الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة القبض وهي للاسم القابض»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[21] - «حضرة القبض وهي للاسم القابض»

لا شك أن القبض معلوم *** في ذاته فالأمر مفهوم‏

وليس معلوما لنا سره *** لكنه لله معلوم‏

يعلمه الخائف من خوفه *** لذاك يمسي وهو مغموم‏

بستانه تبكيه أطياره *** يعمره الغربان والبوم‏

منقبض عنه وعن مثله *** فسره في الكون مكتوم‏

[قبض الحق من الممكن علمه به وقبض الممكن من الحق وجوده‏]

لها أثر في المحدث والقديم يدعى صاحبها عبد القابض بما يعطيه الممكن من أفعاله فيقبضها الحق منه كما

ورد أن الله يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ من عباده فيربيها لهم‏

وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فيقبضه بحيث إنه لا يبقى لغير الله فيه تصرف بعد القبض الإلهي إلا أن يعطيه الحق ذلك فيقبضه العبد من ربه وأول قبض قبضه الممكن من ربه وجوده فقبض الحق من الممكن علمه به وقبض الممكن من الحق وجوده وجميع ما يتصرف فيه ويضاف إليه من الأفعال فإذا وقعت يقبضها الحق من العامل فحضرة القبض بين القابض والمقبوض والمقبوض منه وقد يكون لهذه الحضرة في القابض قبض مجهول وهو خطر جدا كما يكون لها قبض معلوم فإذا وجد العبد من هذه الحضرة قبضا في نفسه لا يعرف سببه ولا يعرف منه سوى علمه بأنه قابض لأمر مجهول فهو مقبوض الباطن للحق بذلك الأمر الذي لا يعلمه فإذا وقع له مثل هذا القبض من هذه الحضرة فليسكن على ما هو عليه وليتحرك على الميزان المشروع والميزان العقلي ولا يتزلزل فإنه لا بد أن ينقدح له سبب وجود ذلك القبض إما بما يسوءه أو بما يسره ولله عباد يسرهم كل شي‏ء يقامون فيه من بسط وقبض مجهول ومعلوم‏

[أن الأدب مصاحب لحضرة القبض‏]

واعلم أن الأدب مصاحب لهذه الحضرة ولحضرة البسط فإذا قبض من الحق ما يعطيه الله فيقبضه من يده في أمور معينة ومن يد الغير في أمور معينة يعين ذلك مسمى الخير والشر فالخير كله بيد الله فيقبضه منه ولكن بأدب يليق بذلك الخير المعين وابذل جهدك في إن لا تقبض الشر جملة واحدة فإن أعماك الحق وأصمك واستعملك في قبض الشر فمن الأدب أن لا تقبضه من يد الله واقبضه من يد المسمى شيطانا فإن على يده يأتيك الشر فلو زال هذا البريد لم يقع في الوجود حكم شر وما أظهر عين الشر من هذا الشيطان إلا التكليف فإذا ارتفع ارتفع هذا الحكم ولم يبق إلا الغرض والملاءمة فنيل الغرض والملائم خير وفقد ما تعلق به الغرض وما لا يلائم شر

فخذ الخير كله *** من يد الحق تسعد

ودع الشر كله *** في يد الغير ترشد

سواء نسبتهما إلى الشرع أو إلى الغرض أو الملاءمة فمن القبض ما يكون عن وهب ومنه ما يكون عن جود وكرم وعن سخاء وعن إيثار وليس إلا قبض الشر يكون وهو عن إيثار لجناب الحق حيث أضفته إلى نفسك ولم تضفه إلى الله أدبا مع الله حيث لم ينسبه إلى نفسه‏

فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم المترجم عن الله تعالى يقول والشر ليس إليك‏

وقال وما أَصابَكَ من سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ فكل ما يسوءك فهو شر في حقك فلو لم يطلق عليه اسم شر لم تضفه إليك ولا أضافه الحق إليك أ لا تراه إذا نظرته فعلا من غير حكم عليه كيف يقول كُلٌّ من عِنْدِ الله ظهر فقف مع الحكم الإلهي في الأشياء وعلى الأشياء تكن أديبا معصوما فإنه لا يحفظ الله هذا المقام إلا على من عصم الله واعتنى به ومن هذه الحضرة

تقرض الله ما طلب منك من القرض وتعلم أنه ما طلبه منك إلا ليعود به وبأضعافه عليك من جهة من تعطيه إياه من المخلوقين فمن أقرض أحدا من خلق الله فإنما أقرض الله وليس الحسن في القرض إلا أن ترى يد الله هي القابضة لذلك القرض لا غير فتعلم عند ذلك في يد من جعلت ذلك وهو الحفيظ الكريم وأما قبضه ما يقبضه للدلالة عليه كقبض الظل إليه ليعرفك بك وبنفسه لأنه ما خرج الظل إلا منك ولو لا أنت لم يكن ظل ولو لا الشمس أو النور لم يكن ظل وكلما كثف الشخص تحققت أعيان الظلال فالأمر بينك وبينه كما قررنا في الوجود بين الاقتدار الإلهي وبين القبول من الممكن مهما ارتفع واحد منهما ارتفع الوجود الحادث كذلك إذا ارتفع العين المشرق والجسم الكثيف الحائل عن نفوذ هذا الإشراق فيه حدث الظل فالظل من أثر نور وظلمة ولهذا لا يثبت الظل عند مشاهدة النور كما لا تثبت الظلمة لأنه ابنها فإن للظلمة ولادة على الظل بنكاح النور فما قابل النور من الجسم الكثيف أشرق فذلك الإشراق هو نكاح النور له وبنفس ما يقع النكاح تكون ولادته للظل فنفس النكاح نفس الحمل نفس الولادة في زمان واحد كما قلنا في زمان وجود البرق انصباغ الهواء وظهور المحسوسات وإدراك الأبصار لها والزمان واحد والتقدم والتأخر معقول وهكذا الظل فافهم ومن هذه الحضرة سماع ما يقبضك ورؤية ما يقبضك فلو لم يقبض المسموع الذي قبضك ما كنت مقبوضا وكذلك الرؤية فأنت القابض المقبوض فما أتى عليك إلا منك فلو أزلت الغرض عند السماع أو الرؤية لكنت قابضا ولم تكن مقبوضا غير إن هذه الحقيقة لا ترتفع من العالم لأن الاستناد قوى بقوله اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ الله وليس إلا القبض فإذا أخبر الحق بوجود الأثر في ذلك الجناب فأين يخرج العبد من حكمه لذلك قال في نعيم الجنان ولَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وليس إلا نيل الأغراض فتحقق حكم هذه الحضرة وما تعطيه في الإنسان والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!