الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة الحكم»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[29] - «حضرة الحكم»

إذا تنازعكم نفس لتقهركم *** فاجعل إلهك فيما بينكم حكما

احذر من العدل منه أن يعادله *** فإنه لكما بما به حكما

[القاضي هو الحاكم‏]

يدعى صاحبها عبد الحكم قال تعالى فَابْعَثُوا حَكَماً من أَهْلِهِ وحَكَماً من أَهْلِها وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في عيسى عليه السلام إنه ينزل فينا حكما مقسطا

الحديث كما ورد فالحكم هو القاضي في الأمور إما بحسب أوضاعها وإما بحسب أعيانها فيحكم على الأشياء بحدودها فهي الحكم على نفسها لأنه ما حكم عليها إلا بها ولو حكم بغير ما هي عليه لكان حكم جور وكان قاسطا لا مقسطا والحكم هو القضاء المحكوم به على المحكوم عليه بما هو المحكوم فيه وأعجب ما في هذه الحضرة نصب الحكمين في النازلة الواحدة وهما من وجه كالكتاب والسنة فقد يتفقان في الحكم وقد يختلفان فإن علم التأريخ كان نسخا وإن جهل التأريخ ما أن يسقطا معا وأما أن يعمل بهما على التخيير فأي شي‏ء عمل من ذلك كان كالمسح في الوضوء للرجلين وكالغسل فأي الأمرين وقع فقد أدى المكلف واجبا على إن في المسألة الخلاف المشهور ولكن عدلنا إلى مذهبنا فيه خاصة فذكرناه ومرتبة الحكم أن يحكم للشي‏ء وعلى الشي‏ء وهذه حضرة القضاء من وقف على حقيقتها شهودا علم سر القدر وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء فما جاءها شي‏ء من خارج وقد ورد أعمالكم ترد عليكم‏

وفي الحدود الذاتية برهان ما نبهنا عليه في هذه الحضرة الحكمية

[ان الحضرة الحكم مماثلة لحضرة العلم‏]

اعلم أن حقيقة هذه الحضرة من أعجب ما يكون من المعلومات فإنها مماثلة لحضرة العلم وذلك أنها عين المحكوم به الذي هو ما هو المحكوم عليه أو له فالحكم ما أعطى أمرا من عنده لمن حكم له أو عليه إذا كان عدلا مقسطا وأما إذا كان جائرا قاسطا وإن كان حكما فما هو من هذه الحضرة وهو منها بالاشتراك اللفظي وإمضاء ما حكم به وأما قول الله مخبرا وآمرا قالَ وقل كلاهما رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ هو الحكم الذي لا يكون حقا إلا بك ومتى لم يكن الحكم بالمحكوم له أو عليه فليس حقا فالمخلوق أو المحكوم عليه جعل الحاكم حكما كما إن المعلوم جعل العالم عالما أو ذا علم لأنه تبع له وليس القادر كذلك ولا المريد فإن الأثر للقادر في المقدور ولا أثر للعلم في المعلوم ولا للحكم في المحكوم عليه والحكم أخو العليم فإنه حاكم على كل معلوم بما هو ذلك المعلوم عليه في ذاته وقوله في جزاء الصيد يَحْكُمُ به ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فيه رائحة إن الجائر في الحكم يسمى حكما شرعا إلا إن الحاكم لما شرع له أن يحكم بغلبة ظنه وليس علما فقد يصادف الحق في الحكم وقد لا يصادف وليس بمذموم شرعا ويسمى حكما وإن لم يصادف الحق ويمضي حكمه عند الله وفي المحكوم عليه وله فهنا ينفصل من العليم ويتميز لأنه ليس هنا تابع‏

للمحكوم عليه مع كونه حكما ولا هو جائر فإنه حكم بما شرع له من إقامة الشهود أو الإقرار الذي ليس بحق فكان اللفظ من الشاهد واللفظ بالإقرار من المقر أوجب له الحكم وإن كان قول زور أو شهادة زور وإنما قلنا فيه إنه أخو العليم لكونه في نفس الأمر ما يكون حكما حقيقة إلا يجعل المحكوم له أو عليه هذا هو التحقيق والأخوة هنا قد تكون أخوة الشقائق وقد تكون أخوة الصفة كأخوة الايمان وغير الايمان وقد تكون أخوة من الأب الواحد دون الآخر وقد تكون من الرضاعة فلذلك قلنا إنه أخو العليم وما بينا مراتب الأخوة فأحقها أخوة الايمان فإن بها يقع التوارث وهي أخوة الصفة كذلك الحكم ما حكم الحاكم على المحكوم عليه إلا لصفة لا لعينه ومن شرط الحكم أن يكون عالما بالحكم لا بالمحكوم عليه وله وإنما شرطه العلم بصفة ما يظهر من حال المحكوم عليه وله بما ذكرناه من شهود صدقوا أو كذبوا أو من إقرار صدق أو كذب فهو تابع أبدا فيكون عالما بالحكم لا بد من ذلك الذي يوجبه ويعينه ما قررناه والحق فيه مصادفة وهو موضع الإجماع مع كونه بهذه المثابة والخلاف في حكم الحاكم بعلمه دون إقرار ولا شهادة هل يجوز أو لا يجوز وقد بينا مذهبنا في هذه المسألة في هذا الكتاب في حكم الحاكم بعلمه أين ينبغي أن يحكم وأين ينبغي أن لا يحكم بعلمه فإنها من أشكل المسائل وعلى كل حال فهي حضرة مبهمة حكم حكمها الأشاعرة في الصفات الإلهية بقولهم لا هي هو ولا هي غيره مع قولهم بأنها زائدة بالعين على الذات وجودية لا نسبية وغير الأشعري لا يقول بهذا والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!