الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


185. الموقف الخامس و الثمانون بعد المائة

قا ل تعالى: ﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾[النساء: 4/ 100].

الهجرة إلى الله قلبية وهي الأساس الأول، والأمر الذي عليه المعوّل، وهي بحصول الزاجر الإلهي، والعزوف عمّا كان عليه من المخالفات للأوامر الإلهية، والهجرة إلى رسوله هي المقصد الثاني للدلالة، وتعريف سلوك طرق المطلوب، وهي هجرة جسمانية، وكم كانت الهجرة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) واجبة قبل الفتح، فتح مكة، فهي اليوم باقية لورثة أحواله وأسراره، الدالين على الله تعالى ، الداعين إلى معرفته. ثم يدركه الموت قبل اجتماعه بالرسول، أو وارثه، أو قبل حصوله على المطلوب الذي هاجر لأجله، فقد وقع ، ثبت أجره، جزاءه على الله، أوجبه تعالى على نفسه تفضلاً وامتناناً، ﴿وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾[البقرة: 251]. فيبعث المهاجر لمعرفة الله تعالى ، والقرب منه في عداد العارفين بالله، وفي مقاماتهم العلية، فكم ترى في الآخرة ممّن لم يحصل على معرفة الله في الدنيا، وقد حشر في زمرة العارفين بالله تعالى ـ، ونال منزلتهم! وكذلك طالب حفظ كتاب الله، وطالب العلم لوجه الله يبعثان في عداد الحفّاظ و العلماء، وفي مقاماتهم، بل هؤلاء أكمل نعيماً، فإنهم لا يسألون عمّا حصل لهم في الآخرة من الإنعام، بخلاف من حصل لهم في الدنيا، فإنهم يسألون عن ذلك النعيم. والهجرة إلى الرسول أو وارثه واجبة على الأعيان، إلاَّ إذا سبقت للعبد عناية أزليّة، وكان من المرادين، ورحمه الله تعالى بجذبة رحمانية، وخطفة ربّانية، فعرف نفسه فعرف ربه فتسقط عنه الهجرة، كم ورد في الصحيح: ((لا هجرة بعد الفتح)).

لأنَّ العبد إذا رقاه الحق صار حقّاً، فليس عليه هجرة لطلب الدليل، ولذ قال القوم رضوان الله عليهم : ليس للشيخ على المريد بعد الفتح إلاَّ مرتبة الصحبة والأخوة و المشاورة، لا غير، وأمَّا الهجرة إلى الله فالفتح بدونها مستحيل.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!