الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«المجد حضرة المجد»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[48] - «المجد حضرة المجد»

يدعى صاحبها عبد المجيد والقرآن المجيد وهو كلامه تعالى فهو عينه‏

حضرة المجد والشرف *** حضرة الزهو والصلف‏

فذوو مجدنا فمن *** بحرها الكل يغترف‏

فإذا ما تمجدت *** عينه قام ينصرف‏

لقصور له بها *** خادم العز قد وقف‏

فتحلى بحلية *** وهبته حكم النصف‏

وهبته نصيفها *** وبه قام فالتحف‏

نحن للجوهر المكون *** في عيننا صدف‏

إذا قال المصلي ملك يوم الدين يقول الحق مجدني عبدي‏

أي جعل لي الشرف عليه كما هو الأمر في نفسه فانظر إلى هذا الاعتراف وهو الحق الذي له المجد بالأصالة والكلام كلامه بلا خلاف فإنه القرآن وقال عن نفسه إنه يقول عند مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ مجدني عبدي‏

وهو تنبيه إلهي من الله على إن الأمر إضافي فإنه إذا لم يكن هناك من يشرف عليه كونا ثابتا أو عينا كائنة فعلى من يشرف ويتمجد فما أعطاه المجد إلا وجود العبد فما قال الحق في قوله مجدني عبدي إلا حقا

فلو زلنا لزال المجد عنه *** فتمجيدي له المجد التليد

تولد عن وجود القول مني *** كذا قال الإله لي المجيد

وقلناه بعلم واعتقاد *** فجاء لشكرنا منه المزيد

فكان هو المراد بعين قولي *** كما قد كان في الأصل المريد

له حكم التحكم في وجودي *** هو الفعال فينا ما يريد

وليس يريد إلا كل ما لا *** وجود له فحقق ما أريد

فليس يريد عيني حال كوني *** فكون الكائنات هو الوجود

فقد شهدت إرادته عليه *** بأن مراده أبدا فقيد

[إن يوم الدين يوم الجزاء]

فلما قال مجدني عبدي عند قول المصلي ملك يوم الدين علمنا أنه قال أعطاني عبدي المجد والشرف على العالم في الدنيا والآخرة لأني جازيت العالم على أعمالهم في الدنيا والآخرة فيوم الدين هو يوم الجزاء فإن الحدود ما شرعت في الشرائع الأجزاء وما أصابت المصائب من أصابته الأجزاء بما كسبت يده مع كونه يعفو عن كثير قال تعالى وما أَصابَكُمْ من مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ وكذلك ما ظهر من الفتن والخراب والحروب والطاعون فهو كله جزاء بأعمال عملوها استحقوا بذلك ما ظهر من الفساد في البر من خسف وغير ذلك وقحط ووباء وقتل وأسر وكذلك في البحر مثل هذا مع غرق وتجرع غصص لزعزع ريح متلفة قال تعالى ظَهَرَ الْفَسادُ وهو ما ذكرناه ومن جنس ما قررناه في الْبَرِّ والْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ أي بما عملوا لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا

وهذا عين الجزاء وهو في الدنيا هو فيوم الدنيا يوم الجزاء ويوم الآخرة هو يوم الجزاء غير أنه في الآخرة أشد وأعظم لأنه لا ينتج أجرا لمن أصيب وقد ينتج في الدنيا أجرا لمن أصيب وقد لا ينتج فهذا هو الفرقان بين يوم الدنيا ويوم الآخرة وقد تعقب المصيبة لمن قامت به توبة مقبولة وقد يكون في الدنيا حكم يوم الآخرة في عدم قبول التوبة وهو قوله في طلوع الشمس من مغربها إنه لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ من قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمانِها خَيْراً فلا ينفع عمل العامل مع كونه في الدنيا فأشبه الآخرة وكذلك أيضا المصاب في الدنيا تكفر عنه مصيبته من الخطايا ما يعلم الله ومصيبة الآخرة لا تكفر

وقد يكون هذا الحكم في يوم الدنيا فأشبه الآخرة أيضا وهو قوله في حق المحاربين الَّذِينَ يُحارِبُونَ الله ورَسُولَهُ من قتلهم وصلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم من مواطنهم وذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ في الدُّنْيا ولَهُمْ في الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ على تلك المحاربة والفساد جزاء لهم فما كفر عنهم ما أصابهم في الدنيا من البلاء فانظر ما أحكم القرآن وما فيه من العلوم لمن رزق الفهم فيه فكل ما هم فيه العلماء بالله ما هو إلا فهمهم في القرآن خاصة فإنه الوحي المعصوم المقطوع بصدقه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه فتصدقه الكتب المنزلة قبله ولا من خلفه ولا ينزل بعده ما يكذبه ويبطله فهو حق ثابت وكل تنزل سواه في هذه الأمة وقبلها في الأمم فيمكن أن يأتيه الباطل من بين يديه فيعثر صاحبه على آية أو خبر صحيح يبطل له ما كان يعتمد عليه من تنزيله وهو قول الجنيد علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة أن يشهدا له بذلك بأنه حق من عند الله ويأتيه من خلفه أي لا يعلم في الوقت بطلانه لكن قد يعلمه فيما بعد فهو نظير قوله في القرآن لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ من بَيْنِ يَدَيْهِ ولا من خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ من حَكِيمٍ حَمِيدٍ فأي مجد أعظم من هذا المجد الذي اعترف به العبد لربه بأن شهد له بأنه الملك في يوم الدين والخلق ملكه الذي تظهر فيه أحكامه ثم إنه قد علمنا بالخبر الصدق أن أعمال العباد ترجع عليهم فلا بد أن يرجع عليهم هذا المجد الذي مجدوا الحق به فيكون لهم في الآخرة المجد الطريف والتليد فرجوع أعمالهم عليهم اقتضته حقيقة قوله وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ بعد ما كانت الدعاوي الكيانية قد أخذته وأضافته إلى الخلق فمن رجوع الأمر كله إليه رجعت أعمال العباد عليهم فالعبد بحسب ما عمل فهو المقدس إن كان عمله تقديس الحق وهو المنزه بتنزيهه والمعظم بتعظيمه ولما لحظ من لحظ من أهل الكشف هذه الرجعة عليه قال سبحاني فأعاد التنزيه عليه لفظا كما عاد عليه حكما وكما قال الآخر في مثل هذا أنا الله فإنه ما عبد إلا ما اعتقده وما اعتقد إلا ما أوجده في نفسه فما عبد إلا مجعولا مثله فقال عند ما رأى هذه الحقيقة من الاشتراك في الخلق قال أنا لله فأعذره الحق ولم يؤاخذه فإنه ما قال إلا علي كما قال من أخذه الله تعالى نَكالَ الْآخِرَةِ والْأُولى‏ وأما من قالها بحق أي من قال ذلك والحق لسانه وسمعه وبصره فذلك دون صاحب هذا المقام فمقام الذي قال أنا الله من حيث اعتقاده أتم ممن قالها بحق فإنه ما قالها إلا بعد استشرافه على ذلك فعلم من عبد والفضل في العلم يكون والله يقول الحق وهو يهدي السبيل‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!