المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البقرة: [الآية 118]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة البقرة | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)
أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،
فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .
وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:
إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في
أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.
------------
(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 / 341 - ج 2 / 381 - ج 3 / 348 ، 123 ، 511 - ج 2 / 535 ، 684 - ج 3 / 381 - ج 1 / 435 ، 434تفسير ابن كثير:
قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، إن كنت رسولا من الله كما تقول ، فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه . فأنزل الله في ذلك من قوله : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية )
وقال مجاهد [ في قوله ] ) وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) قال : النصارى تقوله .
وهو اختيار ابن جرير ، قال : لأن السياق فيهم . وفي ذلك نظر .
[ وحكى القرطبي ( لولا يكلمنا الله ) أي : لو يخاطبنا بنبوتك يا محمد ، قلت : وظاهر السياق أعم ، والله أعلم ] .
وقال أبو العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، والسدي في تفسير هذه الآية : هذا قول كفار العرب ( كذلك قال الذين من قبلهم [ مثل قولهم ] ) قالوا : هم اليهود والنصارى . ويؤيد هذا القول ، وأن القائلين ذلك هم مشركو العرب ، قوله تعالى : ( وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ) [ الأنعام : 123 ] .
وقوله تعالى : ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ) [ الإسراء : 90 ، 93 ] ، وقوله تعالى : ( وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ) [ الفرقان : 21 ] ، وقوله : ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) [ المدثر : 52 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كفر مشركي العرب وعتوهم وعنادهم وسؤالهم ما لا حاجة لهم به ، إنما هو الكفر والمعاندة ، كما قال من قبلهم من الأمم الخالية من أهل الكتابين وغيرهم ، كما قال تعالى : ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة ) [ النساء : 153 ] وقال تعالى : ( وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) [ البقرة : 55 ] .
وقوله : ( تشابهت قلوبهم ) أي : أشبهت قلوب مشركي العرب قلوب من تقدمهم في الكفر والعناد والعتو ، كما قال تعالى : ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون ) [ الذاريات : 52 ، 53 ] .
وقوله : ( قد بينا الآيات لقوم يوقنون ) أي : قد وضحنا الدلالات على صدق الرسل بما لا يحتاج معها إلى سؤال آخر وزيادة أخرى ، لمن أيقن وصدق واتبع الرسل ، وفهم ما جاءوا به عن الله تبارك وتعالى . وأما من ختم الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة فأولئك الذين قال الله تعالى فيهم : ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 96 ، 97 ] .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
أي: قال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم: هلا يكلمنا, كما كلم الرسل، { أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ } يعنون آيات الاقتراح, التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة, وآرائهم الكاسدة, التي تجرأوا بها على الخالق, واستكبروا على رسله كقولهم: { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ } الآية، وقالوا: { لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ } الآيات وقوله: { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا } الآيات. فهذا دأبهم مع رسلهم, يطلبون آيات التعنت, لا آيات الاسترشاد, ولم يكن قصدهم تبين الحق، فإن الرسل, قد جاءوا من الآيات, بما يؤمن بمثله البشر, ولهذا قال تعالى: { قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } فكل موقن, فقد عرف من آيات الله الباهرة, وبراهينه الظاهرة, ما حصل له به اليقين, واندفع عنه كل شك وريب.
تفسير البغوي
قوله تعالى: {وقال الذين لا يعلمون} قال ابن عباس رضي الله عنهما: "اليهود"، وقال مجاهد: "النصارى"، وقال قتادة: "مشركو العرب".
{لولا} هلا. وكل ما في القرآن (لولا) فهو بمعنى هلا، إلا واحداً، وهو قوله: {فلولا أنه كان من المسبحين} [143-الصافات] معناه فلو لم يكن
{يكلمنا الله} عياناً بأنك رسوله.
{أو تأتينا آية} دلالة وعلامة على صدقك في ادعائك النبوة.
قال الله تعالى: {كذلك قال الذين من قبلهم} أي كفار الأمم الخالية.
{مثل قولهم تشابهت قلوبهم} أي أشبه بعضها بعضاً في الكفر والقسوة وطلب المحال.
{قد بينا الآيات لقوم يوقنون}.
الإعراب:
(وَقالَ) الواو استئنافية قال فعل ماض.
(الَّذِينَ) اسم موصول في محل رفع فاعل والجملة مستأنفة.
(لا يَعْلَمُونَ) لا نافية يعلمون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعل والجملة صلة الموصول لا محل لها.
(لَوْ لا) حرف حض.
(يُكَلِّمُنَا) فعل مضارع ونا مفعول به.
(اللَّهُ) لفظ الجلالة فاعل والجملة في محل نصب مقول القول.
(أَوْ) حرف عطف.
(تَأْتِينا) فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل ونا مفعول به.
(آيَةٌ) فاعل مرفوع والجملة معطوفة.
(كَذلِكَ) الكاف حرف جر ذلك اسم إشارة في محل جر والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق. تراجع الآية 73.
(قالَ الَّذِينَ) فعل ماض وفاعل.
(مِنْ قَبْلِهِمْ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول.
(مِثْلَ) مفعول به.
(قَوْلِهِمْ) مضاف إليه.
(تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) ماض وفاعله، والجملة في محل نصب حال.
(قَدْ) حرف تحقيق.
(بَيَّنَّا) فعل ماض مبني على السكون ونا فاعل.
(الْآياتِ) مفعول به منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم والجملة مستأنفة.
(لِقَوْمٍ) جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما.
(يُوقِنُونَ) فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة صفة قوم.