الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

(المعطي المانع حضرة العطاء والمنع)

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[93] - (المعطي المانع حضرة العطاء والمنع)

حضرة المنع والعطاء *** حضرة ما لها غطا

فانظر المنع يا أخي *** تجده عين العطا

فإذا كنت هكذا *** كنت في الحكم مقسطا

وإذا لم تكن كذا *** كنت في حكم من سطا

لا تكن كالذي مضى *** في هواه وفرطا

[إنما الشكر لله تعالى إلا ما أمر الله به‏]

فمن علم إن الله هو المعطي لم يشكر غيره إلا بأمره قال تعالى أَنِ اشْكُرْ لِي ولِوالِدَيْكَ‏

إذا ما قلت تعطي *** فقد أعطيت لم تعطي‏

فلا نكذب ولا تجحد *** فإنك لم تزل تعطي‏

فلا نكفر وقم واشكر *** لمن أعطى الذي أعطى‏

متى ما لم يقل هذا *** عبيد الله قد أخطأ

يقال لصاحبها عبد المعطي وقال تعالى ما يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ من رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها

إذا أعطى فلا مانع *** وإن يمنع فلا معطي‏

فيا نفسي بجود الله *** مهما جنته حطي‏

وأسرع عند ما يدعوك *** للإتيان لا تبطئ‏

ولا تفزع إلى أمر *** أتى بالغت والغط

فتفرق منه لا تفعل *** فإن الجد في الحط

وكن بالحق مربوطا *** فإن الخير في الربط

ولا تضبط على أمر *** فإن البحل في الضبط

وكن للشرط مطلوبا *** فلا تقعد عن الشرط

وكن خطأ ولا تبرح *** مع الرحمن في الخط

ولا تركن إلى سطح *** ولا تنظره في النقط

تكن بالحق موصوفا *** بلا قرب ولا شحط

ولا تعرفه في قبض *** ولا تجهله في البسط

وإن عاينته بحرا *** فلا تبرح من الشط

وقل يا منتهى سرى *** لقد وفيتني قسطي‏

إذا أنزلت أزواجا *** بدخ العود بالقط

عسى يأتيك ما تهوي *** من الأخبار في القسط

يدعى صاحبها أيضا بوجه عبد المانع قال الله تعالى وما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ من بَعْدِهِ‏

[إن الجود الإلهي مطلق‏]

اعلم أن حضرة المنع أنت فإن الجود الإلهي مطلق فالمنع عدم القبول لأنه لا يلائم المزاج فلا يقبله الطبع ولا تخلو عن قبول فقد قبلت من العطاء ما أعطاه استعدادك فإن تألمت بما حصل لك فما كان إلا قبولك وإن تنعمت فما كان إلا قبولك ومن قبل المفيض المعطي لا ألم ولا نعيم بل وجود جود صرف خالص محض فإن قلت قد وصف نفسه بالإمساك وهو المنع لا غير قلنا لما وصف نفسه بالإمساك في تلك الحال هل بقيت بلا أعطية فإنه يقول لا بل كنت على أعطية من الله فإن الجود الإلهي يأبى ذلك فلهذا لم تقبل لما في المحل مما قبلت فإن قلت فقد منع ما تعلق به غرضي حين إمساكه عني كما يمسك المطر قلنا ما أمسك شيئا عن إرساله إلا وإمساكه عطاء من وجه لا يعرفه صاحب ذلك الغرض فقد أعطاه الغرض وأمسك عنه الغيث ليستسقيه فيقام في عبادة ذاتية من افتقار فأعطاه ما هو الأولى به وهذا عطاء الكرم فلا تنطر إلى جهلك وراقب علمه بالمصالح فيك فتعرف إن إمساكه عطاء فمن مسكه عطاء كيف تنظره مانعا ولا تنظره معطيا وما تسمى بالمانع إلا لكونك جعلته مانعا حيث لم تنل منه غرضك فما منع إلا لمصلحة فإن قلت فالجاهل به قد منعه العلم به قلنا هنا غلط كبير فإن العلم بالله محال فلم يبق العلم به إلا الجهل به وهذا علم العلماء بالله وما عدا هؤلاء من أصحاب النظر فكل واحد منهم بزعم أنه قد علم ربه وما هو إلا علم ربه فما منهم من يقول إن الله منعني العلم به بل هو فارح مسرور بعقيدته وإنه عند نفسه عالم بربه وكذلك هو فذلك حظه من علمه بربه فما في الوجود من هو ممنوع العلم بالله لا الجاهل به ولا العالم كل قد علم صلاته وتسبيحه يعلم لمن يصلي ومن يسبح فما

[إن الله وهب العلم لمن طلب الزيادة]

ثم من يقول إن الله ما وهبني العلم به إلا أنه يطلب الزيادة ولا يكون ذلك منعا فإن الحال لا يعطي إلا المزيد لكون استحالة ما لا يتناهى أن يدخل في الوجود ومريد العلم بالله لا يتناهى فهو في كل نفس يهب من العلم به ما يشعر به وما لا يشعر به يقول إن الله أبقى على ذلك العلم به الذي كان عندي فلا يزال التكوين دائما لا ينقطع فهو لكل ما لم يحصل في الوجود مانع عند هذا الشخص حيث يرى الإمكان في تحصيله في الزمان الذي لم يحصل له وما ذاك إلا لجهله بالأمر فإن الأمور لا تنظر من حيث إمكانها فقط بل تنظر من حيث إمكانها ومن حيث اقتضاه علم المرجح فيها من التقدم والتأخر وما في الوجود فراغ إذ لو كان ثم فراغ لصح المنع حقيقة فما ثم الا عطاء في عين منع ومنع في عين عطاء وما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً

من منعه عطا *** فذاك الجواد

وكشفه غطا *** فإنه المراد

وذاته وطاء *** وليس بالمهاد

فلا يريد شيئا *** نعم ولا يراد

والأمر مستمر *** يجري على السداد

صراطه قويم *** يهدي إلى الرشاد

فحضرة المنع تعطي المنع بعطاء العين فالمنع تبع فإن المحل إذا كان في اللون أبيض فقد أعطاه البياض وعين إعطاء البياض منع ما يضاده من الألوان لكن ليس متعلق الإرادة إلا إيجاد عين البياض فامتنع ضده بحكم التبع وهكذا كل ضد في العين‏

فالنفي أصل في كل كون *** وذلك المنع إن عقلتا

وما له في الوجود حظ *** فما حرمت وما منعتا

أحكام سلب قامت بعين *** من غير عين إذا نسبتا

مثل العزيز الغني فاعلم *** فإنك الحبر إن علمتا


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!