The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«الوداد حضرة الود»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[47] - «الوداد حضرة الود»

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم‏

إلا إن الوداد هو الثبات *** على حال يزعزعه الشتات‏

ويجمعنا وإياه مقام *** إذا تبدو على الوجه السمات‏

بواد لا أنيس به وأرض *** تزينها الأزاهر والنبات‏

أزاهره البنون إذا تراهم *** على كرسيه وكذا البنات‏

إذا خافوا يؤمنهم صباح *** وليس يخيفهم إلا البيات‏

[الهوى والود والحب والعشق‏]

يدعى صاحبها عبد الودود قال الله تعالى في أصحاب هذه الحضرة يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ وقال فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله‏

وفي الحديث الصحيح إذا أحب الله عبده كان سمعه وبصره ويده ورجله وقواه ثابتة له لا تزول وإن كان أعمى أخرس‏

فالصفة موجودة خلف حجاب العمي والخرس والطرش فهو ثابت المحبة من كونها ودا فإن هذه الصفة لها أربعة أحوال لكل حال اسم تعرف به وهي الهوى والود والحب والعشق فأول سقوطه في القلب وحصوله يسمى هوى من هوى النجم إذا سقط ثم الود وهو ثباته ثم الحب وهو صفاؤه وخلاصه من إرادته فهو مع إرادة محبوبه ثم العشق وهو التفافه بالقلب مأخوذ من العشقة اللبلابة المشوكة التي تلتف على شجرة العنبة وأمثالها فهو يلتف بقلب المحب حتى يعميه عن النظر إلى غير محبوبه تنبيه وكيف لا يحب الصانع صنعته ونحن مصنوعاته بلا شك فإنه خالقنا وخالق أرزاقنا ومصالحنا

أوحى الله إلى بعض أنبيائه يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك وخلقك من أجلي فلا تهتك ما خلقت من أجلي فيما خلقت من أجلك يا ابن آدم أنى وحقي لك محب فبحقي عليك كن لي محبا

والصنعة مظهرة علم الصانع لها بالذات واقتداره وجماله وعظمته وكبرياءه فإن لم يكن فعلى من وفيمن وبمن فلا بد منا ولا بد من حبه فينا فهو بنا ونحن به كما

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في ثنائه على ربه فإنما نحن به وله‏

