﴿(أَنْ لَوْ يَشٰاءُ اللّٰهُ)لَهَدَى النّٰاسَ جَمِيعاً﴾ فكان حكم هذه المشيئة في الدنيا بالتكليف و أما في الآخرة فالحكم لقوله ﴿يَفْعَلُ مٰا يُرِيدُ﴾ [البقرة:253] فمن يقدر أن يدل على أنه لم يرد إلا تسرمد العذاب على أهل النار و لا بد أو على واحد في العالم كله حتى يكون حكم الاسم المعذب و المبلى و المنتقم و أمثاله صحيحا و الاسم المبلى و أمثاله نسبة و إضافة لا عين موجودة و كيف تكون الذات الموجودة تحت حكم ما ليس بموجود فكل ما ذكر من قوله لو شاء و لئن شئنا لأجل هذا الأصل فله الإطلاق و ما ثم نص يرجع إليه لا يتطرق إليه احتمال في تسرمد العذاب كما لنا في تسرمد النعيم فلم يبق إلا الجواز و أنه رحمن الدنيا و الآخرة فإذا فهمت ما أشرنا إليه قل تشعيبك بل زال بالكلية
«مسألة» [إطلاق الجواز على اللّٰه]
إطلاق الجواز على اللّٰه تعالى سوء أدب مع اللّٰه و يحصل المقصود بإطلاق الجواز على الممكن و هو الأليق إذ لم يرد به شرع و لا دل عليه عقل فافهم و هذا القدر كاف فإن العلم إلهي أوسع من أن يستقصي ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
«الباب الثامن عشر»
في معرفة علم المتهجدين
و ما يتعلق به من المسائل و مقداره في مراتب العلوم و ما يظهر منه من العلوم في الوجود
علم التهجد علم الغيب ليس له *** في منزل العين إحساس و لا نظر
إن التنزل يعطيه و إن له *** في عينه سورا تعلو به صور
فإن دعاه إلى المعراج خالقه *** بدت له بين أعلام العلى سور
فكل منزلة تعطيه منزلة *** إذا تحكم في أجفانه السهر
ما لم ينم هذه في الليل حالته *** أو يدرك الفجر في آفاقه البصر
نوافج الزهر لا تعطيك رائحة *** ما لم يجد بالنسيم اللين السحر
إن الملوك و إن جلت مناصبها *** لها مع السوقة الأسرار و السمر
[المتهجد: من هو؟ما له من الأسماء الإلهية؟]
اعلم أيدك اللّٰه أن المتهجدين ليس لهم اسم خاص إلهي يعطيهم التهجد و يقيمهم فيه كما لمن يقوم الليل كله فإن قائم الليل كله له اسم إلهي يدعوه إليه و يحركه فإن التهجد عبارة عمن يقوم و ينام و يقوم و ينام و يقوم فمن لم يقطع الليل في مناجاة ربه هكذا فليس بمتهجد قال تعالى ﴿وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء:79] و قال ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ﴾ [المزمل:20]
[المتهجد: ما مستنده من الأسماء الإلهية]
و له علم خاص من جانب الحق غير أن هذه الحالة لما لم نجد في الأسماء الإلهية من تستند إليه و لم نر أقرب نسبة إليها من الاسم الحق فاستندت إلى الاسم الحق و قبلها هذا الاسم فكل علم يأتي به المتهجد إنما هو من الاسم الحق «فإن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم قال لمن يصوم الدهر و يقوم الليل إن لنفسك عليك حقا و لعينك عليك حقا فصم و أفطر و قم و نم» فجمع له بين القيام و النوم لأداء حق النفس من أجل العين و لا داء حق النفس من جانب اللّٰه و لا تؤدي الحقوق إلا بالاسم الحق و منه لا من غيره فلهذا استند المتهجدون لهذا الاسم
[المتهجد: ما خصوصيته]
ثم إنه للمتهجد أمر آخر لا يعلمه كل أحد و ذلك أنه لا يجني ثمرة مناجاة التهجد و يحصل علومه إلا من كانت صلاة الليل له نافلة و أما من كانت فريضته من الصلاة ناقصة فإنها تكمل من نوافله فإن استغرقت الفرائض نوافل العبد المتهجد لم يبق له نافلة و ليس بمتهجد و لا صاحب نافلة فهذا لا يحصل له حال النوافل و لا علومها و لا تجلياتها فاعلم ذلك
[المتهجد: في نومه و قيامه]
فنوم المتهجد لحق عينه و قيامه لحق ربه فيكون ما يعطيه الحق من العلم و التجلي في نومه ثمرة قيامه و ما يعطيه من النشاط و القوة و تجليهما و علومهما في قيامه ثمرة نومه و هكذا جميع أعمال العبد مما افترض عليه فتتداخل علوم المتهجدين كتداخل ضفيرة الشعر و هي من العلوم المعشوقة للنفوس حيث تلتف هذا الالتفاف فيظهر لهذا الالتفاف أسرار العالم الأعلى و الأسفل و الأسماء الدالة على الأفعال و التنزيه و هو قوله تعالى ﴿وَ الْتَفَّتِ السّٰاقُ بِالسّٰاقِ﴾ [القيامة:29] أي اجتمع أمر الدنيا بأمر الآخرة و ما ثم إلا دنيا و آخرة و هو المقام المحمود الذي ينتجه التهجد قال تعالى ﴿وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً﴾ [الإسراء:79] و عسى من اللّٰه واجبة و المقام المحمود هو الذي له عواقب الثناء أي إليه يرجع كل ثناء
[المتهجد: ما قدر علمه؟]
و أما قدر علم التهجد فهو عزيز المقدار و ذلك أنه لما لم يكن له اسم إلهي يستند إليه كسائر الآثار عرف من حيث الجملة إن ثم أمرا غاب عنه أصحاب الآثار و الآثار