان بسخرناها (لَعَلَّكُمْ) لعل حرف مشبه بالفعل والكاف اسمها والميم للجمع (تَشْكُرُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة خبر لعل وجملة لعلكم إلخ في محل نصب حال من لكم أو تعليلية لا محل لها.

---

Traslation and Transliteration:

Waalbudna jaAAalnaha lakum min shaAAairi Allahi lakum feeha khayrun faothkuroo isma Allahi AAalayha sawaffa faitha wajabat junoobuha fakuloo minha waatAAimoo alqaniAAa waalmuAAtarra kathalika sakhkharnaha lakum laAAallakum tashkuroona

بيانات السورة

اسم السورة سورة الحج (Al-Hajj - The Pilgrimage)
ترتيبها 22
عدد آياتها 78
عدد كلماتها 1279
عدد حروفها 5196
معنى اسمها (الحَجُّ): مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ، فُرِضَ علَى الْمُسْلِمِ المُكَلَّفِ مَرَّةً فِي العُمُرِ لِمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا
سبب تسميتها ذِكْرُ أَصْلِ فَرِيضَةِ (الحَجِّ) عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام
أسماؤها الأخرى لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الحَجِّ)
مقاصدها تَعْظِيمُ اللهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُ شَعَائِرَهِ وَأَحْكَامِهِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَين، سَأَلَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ رضي الله عنه رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ. (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الحَجِّ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ السَّاعَةِ وَمَشَاهِدِهَا، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ ١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا ...٧٨﴾، وَذَلِكَ يَومُ القِيَامَةِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الحَجِّ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الأَنْبِيَاءِ عليه السلام): لَمَّا خَتَمَ اللهُ تعَالَى سُورَةَ (الأَنْبِيَاءِ) بِتَوبِيخِ الكُفَّارِ بِقَولِهِ: ﴿وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ١١٢﴾ نَاسَبَ ذَلِكَ افْتِتَاحَ (الحَجِّ) بِالأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ؛ فَقَالَ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ ١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!