وهذه حضرة العطف والديمومة

فلو لا الحب ما عرف الوداد *** ولو لا الفقر ما عبد الجواد

فنحن به ونحن له جميعا *** فمن ودي عليه الاعتماد

إذا شاء الإله وجود عين *** بها قد شاءها فمضى العناد

فكنا عند كن من غير بطء *** ونعت الكون ذاك المستفاد

فعين الحب عين الكون منه *** وعينه وأظهره الوداد

فلم يزل يحب فلم يزل ودودا فهو يوجد دائما في حقنا فهو كل يوم في الشأن ولا معنى للوداد إلا هذا فنحن بلسان الحال والمقال لا نزال نقول له افعل كذا افعل كذا ولا يزال هو تعالى يفعل ومن فعله فينا نقول له افعل أ ترى هذا فعل مكره ولا مكره له تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بل هذا حكم الاسم الودود منه فإنه الغفور الودود منه فإنه الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ الذي استوى عليه بالاسم الرحمن فإنه ما رحم إلا صبابة المحب وهي رقة الشوق إلى لقاء المحبوب ولا يلقاه إلا بصفته وصفته الوجود فأعطاه الوجود ولو كان عنده أكمل من ذلك ما بخل به عليه كما قال الإمام أبو حامد في هذا المقام ولو كان وادخره لكان بخلا ينافي الجود وعجزا يناقض القدرة فأخبر تعالى أنه الْغَفُورُ الْوَدُودُ أي الثابت المحبة في غيبه فإنه عز وجل يرانا فيرى محبوبه فله الابتهاج به والعالم كله إنسان واحد هو المحبوب وأشخاص العالم أعضاء ذلك الإنسان وما وصف المحبوب بمحبة محبه وإنما جعله محبوبا لا غير ثم إن من رزقه أن يحبه كحبه إياه أعطاه الشهود ونعمه بشهوده في صور الأشياء فالمحبون له من العالم بمنزلة إنسان العين من العين فالإنسان وإن كان ذا أعضاء كثيرة فما يشهد ويرى منه إلا العينان خاصة فالعين بمنزلة المحبين من العالم فأعطى الشهود لمحبيه لما علم حبهم فيه وهو عنده علم ذوق ففعل مع محبيه فعله مع نفسه وليس إلا الشهود في حال الوجود الذي هو محبوب للمحبوب فما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه فما خلقهم من بين الخلق إلا لمحبته فإنه ما يعبده ويتذلل إليه إلا محب وما عدا الإنسان فهو مسبح بحمده لأنه ما شهده فيحبه فما تجلى لأحد من خلقه في اسمه الجميل إلا للإنسان وفي الإنسان في علمي فلذا ما فنى وهام في حبه بكليته إلا في ربه أو فيمن كان مجلى ربه فأعين العالم المحبون منه كان المحبوب ما كان فإن جميع المخلوقين منصات تجلى الحق فودادهم ثابت فهم الأوداء وهو الودود والأمر مستور بين الحق والخلق بالخلق والحق ولهذا أتى مع الودود الاسم الغفور لأجل الستر فقيل قيس أحب ليلى فليلي عن المجلى وكذلك بشر أحب هندا وكثير أحب عزة وابن الذريح أحب لبني وتوبة أحب الإخيلية وجميل أحب بثينة وهؤلاء كلهم منصات تجلى الحق لهم عليها وإن جهلوا من أحبوه بالأسماء فإن الإنسان قد يرى شخصا فيحبه ولا يعرف من هو ولا يعرف اسمه ولا إلى من ينتسب ولا منزله ويعطيه الحب بذاته أن يبحث عن اسمه ومنزله حتى يلازمه ويعرفه في حال غيبته باسمه ونسبه فيسأل عنه إذا فقد مشاهدته وهكذا حبنا الله تعالى نحبه في مجاليه وفي هذا الاسم الخاص الذي هو ليلى ولبني أو من كان ولا نعرف أنه عين الحق فهنا نحب الاسم ولا نعرف أنه عين الحق فهنا نحب الاسم ولا نعرف العين وفي المخلوق تعرف العين وتحب وقد لا يعرف الاسم أ يأبى الحب إلا التعريف به أي بالمحبوب فمنا من يعرفه في الدنيا ومنا من لا يعرفه حتى يموت محبا في أمر ما فينقدح له عند كشف الغطاء أنه ما أحب إلا الله وحجبه اسم المخلوق كما عبد المخلوق هنا من عبده وما عبد إلا الله من حيث لا يدري ويسمى معبوده بمناة والعزى واللات فإذا مات وانكشف الغطاء علم أنه ما عبد إلا الله فالله يقول وقَضى‏ رَبُّكَ أي حكم أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وكذلك كان عابد الوثن لو لا ما اعتقد فيه الولهة بوجه ما عبده إلا أنه بالستر المسدل في قوله تعالى الْغَفُورُ الْوَدُودُ لم يعرفه وليس إلا الأسماء ولذلك قال المعبود الحقيقي في نفس الأمر لما أضافوا عبادتهم إلى المجالي والمنصات قُلْ سَمُّوهُمْ فإذا سموهم عرفوهم وإذا عرفوهم عرفوا الفرق بين‏

الله وبين من سموه كما تعرف المنصة من المتجلي فيها فتقول هذه مجلى هذا فيفرق‏

فهكذا الأمر إن عقلنا *** فإن تكن فيه كنت أنتا

منصة الحق أنت حقا *** فأنت ما أنت حين أنتا

فقد ملكت الذي أردنا *** وقد علمت الذي عبدنا

فليس ليلى وليس لبني *** سوى الذي أنت قد علمتا

إن كنت في حبه بصيرا *** تشهده منك أنت أنتا

فما أحب المحب غيرا *** سواه فالكل أنت أنتا

فما أعجب القرآن في مناسبة الأسماء بالأحوال ف هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ فهو المحب وهو فعال لما يريد فهو المحبوب لأن المحبوب فعال لما يريد بمحبوبه والمحب سامع مطيع مهيأ لما يريد به محبوبه لأنه المحب الودود أي الثابت على لوازم المحبة وشروطها والعين واحدة فإن الودود هنا هو الفعال لما يريد فانظر في هذا التنبيه الإلهي ما أعجبه وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!