﴿عٰالِمُ الْغَيْبِ فَلاٰ يُظْهِرُ عَلىٰ غَيْبِهِ أَحَداً﴾ [الجن:26] ثم لتعلم بعد ما عرفتك بسريان النور في الأشياء أن الخلق بين شقي و سعيد فبسريان النور في جميع الموجودات كثيفها و لطيفها المظلمة و غير المظلمة أقرت الموجودات كلها بوجود الصانع لها بلا شك و لا ريب و بما له الغيب المطلق لا تعلم ذاته من طريق الثبوت لكن تنزه عما يليق بالمحدثات كما أن الغيب يعلم أن ثم غيبا و لكن لا يعلم ما فيه و لا ما هو فإذا وردت الأخبار الإلهية على ألسنة الروحانيين و نقلتها إلى الرسل و نقلتها الرسل عليهم السلام إلينا فمن آمن بها و ترك فكره خلف ظهره و قبلها بصفة القبول التي في عقله و صدق المخبر فيما أتاه به فإن اقتضى عملا زائدا على التصديق به عمله فذلك المعبر عنه بالسعيد و هو مما ﴿أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق:37] و له الجزاء بما وعده به من الخير في دار القرار و النعيم الدائم الذي لا يجري إلى أجل مسمى فينقطع بحلول أجله من حيث الجملة حكما إلهيا لا يتبدل و لا ينخرم و لا ينتسخ و من لم يؤمن بها و جعل فكره الفاسد أمامه و اقتدى به و رد الأخبار النبوية إما بتكذيب الأصل و إما بالتأويل الفاسد فإن كذب المخبر بما أتاه به و لم يعمل بمقتضى ما قيل له إن اقتضى ذلك عملا زائدا على التصديق به فذلك المعبر عنه بالشقي و هو من جهة ما فيه من الظلمة كما آمن السعيد من جهة ما فيه من النور و له الجزاء بما أوعده إن كذب من الشر في دار البوار و عدم القرار لوجود العذاب الدائم الذي لا يجري إلى أجل مسمى و إن كان له أجل في نفس الأمر من حيث الجملة حكما إلهيا عدلا كما كان في السعيد فضلا لا يتبدل و لا ينخرم و لا ينتسخ و في هذا خلاف بين أهل الكشف و هي مسألة عظيمة بين علماء الرسوم من المؤمنين و بين أهل الكشف و كذلك أيضا بين أهل الكشف فيها الخلاف هل يتسرمد العذاب عليهم إلى ما لا نهاية له أو يكون لهم نعيم بدار الشقاء فينتهي العذاب فيهم إلى أجل مسمى و اتفقوا في عدم الخروج منها و إنهم بها ماكثون إلى ما لا نهاية له فإن لكل واحدة من الدارين ملؤها و تتنوع عليهم أسباب الآلام ظاهرا لا بد من ذلك و هم يجدون في ذلك لذة في أنفسهم بالخلاف المتقدم باطنا بعد ما يأخذ الألم منهم جزاء العقوبة حدثني عبد اللّٰه الموروري في جماعة غيره عن أبي مدين إمام الجماعة أنه قال يدخل أهل الدارين فيهما السعداء بفضل اللّٰه و أهل النار بعدل اللّٰه و ينزلون فيهما بالأعمال و يخلدون فيهما بالنيات و هذا كشف صحيح و كلام حر عليه حشمة فيأخذ جزاء العقوبة الألم موازيا لمدة المعمر في الشرك في الدنيا فإذا فرغ الأمد جعل لهم نعيم في النار بحيث إنهم لو دخلوا الجنة تألموا لعدم موافقة المزاج الذي ركبهم اللّٰه فيه فهم يتلذذون بما هم فيه من نار و زمهرير و ما فيها من لدغ الحيات و العقارب كما يلتذ أهل الجنة بالظلال و النور و لثم الحور الحسان لأن مزاجهم يقضي بذلك أ لا ترى الجعل في الدنيا هو على مزاج يتضرر بريح الورد و يلتذ بالنتن كذلك من خلق على مزاجه و قد وقع في الدنيا أمزجة على هذا شاهدناها فما ثم مزاج في العالم إلا و له لذة بالمناسب و عدم لذة بالمنافر أ لا ترى المحرور يتألم بريح المسك فاللذات تابعة للملائم و الآلام لعدم الملائم فهذا الأمر محقق في نفسه لا ينكره عاقل و إنما الشأن هل أهل النار على هذا المزاج بهذه المثابة بعد فراغ المدة أم لا أو هم على مزاج يقتضي لهم الإحساس بالآلام للأشياء المؤلمة و النقل الصحيح الصريح النص الذي لا إشكال فيه إذا وجد مفيدا للعلم يحكم به بلا شك ف ﴿اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة:20] و إن كنت لا أجهل الأمر في ذلك و لكن لا يلزم الإفصاح عنه فإن الإفصاح عنه لا يرفع الخلاف من العالم و بعض أهل الكشف قال إنهم يخرجون إلى الجنة حتى لا يبقى فيها أحد من الناس البتة و تبقي أبوابها تصفق و ينبت فيها الجرجير و يخلق اللّٰه لها أهلا يملؤها بهم من مزاجها كما يخلق السمك في الماء و عالم الهواء في الهواء و عالم
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية