[التكليف،الخطيئة،العقوبة]
اعلم أيدك اللّٰه بروح منه إن اللّٰه تعالى يقول لإبليس اسجد لآدم فظهر الأمر فيه و قال لآدم و حواء ﴿لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ [البقرة:35] فظهر النهي فيهما و التكليف مقسم بين أمر و نهي و هما محمولان على الوجوب حتى تخرجهما عن مقام الوجوب قرينة حال و إن كان مذهبنا فيهما التوقيف فتعين امتثال الأمر و النهي و هذا أول أمر ظهر في العالم الطبيعي و أول نهي و قد أعلمناك أن الخاطر الأول و أن جميع الأوليات لا تكون إلا ربانية و لهذا تصدق و لا تخطئ أبدا و يقطع به صاحبه فسلطانه قوي و لما كان هذا أول أمر و نهي لذلك وقعت العقوبة عند المخالفة و لم يمهل فإذا جاءت الأوامر بالوسائط لم تقو قوة الأول و هي الأوامر الواردة إلينا على ألسنة الرسل و هي على قسمين إما ثوان و هو ما يلقي اللّٰه إلى نبيه في نفسه من غير واسطة الملك فيصل إلينا الأمر الإلهي و قد جاز على حضرة كونية فاكتسب منه حالة لم يكن عليها فإن الأسماء الإلهية تلقته في هذه الحضرة الكونية فشاركته بأحكامها في حكمه و إما أن ينزل عليه بذلك الأمر الملك فيكون الأمر الإلهي قد جاز على حضرتين من الكون جبريل و أي ملك كان و أي نبي كان فيكون فعله و أثره في القوة دون الأول و الثاني فلذلك لم تقع المؤاخذة معجلة فأما إمهال إلى الآخرة و إما غفران فلا يؤاخذ بذلك أبدا و فعل اللّٰه ذلك رحمة بعباده كما أنه تعالى خص النهي بآدم و حواء و النهي ليس بتكليف عملي فإنه يتضمن أمرا عدميا و هو لا تفعل و من حقيقة الممكن أنه لا يفعل فكأنه قيل له لا تفارق أصلك و الأمر ليس كذلك فإنه يتضمن أمرا وجوديا و هو أن يفعل فكأنه قيل له أخرج عن أصلك فالأمر أشق على النفس من النهي إذ كلف الخروج عن أصله فلو أن إبليس لما عصى و لم يسجد لم يقل ما قال من التكبر و الفضيلة التي نسبها إلى نفسه على غيره فخرج عن عبوديته بقدر ذلك فحلت به عقوبة اللّٰه و كانت العقوبة لآدم و حواء لما تكلفا الخروج عن أصلهما و هو الترك و هو أمر عدمي بالأكل و هو أمر وجودي فشرك اللّٰه بين إبليس و آدم و حواء في ضمير واحد و هو كان أشد العقوبة على آدم فقيل لهم اهبطوا بضمير الجماعة و لم يكن الهبوط عقوبة لآدم و حواء و إنما كان عقوبة لإبليس فإن آدم أهبط لصدق الوعد بأن يجعل في الأرض خليفة بعد ما تاب عليه و اجتباه و تلقى الكلمات من ربه بالاعتراف فاعترافه عليه السلام في مقابلة كلام إبليس ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [الأعراف:12] فعرفنا الحق بمقام الاعتراف عند اللّٰه و ما ينتجه من السعادة لنتخذه طريقا في مخالفتنا و عرفنا بدعوى إبليس و مقالته لنحذر من مثلها عند مخالفتنا و أهبطت حواء للتناسل و أهبط إبليس للاغواء فكان هبوط آدم و حواء هبوط كرامة و هبوط إبليس هبوط خذلان و عقوية و اكتساب أو زار فإن معصيته كانت لا تقتضي تأبيد الشقاء فإنه لم يشرك بل افتخر بما خلقه اللّٰه عليه و كتبه شقيا و دار الشقاء مخصوصة بأهل الشرك فأنزله اللّٰه إلى الأرض ليسن الشرك بالوسوسة في قلوب العباد فإذا أشركوا و تبرأ إبليس من المشرك و من الشرك لم ينفعه تبريه منه فإنه هو الذي قال له اكفر كما أخبر اللّٰه تعالى فحار عليه وزر كل مشرك في العالم و إن كان موحدا فإنه من سن سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية