لأنه خلاف المعلوم فوقوعه محال فالأمر و إن كان ممكنا بالنظر إليه فليس بممكن بالنظر إلى علم اللّٰه فيه بوقوع أحد الإمكانين و أحدية المشيئة فيه و ما تعلقت المشيئة الإلهية بكونه فلا بد من كونه و ما لا بد من وقوعه لا يتصف بالإمكان بالنظر إلى هذه الحقيقة و لهذا عدل من عدل من الناظرين في هذا الشأن من إطلاق اسم الممكن عليه إلى اسم الواجب الوجود بالغير و هو أولى في التحقيق لأحدية المشيئة و لهذا قال و لو شاء حيث ما قاله و لو حرف امتناع لامتناع فقد سبقت المشيئة بما سبقت كما قال ﴿وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنٰا لِعِبٰادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات:171] فكان اسم وجوب الوجود بالغير أكمل في نسبة الأمر من اسم الممكن إذ ما ثم إلا أمر واحد ﴿كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر:50] فزال الاحتمال فزال الإمكان فما ثم إلا وجوب مطلق أو وجوب مقيد ثم نرجع و نقول
[أن الحب الطبيعي من ذاته إذا قام بالمحب أن لا يحب المحبوب إلا من النعيم به]
اعلم أن الحب الطبيعي من ذاته إذا قام بالمحب أن لا يحب المحبوب إلا لما له فيه من النعيم به و اللذة فيحبه لنفسه لا لعين المحبوب و قد تبين لك فيما تقدم أن هذه الحقيقة سارية في الحب الإلهي و الروحاني فأما بدء الحب الطبيعي فما هو للانعام و الإحسان فإن الطبع لا يعرف ذلك جملة واحدة و إنما يحب الأشياء لذاته خاصة فيريد الاتصال بها و الدنو منها و هو سار في كل حيوان و هو في الإنسان بما هو حيوان فيحبه الحيوان في نفس الأمر لقوام وجوده به لا لأمر آخر و لكن لا يعرف معنى قوام وجوده و إنما يجد داعية من نفسه للاتصال بموجود معين ذلك الاتصال هو محبوبه بالأصالة و ذلك لا يكون إلا في موجود معين فيحب ذلك الوجود بحكم التبعية لا بالأصالة فاتصاله اتصال محسوس و قرب محسوس و هو قولنا و جثمانا بجثمان فهذا هو غاية الحب الطبيعي فإن كان نكاحا عين محبوبه في موجود ما فغايته حصول ذلك المحبوب في الوجود فيطلب و يشتاق للمحل الذي يظهر فيه عين محبوبه و لا يظهر إلا بينهما لا في واحد منهما لأنها نسبة بين اثنين و كذلك إن كان عناقا أو تقبيلا أو مؤانسة أو ما كان و لا فرق بين أن تقول طبيعة الشيء أو حقيقته كل ذلك سائغ في العبارة عنه و هو في الإنسان أتم من غيره لأنه جامع حقائق العالم و الصورة الإلهية فله نسبة إلى الجناب الأقدس فإنه عنه ظهر و عن قوله كن تكون و له نسبة إلى الأرواح بروحه و إلى عالم الطبيعة و العناصر بجسمه من حيث نشأته فهو يحب كل ما تطلبه العناصر و الطبيعة بذاته و ليس إلا عالم الأجسام و الأجساد و الأرواح و منها أجسام عنصرية و كل جسم عنصري فهو طبيعي و منها أجسام طبيعية غير عنصرية فما كل جسم طبيعي عنصري فالعناصر من الأجسام الطبيعية لا يقال فيها عنصرية و كذلك الأفلاك و الأملاك و لهذا عرفنا إن الملأ الأعلى يختصمون فيدخلون في قوله تعالى ﴿وَ لاٰ يَزٰالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّٰ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية